لبنان
27 حزيران 2022, 06:30

عوده: السّلوك المثليّ في الكتاب المقدّس لا يباركه الله بل يحظره بوضوح

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران الياس عوده القدّاس الإلهيّ يوم الأحد في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس، وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى عظة جاء فيها:

"الحياة من دون المسيح ليست حياة حقيقيّة، بل هي موت. لذلك، مهما اغتنى العالم بالمظاهر، هو لا قيمة له إلّا في وجه يسوع الإله- الإنسان. هذا ما كان تلاميذ المسيح يعرفونه جيّدًا، لذا هجروا كلّ شيء وتبعوه. لقد وجدهم المسيح منشغلين بأعمالهم. كان أندراوس وبطرس يرميان الشّبكة في البحر، ويعقوب ويوحنّا يصلحان شباكهما مع أبيهما. أتت دعوة المسيح مقتضبة، تحمل الكثير من المعاني: "هلمّ ورائي فأجعلكما صيّادي النّاس" (مت 4: 19). أمّا تلبية التّلاميذ فكانت حارّة وفوريّة، إذ ترك سمعان بطرس وإندراوس الشّباك وتبعاه، أمّا يعقوب ويوحنّا فتركا الشّباك والمركب وأباهما وتبعا الرّبّ يسوع. لو أردنا أن نقيس قرارهم بمقاييس الإنسان الطّمّاع المجتهد والمجدّ، وهو مثال الإنسان الحكيم في نظر هذا العالم، لبدا قرارهم مبالغًا به وغير منطقيّ. هم تركوا أعمالهم وأتعابهم والعائلة، ولم يلتفتوا إلى الوراء. فماذا عنت لهم المهمّة الجديدة التي عرضها عليهم المسيح، أيّ أن يكونوا صيّادي ناس؟ المسيح، في دعوته للرّسل، فتح طريق المحبّة المصلوبة. طبعًا، لم يستطع هؤلاء أن يعرفوا، منذ البدء، الطّريق التي اختاروها. إلّا أنّهم برهنوا عن تحلّيهم بالشّروط اللّازمة للعمل العظيم الذي اختارهم له المسيح.
في إنجيل اليوم، نرى الرّسل الأربعة يطبّقون الآية: "من أحبّ أبًا أو أمًّا أكثر مني فلا يستحقّني" التي سمعناها الأحد الماضي في عيد جميع القدّيسين، والتي هي الطّريق إلى القداسة. فقبل أن يصبحوا شهود عيان للعجائب الباهرة، وقبل أن يسمعوا هذا القول، لبّوا دعوة المسيح بسرعة وحرارة. إنجيل متّى لا يذكر أيّ لقاء سابق للمسيح بتلاميذه، وهذا يولّد حيرة. فكيف وافق هؤلاء الأربعة المزمعون أن يصبحوا رسلًا، موافقة فوريّة، على دعوة معلّم مجهول، طلب منهم أن ينكروا حياتهم السّابقة كلّها، ويدخلوا في مسيرة يجهلون نهايتها؟ يوضح القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ هذا الغموض، فيلفت نظرنا إلى اختلاف إنجيل يوحنّا عن سواه في وصف دعوة الرّسولين أندراوس وبطرس. في هذا الإنجيل، نرى المعمدان يدلّ تلاميذه على المسيح، ونعاين أنّ أندراوس هو أحد الذين استجابوا لإشارة يوحنّا. من يحاول فهم النّصوص المقدّسة من مظهرها الخارجيّ، قد يرى في الأمر تضاربًا. إلّا أنّ الأمر ليس كذلك. إنّ دعوة التّلاميذ في إنجيل متّى هي الدّعوة الثّانية، وقد سبقتها تلك الواردة في إنجيل يوحنّا. أندراوس الذي دعاه المسيح أوّلًا، أقام معه يومًا كاملًا، الأمر الذي يفسّر تلبيته السّريعة للدّعوة. لم يكن الرّبّ يسوع بالنّسبة إليهم معلّمًا مجهولًا، بل امتلكوا شهادة يوحنّا عنه وقد ثبّتتها خبرتهم الشّخصيّة. الإنسان المسيحيّ يمكنه أن يخبر من هم حوله من غير المؤمنين عن المسيح، لكنّهم لن يفهموا لذّة العيش معه ما لم يذوقوا حلاوتها.

إذا، لم يكن قرار التّلاميذ باتّباع المسيح متسرّعًا أو عفويًّا، بل ثمرة ناضجة لإعداد يوحنّا المعمدان لهم، ولخبرتهم الشّخصيّة، فأصبحوا صيّادي النّاس. إنّ السّمكة حينما تقع في الشّباك وتخرج من المياه، تتخبّط، وكثيرًا ما تجد القوّة لتمزّق الشّبكة وتستعيد حرّيّتها داخل المياه. تشعر أنّ الصّيّاد وشباكه هم أعداؤها، يريدون إهلاكها. في حالة الرّسل، وبعدهم الكنيسة، الشّباك التي يرمونها في بحر العالم لا تهدف إلى إخراج النّاس من بيئتهم الطّبيعيّة لتقيّدهم وتميتهم. كلمتهم تصطادنا من بحر الخباثة ومياه الإلحاد والخطيئة، وتغلق علينا في شبكة وصايا الرّبّ الخلاصيّة، التي يمكننا الإفلات منها إذا غلبتنا الأنا المتعلّقة بتيّار هذا العمر الهائج.
نسمع في هذه الأيّام عن لقاءات تروّج للمثليّة. ولأنّنا نتكلّم عن الرّسل واصطيادهم البشر من بحر الخطيئة والانحراف نقول إنّنا، مع احترامنا لحرّيّة الإنسان، نحن نؤمن أن "الله محبّة" (1 يو4: 8). بالتّالي كلّ محبّة حقيقيّة مصدرها الله، ولا يمكن عيشها إلّا وفقا لمشيئة الله ووصاياه. ومحبّة الله تنعكس في ترتيب الخلق. يعلن سفر التّكوين أنّه منذ خلق آدم حواء، خلق الإنسان ذكرًا وأنثى: "فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهما، وباركهما الله وقال: أثمروا وأكثروا، واملأوا الأرض" (تك1: 27). يعلن الكتاب المقدّس بوضوح أنّ الذّكر هو المكمّل الوحيد للأنثى في الحبّ، والزّواج، والاتّحاد المبارك من أجل المشاركة في فعل الخلق عبر الإنجاب، والأنثى وحدها مكمّلة للذّكر. "لذلك يترك الرّجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويصيران كلّاهما جسدًا واحدًا" (تك 2: 24). لكنّ البعض يسعون في مجتمعاتنا إلى التّسويق لمفاهيم منحرفة لحرّيّة الفرد ولحقوق الإنسان. جماعات تستورد قناعات وقيمًا خاطئة عمّا يسمّونه "حرّيّة عيش المثليّة الجنسيّة" وسواها من الاتّجاهات المريضة، إلى تغيير الجنس، بحيث يستعبد كيان الإنسان وحياته بمجملها لمنطق الشّهوة المنحرفة والخطيئة. هذه النّزعات غير الإنسانيّة تجرّد الإنسان من كرامته وقيمته كشخص مخلوق على صورة الله ومثاله.
السّلوك المثليّ في الكتاب المقدّس لا يباركه الله بل يحظره بوضوح. جاء في سفر اللّاويين: "لا تضطجع مع ذكر كما مع المرأة، فهذا رجس" (18: 22). كذلك يوضح الرّسول بولس: "... لأنّهم لمّا عرفوا الله لم يمجّدوه أو يشكروه كإله، بل حمقوا في أفكارهم، وأظلم قلبهم الغبيّ. وبينما هم يزعمون أنّهم حكماء صاروا جهلاء، وأبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفنى، والطّيور، والدّواب، والزّحافات. لذلك أسلمهم الله أيضًا في شهوات قلوبهم إلى النّجاسة، لإهانة أجسادهم بين ذواتهم، الذين استبدلوا حق الله بالكذب، واتّقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق، الذي هو مبارك إلى الأبد. آمين. لذلك أسلمهم الله إلى أهواء الهوان، لأن إناثهم استبدلن الاستعمال الطّبيعيّ بالذي على خلاف الطّبيعة، وكذلك الذّكور أيضًا، تاركين استعمال الأنثى الطّبيعيّ، اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض، فاعلين الفحشاء ذكورًا بذكور، ونائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحقّ. وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم، أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق." (رو 1: 21-27).
البنية الجسديّة، فيزيولوجيا، للذّكر والأنثى تتكامل. "ذكرا وأنثى خلقهما". هذا خير تعبير عن القصد الإلهيّ في الخليقة. وكلّ ترتيب آخر هو سقوط وانحراف. ولا يمكن تحديد هويّة الشّخص من خلال رغباته الجنسيّة أو شغفه الجسديّ. المطلوب هو توجيه تلك الرّغبات وتنظيمها في الأطر الأخلاقيّة والرّوحيّة التي يمكن من خلالها تحقيق مقاصد الله. من هنا يؤكّد الرّسول بولس أنّ الاتّحاد الزّوجيّ هو صورة للعلاقة بين المسيح والكنيسة: "أيّها الرّجال، أحبّوا نساءكم كما أحبّ المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها، لكي يقدّسها، مطهّرًا إيّاها بغسل الماء بالكلمة، لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة، لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك، بل تكون مقدّسة وبلا عيب. كذلك يجب على الرّجال أن يحبّوا نساءهم كأجسادهم. من يحب امرأته يحبّ نفسه" (أف 5: 25-28).
أمّا الحبّ في إيماننا فلا يفهم إلّا على مثال محبّة المسيح غير الأنانيّة للبشريّة. الحبّ البشريّ الحقيقيّ هو حبّ يفرغ ذاته، يضحّي بنفسه من أجل الآخر. الحبّ الحقيقيّ تضحية بالذّات، لا استهلاك للشّهوة. "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني، فإنّ من أراد أن يخلّص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها. لأنّه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟ أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟" (مت 16: 25). أيّ نوع من النّشاط الجنسيّ لا يقوم على بذل الذّات والتّخلّي عن الأنانيّة هو نجس ويصبح حتمًا متمحورًا حول الذّات، وبالتّالي هو غير نقيّ. في هذا السّياق كتب القدّيس بولس: "الجسد ليس للزنى بل للرّبّ والرّبّ للجسد" (1 كو6: 13)".
 إذا أراد المرء أن يعيش حياته في المسيح، عليه أن يتوافق مع مشيئة الله في كلّ شيء. وكما أنّ الإنسان المؤمن مدعوّ للتّغلّب على العواطف، أو الميل نحو النّشاط الجنسيّ خارج الزّواج، كذلك الإنسان المثليّ الجنس مدعوّ للتّغلّب على الميل الذي لديه، وعلى كلّ شغف نحو نشاط جنسيّ خارج الأطر الأخلاقيّة لزواج الرّجل من المرأة. قد يكون الصّراع صعبًا، ولكن بنعمة الله كلّ شيء ممكن. غالبًا ما يكون الصّليب الذي يجب أن نحمله هو الجهاد من أجل التّغلّب على العواطف الجامحة. من المهم أن يكون لدى الأشخاص الإيمان والالتزام الرّوحيّ لفعل مشيئة الله، وبذل كل ما في وسعهم لمحاربة كلّ شهوة ضارّة مستعينين بالصّوم، والصّلاة، والإرشاد الرّوحيّ، وأسرار الكنيسة المقدّسة. المؤمنون مدعوّون أن يتوافقوا بإرادتهم وسلوكهم مع وصايا المسيح. على الإنسان أن يتغلّب على ميوله لكي يشترك في طريق الخلاص. نحن نشجب كلّ الحملات والنّدوات والأنشطة التي تدعو المثليّين جنسيًّا للاستسلام لشغفهم. إنّ آباء الكنيسة واضحون بشأن مخاطر تعريض المرء نفسه لأجواء تدفعه إلى الخطيئة. لأنّه عندما تسود الشّهوة لا العقل، يقع الإنسان في حلقة مفرغة خبيثة. محبّتنا للقريب تعني مقاربته في الحقّ لا في المجاملة، ودعوته إلى التّوبة والقيام بما هو مناسب لخلاصه، والتّأكيد على ما هو صالح ومقدّس من أجل خيره ومصالحته مع مشيئة الله القدوس.
دعوتنا اليوم أن نسرع وراء المسيح فقط، لأنّ الخلاص عنده، ولا خلاص لدى البشر. المسيح لا مصلحة لديه، بل يمنح البشر حرّيّة قبوله أو رفضه بملء اختيارهم. ودعوته "هلمّ ورائي" ليست موجهة إلى التّلاميذ فقط بل إلى كلّ من يسمعها، وبشكل خاصّ أبناء الكنيسة الذين عرفوا الرّبّ يسوع وسمعوا تعاليمه وعلموا أنّ محبّته نبع متدفّق لا ينضب. القرار شخصيّ. هل أكون من سامعي الكلمة وحسب، أم أكون من الفعلة الذين يؤمنون ويعملون بإيمانهم؟ رجاؤنا أن يعمّ الإيمان الحقيقيّ والعمل النّافع".