عوده استقبل الرّئيس تمّام سلام، والتّفاصيل؟
"قمت اليوم بزيارة هذه الدّار البيروتيّة الكريمة والعريقة الّتي تربطنا بها علاقة قديمة جدًّا ونحرص دائمًا على استمرارها وتوطيدها خاصّةً في ظلّ سيّد هذه الدّار سيادة المطران الياس عوده الّذي هو صديقي على الصّعيد الشّخصيّ ولكنّه على الصّعيد العامّ هو حامل آلام وأوجاع اللّبنانيّين ولا يوفّر مناسبة إلّا ويعبّر فيها عن تلك الآلام والأوجاع لعلَّ هناك مَن يسمع، ومَن يتجاوب، لأنّ الوضع العامّ في البلد لم يعد يطمئن أحدًا. لنكن واقعيّين وموضوعيّين، ما هو موضوع السّاعة في لبنان؟ هو موضوع تأليف الحكومة. لماذا تأليف الحكومة؟ لأنّ البلد بحاجة إلى مرجعيّة تنفيذيّة تستطيع إدارة شؤون البلاد وتخفّف من الآلام والأوجاع عند النّاس وتتواصل مع الدّاخل كما مع الخارج. ماذا يحول دون تحقيق ذلك؟ هناك معطيات، كما يعلم الجميع، إقليميّة ودوليّة، لها تأثيرها دائمًا وحسب أجواء تلك الحالات الإقليميّة والدّوليّة إمّا تكون مرتاحة وتُريحنا وإمّا تكون متشنّجة وتضعنا في موقف حرج وهذا هو واقعنا اليوم. هناك مواجهة إقليميّة ودوليّة نتأذّى منها ونتضرّر، لكن هذا لا يمنع أنّ هناك مساحة واسعة وشاسعة للقرار الدّاخليّ عندنا، لقرار أصحاب الشّأن، أصحاب المكانة، أصحاب التّمثيل الصّحيح للبلد ولأهله. هنا يجب أن نعترف أنّ هناك نهجًا في البلد، برأيي إسمه نهج العرقلة والتّعطيل، ومَن اتّبع هذا النّهج وأوصلهم إلى أعلى المناصب وعطّلوا البلد سنتين ونصف من أجل ذلك، ليس من الغريب عليهم من أجل الاستمرار بالتّسلّط على البلد والسّطوة على أهله أن يستمرّوا في ممارسة هذا الأمر الّذي أوصلهم أيّ العرقلة والتّعطيل وهذا قائمٌ على قدمٍ وساق. ومع الأسف شاهدنا في السّنوات الأربعة الماضية الكثير من الخروج على الدّستور وعلى وثيقة الطّائف بأعراف تكاثرت وتزايدت من هنا وهناك ويريدون الجميع أن يعتقدوا أنّ هذا هو الصّحيح والصّواب، وشعارات عالية، كشعار محاربة الفساد. من لا يريد الاقتصاص من الفاسدين؟ ولكن في الوقت نفسه للوصول إلى ذلك نحن بأمسّ الحاجة إلى مرجعيّة عادلة، إلى قضاء يستطيع القيام بوظيفته، بمهمّته، ليس فيه تدخّل سياسيّ ليلاً نهارًا لإضعافه، وليس قضاء يتّفق المجلس الأعلى فيه بالإجماع عدّة مرّات على تشكيلات قضائيّة لتعزيز دور هذا السّلك ويتعاطى معها المسؤول الأوّل بخفّة كأنّه رماها في سلّة المهملات وتعالوا حاسبوا. كيف هذا ومن سيحاسب؟ المحاسبة تكون باستقلاليّة القضاء، عندما تأتي مناسبة لتعزيز هذا المسار باعتماد ما أقرّه مرّتين بالإجماع مجلس القضاء الأعلى، نتجاهله ولا ننفّذه. طبعًا من البديهيّات أنّ الثّقة مفقودة في البلد اليوم. وإذا استمرّت الأمور على هذا المنوال البلد سيتهدّم، وسيتخرّب، أيّ العرقلة والتّعطيل ستتحوّل إلى تهديم وتخريب. النّاس والمواطن اللّبنانيّ سيعانون كثيرًا، نرى مظاهر هذه المعاناة بأشكالها المختلفة والشّعب تعب، الإنسان اللّبنانيّ تعب إن كان الّذي يصارع يوميًّا لتأمين حاجاته، للاستمرار والبقاء وللعيش الكريم وإن كان من يفقد الأمل كاملاً عاملاً بالنّصيحة الّتي سمعناها كلّنا منذ سنتين: مَن لا يعجبه فليهاجر من البلد، أو النّصيحة الأخيرة إنّ البلد ذاهب إلى الجحيم. لا سبب جوهريّ اليوم لعدم المضيّ في تأليف الحكومة. لكنّهم يقولون لا تتألّف حكومة إذا لم يكن لنا رأي فيها علمًا أنّهم لم يساهموا بتكليف الرّئيس الحريري لكنّهم يفرضون عليه ما يريدون. أنتم لم تشاركوا في تكليفه عارضوه ولكن لماذا تعرقلون؟ إبقوا ضمن نظامنا الدّيمقراطيّ الّذي نحن بحاجة إلى التّمسّك به تنفيذًا وليس صوريًّا كما هو اليوم. وصلنا إلى القول إنّ النّظام ليس جيّدًا ونريد تغيير النّظام. هذا ليس صحيحًا لدينا دستور جيّد ولكن لدينا ممارسة سيّئة، لدينا تطبيق للنّظام سيّء، لدينا معاطاة للشّأن العامّ، لمسؤوليّات هذا الشّأن العامّ مبنيّة على قواعد الوصوليّة والانتهازيّة إلى حدود الحقد والثّأر والتّشفّي من هذا الفريق السّياسيّ أو الآخر. لن يستمرّ البلد هكذا ولن يستطيع لبنان النّظر إلى الأمام في هذه الأجواء وبهذه الطّريقة. نريد إجراء انتخابات فرعيّة ولا نستطيع، أمّا الانتخابات العامّة فالأجواء لا تسمح، وانتخابات رئاسيّة أيضًا الأجواء لا تسمح، لكي نبقى مسيطرين ونبقى نحن أصحاب النّفوذ ونحن السّلطة ونحن التّسلّط. هذا شيء مؤسف جدًّا ومزعج جدًّا ومضرّ لجميع مَن لديهم نيّة طيّبة وغيرة صحيحة على بلدهم. أنا أدعو إلى التّواضع. على الجميع أن يتواضعوا. كفى هذا التّكبّر والتّجبّر والنّكران. هناك كمّيّة واسعة من التّنكّر لما يحصل في البلد اليوم، لمعاناة وآلام هذا الشّعب. التّواضع هو المدخل. تواضعوا يا إخوان. إنسوا أنّنا سنحصل من هنا على مقعد ومن هنا على منفعة ومن هنا على منصب. تواضعوا. لبنان لا يقوم إلّا على المحبّة، وعلى التّوافق ولكن التّوافق ليس تناحرًا وتصادمًا. التّوافق يعني محبّة وتآلف. إذا لم نصل إلى جوّ من الألفة ومن المحبّة بين اللّبنانيّين بدل الكراهيّة والتّسابق والتّنافس على مكاسب لهذا أو ذاك، لا شيء يؤمّل بالخير وأنا أقول هذا الكلام وضميري مرتاح. لم أتعوّد أن أقول كلامًا منمّقًا أو مسايرًا لهذا أو ذاك.
ـــــ أليس هناك أيّ بوادر إيجابيّة رغم المبادرات الّتي نسمع بها ورغم الحركة الدّبلوماسيّة الّتي شهدناها؟
ـــــ هناك حركة ولكن هناك جهات تعرقل كلّ شيء. الرّئيس برّي يحاول بأساليب مختلفة ومقاربات مختلفة ولكن مع الأسف طالما هناك قرار إقليميّ بعدم المضيّ إلى الأمام وطالما هناك داخليًّا قوى سياسيّة لديها أطماع تقدّمها على كلّ شيء آخر، الأمور ليست سهلة. خبرنا ذلك في الماضي وأنا شخصيًّا خبرت في الماضي كيف يكون التّعطيل والعرقلة. الله يحمي لبنان".