عودة إلى ما قاله ميناسيان من حريصا بحضور البابا لاون الرّابع عشر
"يا قداسة الأب الأقدس،
لقد عاش لبنان اليوم لحظة نعمة حقيقيّة. إنّ صلاتكم في مغارة القدّيس شربل، قدّيس الصّمت والنّور، أعادت إلى أذهاننا قوّة الإيمان الّتي تشفي وتخلّص.
وها نحن الآن، أمام سيّدة لبنان، نجتمع تحت نظرتها الأموميّة الّتي تحتضن جميع أبنائها. ففي هذا المقام، حيث تلتقي الشّعوب والأديان وتتصالح، تجد روح لبنان سندها الرّوحيّ العميق. نكلّف وطننا والكنيسة والعالم بأسره إلى سيّدة حريصا.
إنّ زيارتكم اليوم، يا صاحب القداسة، شعلة حيّة من الصّلاة والرّجاء، تنير زوايا بلادنا كلّها. وفي كلّ يوم، أينما كنّا، في الكنائس، أو في المصلّيات، أو في بيوتنا، ترتفع أصواتنا نشيدًا واحدًا، كبخورٍ يصعد نحو السّماء. ونحن نصلّي معكم، يا قداسة البابا، من أجل السّلام، والعدالة، وقيامة لبنان الحبيب من محنته.
على هذه الأرض المباركة، مهد المسيحيّة في الشّرق، يمدّ الإيمان جذوره العميقة منذ قرون. وفي هذا الموضع الّذي تتجاوب فيه لغات الشّرق والغرب وطقوسهما، يتحوّل تعدّد التّقاليد إلى غنى روحيّ يكشف جمال نعمة الله المتنوّعة.
ومع إخوتنا وأخواتنا الّذين يشاركوننا عطش الحقّ والسّلام، نشهد أنّ العيش المشترك ممكن، وأنّ المحبّة أقوى من كلّ انقسام.
لقد واجه الشّعب اللّبنانيّ في السّنوات الأخيرة تجارب هزّت جسده وروحه. ومع ذلك بقينا صامدين. وعلى الرّغم من الألم والإرهاق، ما زلنا نسير قدمًا حرّاسًا للرّجاء، شهودًا للسّلام. وفي هذه المسيرة، تتحوّل الصّلاة إلى عملٍ حيّ: نمدّ يدنا للفقراء، ونرافق شبابًا تاهت بوصلتهم، ونمسح دموع من خسروا كلّ شيء.
وحفظنا ذكرى الشّهداء وجعلنا منها إنجيلًا معاشًا، يتجسّد في تفاصيل الحياة اليوميّة. ومن هذا الإيمان المشتعل تنبثق قوّة الشّرق المسيحيّ: قوّة تسند الإنسان، وتحفظ كرامته، وترعى الحياة في وطن يحتضن ثماني عشرة طائفة دينيّة، علامة حيّة على قدرة الإيمان على بناء الجسور فوق جراح العالم.
وكما صرخ التّلاميذ في قلب العاصفة: "يا سيّد، نجِّنا! فإنّنا نهلك" (متّى ٨: ٢٥)، فنحن أيضًا، أبناء هذه الأرض المجروحة، نضع رجاءنا في شفاعتكم، واثقين بأنّ الرّبّ سيمنح لبنان والشّرق الأوسط السّلام الحقّ، السّلام الّذي يولد من المسيح القائم من بين الأموات.
إنّ حضوركم، يا صاحب القداسة، يذكّرنا بأنّ الله معنا، وأنّ الكنيسة معنا، وأنّنا لسنا وحدنا أبدًا.
لتنزل نعمة الله مطرًا طيّبًا على جبالنا وودياننا. وليشعّ نور الإنجيل في كلّ قلب، وكلّ بيت، وعلى كلّ خطوة من طريقنا.
في المسيح القائم."
