علامَ حثّ البابا المعاونين في السّلك الدّبلوماسيّ في البعثات البابويّة؟
وقال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّ حضوركم هو مصدر فرح خاصّ لي، لأنّني أستقبلكم جميعًا معًا لأوّل مرّة. إنّ المناسبة هي مهمّة جدًّا: يوبيل الرّجاء. أنتم أيضًا، مثل العديد من الحجّاج، جئتم إلى روما، إلى قبر الرّسول بطرس، لكي تبِّتوا إيمانكم وتجدّدوا العزائم الّتي تحرّك خدمتكم. إنّ السّنة المقدّسة هي فرصة عناية إلهيّة لنا جميعًا لاكتشاف وتعميق جمال الدّعوة، أيّ دعوتنا المشتركة إلى القداسة، الّتي تلزمنا كلّ يوم بأن نكون شهودًا للمسيح، الرّجاء الحيّ للعالم.
أيّها الأحبّاء، أودّ أوّلًا أن أشكركم لأنّكم، كما يذكّرنا الرّسول، لم تتردّدوا أمام صوت المعلّم، الّذي يدعو إلى اتّباعه وترك كلّ شيء لحمل كلمة الإنجيل المخلّصة إلى أقاصي الأرض. هذه الدّعوة لها صدى خاصّ جدًّا بالنّسبة لكم، أنتم الّذين تمَّ اختياركم لممارسة الخدمة الكهنوتيّة في البعثات البابويّة: عطيّة والتزام بأن تصبحوا في كلّ مكان حضورًا للكنيسة كلّها، ولاسيّما، للعناية الرّعويّة للبابا، الّذي يرأسها في المحبّة.
من المؤكّد أنّ خدمتكم الخاصّة هي شاقّة، وبالتّالي تتطلّب قلبًا متّقدًا لله ومفتوحًا للنّاس؛ كما تتطلّب الدّراسة والخبرة، والتّفاني والشّجاعة؛ وهي تنمو في الثّقة بيسوع والطّاعة للكنيسة الّتي يتمّ التّعبير عنها بالطّاعة للرّؤساء. في البلدان الّتي تعملون فيها، إذ تلتقون بشعوب ولغات مختلفة، لا تنسوا أنّ الشّهادة الأولى الّتي عليكم أن تقدّموها هي شهادة الكهنة المحبّين للمسيح والمكرّسين لبناء جسده. في خدمتكم للجماعات الكنسيّة، كونوا انعكاسًا للمحبّة والقرب اللّذين يكنّهما البابا لكلّ منها، وحافظوا على الالتزام العميق والوحدة في الفكر والشّعور مع الكنيسة. أفكّر بشكل خاصّ في الّذين يتواجدون في سياقات صعوبة وصراع وفقر، حيث لا تغيب أوقات الإحباط. في هذه المشقّات بالذّات، تذكّروا أنّ الكنيسة تدعمكم في الصّلاة: ولذلك، عزّزوا هويّتكم الكهنوتيّة واستمدوا القوّة من الأسرار المقدّسة، والشّركة الأخويّة، والطّاعة المستمرّة للرّوح القدس.
من خلال تنمية تلك الفضائل الإنسانيّة الّتي يتمّ التّعبير عنها في الكلمات والتّصرّفات اليوميّة، ابنوا علاقات مع الجميع، مقاومين إغراء العزلة. إبقوا مُطعَّمين في جسد الكنيسة وتاريخ الشّعوب: سواء تلك الّتي تنتمون إليها، أو تلك الّتي أُرسلتم إليها. كلّ أمّة تقدّم لكم تقاليدها الّتي عليكم أن تعرفوها وتحبّوها وتحترموها، كما يحترم المزارع الأرض، ومن خلال زراعتها، يستخلص الثّمرة الطّيّبة من عمله. لا تكونوا بالتّالي رجالًا منعزلين، بل تلاميذًا شغوفين للمسيح، منغمسين بأسلوب إنجيليّ في السّياقات الّتي تعيشون وتعملون فيها. يذكّرنا المرسلون العظماء، في الواقع، أنّ الانثقاف ليس موقفًا فلكلوريًّا، لأنّه ينبع من الرّغبة في التّكرُّس للأرض والأشخاص الّذين نخدمهم.
إنّ الانتماء الجديد الّذي تختبرونه لا يشكّل بديلًا للسّياقات الاجتماعيّة والكنسيّة الّتي أنجبتكم. ولذلك، من الضّروريّ أن تستمرّوا في تغذية العلاقة مع كنيستكم الخاصّة، قدر الإمكان. لأنّه عندما يغيب هذا الشّعور بالانتماء، يأتي الإحباط: عندئذ نصبح كأشجار بلا جذور. أمّا إذا لم تتوقّف الشّجرة عن تلقّي النّسغ الحيويّ، فيمكن أن تتمَّ زراعتها في مكان آخر، وأن تحمل هكذا ثمارًا جديدة.
في أوقات الصّعوبة، الّتي نختبرها في بعض الأحيان، من الجيّد أن نؤكّد دوافعنا بكلمات القدّيس أوغسطينوس: " Pondus meum, amor meus". حتّى النّبيّ العظيم إيليّا، في مرحلة ما، شعر أنّ كلّ عمله كان عبثًا. لكن الرّبّ أقامه، ودلّه على هدف أكيد ودرب آمن ليسير عليه. أيّها الأعزّاء، اصعدوا أنتم أيضًا كلّ يوم إلى حوريبكم الدّاخليّ، أيّ إلى المكان الّذي يتحدث فيه روح الله إلى القلب. في كلّ بعثة بابويّة توجد كابلة، المركز الحقيقيّ لبيتكم، حيث تحتفلون يوميًّا، مع السّفير البابويّ والرّاهبات والمعاونين، بالإفخارستيّا، وترفعون إلى الرّبّ صلاة التّسبيح والابتهال. ليبدّد نور بيت القربان الظّلال والقلق، وينير الدّرب الّذي تسيرون عليه. وبذلك تتحقّق كلمة الرّبّ يسوع: أنتم ملح الأرض ونور العالم. بحفظكم لمعجزة النّعمة هذه، كونوا حجّاج رجاء، لاسيّما حيث تفتقر الشّعوب إلى العدالة والسّلام.
آمل أن تتمكّن هذه الأيّام الّتي عشتموها في الأخوّة والصّلاة من تنشيط حياتكم الرّوحيّة ومساعدتكم على مواصلة الرّسالة الّتي أوكلتها الكنيسة إليكم بحماس. أنقلوا تحيّاتي إلى رؤساء البعثات الّذين تتعاونون معهم والّذين أتيحت لي الفرصة لمقابلتهم في حزيران يونيو الماضي، وكذلك إلى عائلاتكم. أوكلكم جميعًا إلى حماية القدّيسين الرّسولين بطرس وبولس، بشفاعة الطّوباويّة مريم العذراء، أمّ الكنيسة، وأمنحكم من صميم قلبي فيض البركة الرّسوليّة."
