الأردنّ
24 شباط 2017, 10:47

عظة المطران الشوملي الاولى في الأردن بعد تعينه نائبا بطريركيا على البلاد

القى النائب البطريركي الجديد على اللّاتين في الأردن المطران وليم الشوملي عظته الأولى في القداس الاحتفالي لاستقباله في الاردن، وجاء فيها:

صاحب السّيادة رئيس الأساقفة بييير باتيستا

غبطة البطريرك فؤاد، اخوتي المطارنة مارون وسليم وبولس

أصحاب النّيافة ممثّلي الكنائس الكاثوليكيّة والارثوذكسيّة والارثوذكسيّة الشرقية والانجيلية،

الاخوة الكهنة والأخوات الرّاهبات، المكرّسون والمكرّسات

والشّمامسة الأحبّاء، أبناء رعايانا الآتين من عمان وباقي رعايا الاردن ومن فلسطين،

 في هذه اللحظات تنتابني مشاعر متضاربة تتراوح بين الرّهبة والثّقة وبين الخوف والاقدام: الخوف من جسامة ‏المسؤوليّة الأسقفيّة التي تنتظرني والثّقة لأنني لست وحدي في كرم الرب. عندما قدّم القديس أوغسطينوس نفسه لأبناء أبرشيته في شمال إفريقيا قال لهم: "أنا اسقف لأجلكم ولكني معكم مسيحي ‏ومؤمن. بصفتي اسقفا ينتابني شعور بالرهبة، وبصفتي مؤمنا أشعر بالطمأنينة."

أيها الاخوة، في هذه اللحظات اشعر بالفرق الشاسع بين المثال والواقع، بين المثال الذي نحن مدعوون إليه وهو التشبه بالراعي الصالح الذي يبذل نفسه في سبيل الخراف وبين ‏واقع الضعف والمحدودية التي نقر بها أمامكم. وأمام الرب أقول مثل سمعان بطرس: "أبعد عني يا رب فإنني رجل خاطئ". ولكني اسمع صوته يجيبني: "تكفيك نعمتي" و" إن القوة تكمن في الضعف". نعم، ان نعمة الرب هي التي ‏تمكّن الأساقفة والكهنة من أن يكونوا امناء على البشارة لا لنرضي الناس بل لنرضي الله. وللأسقف مثل الكاهن ثلاث مهام أساسية.

 

 الأولى هي التعليم: التعليم بالقول والمثل، والمثل قبل القول. ولا ينسى الاسقف ان الانجيل المقدس وضع على رأسه يوم رسامته كي تنزل فيه كلمة الرب فيعلنها بأمانة وشجاعة.

 والمهمة الثانية  هي التقديس من خلال الأسرار السبعة التي هي محطات خلاص وضعها الرب في طريقنا  في سيرنا نحو الملكوت. والتاج الذي يلبسه الاسقف  يرمز الى هذه القداسة والتقديس وليس الى مجد دنيوي.

والمهمة الثالثة هي الرعاية والإدارة الكنسية وتنظيم المحبة نحو المحتاجين والفقراء والعائلات التي تعيش أزمات داخلية. والعصا التي يحملها الاسقف هي عصا الرعاية لقيادة شعب الله الى ينابيع الخلاص.

لا نقدر ولا يجوز لنا القيام بهذه المهام الثلاث وحدنا. وبالإضافة إلى نعمة الرب التي تسندنا "وتختبرنا وتعرف  جلوسنا وقيامنا وتفهم فكرنا من بعيد" اتكل على صلاتكم.  الأسقف يصلي من أجل رعيته. والكاهن  يفعل كذلك.  ولكن الرعية تصلي أيضا من اجل ‏اسقفها وكهنتها  كي نكون أمناء على الخدمة. نتكل على نصحكم وارشاد كم لا بل على تقويمكم وتصويبكم. فنحن مستعدون الى مراجعة الذات متى لزم  الأمر. نتعلم من بعضنا البعض ونستقوي ببعضنا البعض.

‏قال القديس اغناطيوس الانطاكي: "حيث الأسقف هنالك الكنيسة". وصحيح أيضا القول أنه حيث الكنيسة هنالك الاسقف. نعم لا يستطيع الأسقف أن يعمل بدون مجلس الكهنة  والمجلس الاستشاري وبدون طلب نصيحة العلمانيين المتمرسين وأصحاب الرأي والخبرة، المفعمين بالإيمان. نحن معا نشكل جسد المسيح الواحد. هو الرأس ونحن الأعضاء. وكل عضو يقوم بدوره بالتعاون والتنسيق مع باقي الأعضاء. وكل عضو يفرح ويتألم متى فرح أو تألم  غيره. نحن جسد واحد وجماعة واحدة لا تقبل القسمة على اثنين.

 

‏ان العمل معا يعطي الأسقف طمأنينة وقوة وسلامة قلب. اخوتي وأخواتي نحن نريد أن نبني معا كنيسة مشرقة، مشعة، صادقه، كنيسة خادمة، متواضعة، حليمة، طاهرة، وغافرة، كنيسة تكون اداة سلام ووحدة في المجتمع.

‏واسمحوا لي الان أن أنتقل إلى الشكر. شكري أولا للعناية الربانية ‏التي نقلتني من رعية الى رعية ومن مهمة إلى مهمة ومن مكان إلى مكان، قادتني الى حيث لم اكن أتوقع أن اكون، بحسب مفاجآت الروح القدس. بدأت خدمتي الراعوية في الأردن قبل 45 عاما حيث خدمت ثماني سنوات متنقلا بين ‏الزرقاء وشطنا وعجلون واربد. وبعدها عدت الى القدس وخدمت في اكليريكية بيت جالا لمدة 18 عاما بشكل متقطع. وشاءت العناية الربانية أن نصف الكهنة العاملين في الاردن- واقول ذلك مفتخرا بالرب لا بنفسي-  كانوا طلابي في تلك الفترة. ثم دعتني العناية الربانية أن اخدم بشكل غير متوقع في وكالة البطريركية اللاتينية وامانة سرها ثم اسقفا مساعدا في القدس.  وها أن العناية الربانية  تفاجئني حسب عادتها- والريح تهب حيث تشاء- تفاجئني وترسلني الى مكان لم أكن اتوقعه وهي أن أكون أسقفا في خدمتكم. فتكون خاتمة خدمتي بينكم  في الاردن كما كانت فاتحتها بينكم في الاردن قبل  4 عقود.  وهذه المرة اقول بطمأنينة واتضاع: "تكلم يا رب فان عبدك يسمع". ‏وهذا التنقل من مكان الى آخر، بين  الأردن وفلسطين، وفلسطين والاردن إنما يدل على وحدة أبرشية   البطريركية  اللاتينية كما ارادها الكرسي الرسولي منذ بدايات التأسيس. ونريد أن تبقى البطريركية واحدة، يجمعها  ويصل بينها ولا يجزئها نهر الأردن، هذا النهر المقدس الذي فيه اعتمد الرب فتقدست مياهه باعتماده.

وبعد شكر العزة الالهية اريد أن أشكر أشخاصا كثيرين أنا مدين له بالكثير.‏ شكرا للمدبر الرسولي الذي بعد استشارة مجلسه وثق بي وعينني في عمان خلفا لأخي ورفيق الدراسة والعمر المطران مارون اللحام.  سيدنا مارون لقد خدمتَ كنيسة الاردن خمسة اعوام كانت حافلة بالعمل الدؤوب. وأنا على يقين بأنك ستستمر في تقديم المشورة والمساعدة. فلك خبرة وطاقة سنحتاجها بكل تأكيد. ‏شكري للبطريرك فؤاد الطوال الذي وثق بي ووضع يديه على رأسي يوم سيامتي الأسقفية في بيت لحم وسلمني عصا الرعاية. لك مني التقدير والاحترام. هذا التقدير موصول الى سيادة المطران سليم الصايغ المطران الاسبق الذي يملأ وقته بالصلاة والتأليف ويسند الأبرشية ‏بمثله الصالح وصلاته. شكرا للمطران بولس لحضورك بيننا وأتمنى لك التوفيق في المهمة الإضافية التي ستتحملها في القدس.

أحيي في هذه اللحظات الاخوة كهنة الرعايا التي تربطنا بهم صلة المودة. ‏أشكركم لأنكم رحبتم بي منذ اللحظات الأولى لتعييني وأشكر الأب جهاد شويحات الذي مثّلكم جميعا مرحّبا في بداية هذا القداس باسمه وباسم مجلس الكهنة الذي قام مشكورا بكل التحضيرات لهذا الاحتفال البهيج. اخوتي الكهنة، معا درسنا وكبرنا وصلينا وعملنا، ومعا سنفلح حقل الكنيسة كي نبني على الأرض ملكوت الله وكنيسته المحبوبة. ‏ولسنا وحدنا في الميدان. يقف إلى جانبنا شمامسة، أقوياء في الإيمان والمحبة. لهم منا كل التقدير. وكذلك أحيي الرهبان والراهبات الذين يديرون المدارس والمستشفيات ويعملون في الرعايا بشكل يثير الإعجاب. ‏الكنيسة قويه فيكم. وحضورها فعال بكم ومعكم. لكم التقدير والمحبة. أحيي شبيبة الاردن الشبيبة الملتزمة  تجاه الكنيسة والمجتمع. سنعمل مع الشبيبة الطالبة والجامعية والعاملة ومجموعة العائلات والاخويات والكشافة والكاريتاس والمؤسسات الكاثوليكية الأخرى،  وذلك لخير الكنيسة والمجتمع.

‏ونحن كنيسة كاثوليكية تعمل جنبا إلى جنب مع كنائس شقيقة أخرى تنتمي الى العائلات الارثوذكسية والارثوذكسية الشرقية والانجيلية. نعمل معا في مجالات التربية والعمل الاجتماعي. نصلي كي تزداد وتكتمل الشركة وتتقوى أواصر الوحدة على المستوى العالمي- ‏وعلى المستوى المحلي. على المستوى العالمي الأمر ليس بيدنا ولكن على المستوى المحلي الأمر كله بيدنا وبمقدورنا.

كما أشكر كل من جاء من قريب أو من بعيد، من الاردن أو فلسطين ليشارك في قداس وداع سيادة المطران مارون وقداس بدء عملي الجديد. للجميع التقدير والامتنان.

‏اخوتي وأخواتي نحن نعيش في بلد آمن وفي أحضان وطن يضمنا ويحمينا. ومطلوب منا في الوقت نفسه أن نتحلى بالإيمان والمواطنة الصالحة والعيش المشترك المميز بين المسلمين والمسيحيين. فنحن نبني في الوقت نفسه الملكوت السماوي والمملكة الأرضية، نطيع الله ونحترم المسؤولين ‏ونتبع قوانين هذا الوطن. تحية إجلال لجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، صاحب الوصاية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، وجميع أعضاء الحكومة  والأجهزة الأمنية بتسمياتها ومرتباتها المختلفة كافة لأنهم يسهرون على أمننا في أوقات عصيبة تمر بها الدول المجاورة . نطلب أن يبقى الاردن واحة أمن وسلام.

‏اخوتي وأخواتي، أقيم هذا القداس من أجل نياتكم جميعا. ضعوها في قلب المسيح. ضعوها في الكأس  المقدسة كي ترتفع مع صلاة المسيح والكنيسة الى عرش الله. لنصلّ من أجل السلام في فلسطين وسوريا والعراق ومن اجل الاردن قيادة وشعبا.

وأخيرا صلوا لأجلنا  نحن الأساقفة والكهنة كي نكون رعاة صالحين وساهرين فنسير سوية نحو الملكوت متسلحين بالإيمان والرجاء والمحبّة.