لبنان
06 حزيران 2016, 06:49

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي - يوبيل 150 سنة لجمعيّة راهبات سيّدة الآلام - غدراس

بمناسبة يوبيل 150 سنة لجمعيّة راهبات سيّدة الآلام وتحت عنوان "كلّ ما فعلتموه لأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فلي قد فعلتموه" ترأس غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الاحتفالي في غدراس جاء فيه:

 

كلمة الإنجيل هذه سقطت في قلب مؤسِّسة جمعيّة راهبات سيّدة الآلام الآنسة Marie Saint Frai، منذ صباها. فكانت تختلج فؤادها مشاعر الحنان والرحمة تجاه آلام زمنها المتنوّعة. فحوّلت بيتها الوالدي مسكنًا للفقراء. وراحت عناية الرحمة الإلهيّة تقود خُطاها بواسطة مرشدها الروحي الأب دومينيك Ribes، حتى أسّسا معًا جمعيّة راهبات سيّدة الآلام في 28 اذار 1866، وأقرّ قوانينها الأسقف Laurence مطران أبرشية Tarbes و Lourdes في 28 تشرين الثاني 1869. وهكذا انطلقت راهبات سيّدة الآلام يبحثْن عن وجه يسوع ويتعرّفْن إليه ويخدمْنه من خلال وجوه الفقراء والمتألّمين وبخاصّة المسنّين منهم، وميزتُهن "الاستقبال والشفقة"، ملبّيات دعوة الربّ يسوع: "كلّ ما تفعلونه لأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فلي تفعلونه" (متى 25: 40). إنّهن يعتنين بأجساد هؤلاء "الإخوة الصغار" لكي يبلغوا إلى خدمة نفوسهم وعمق كيانهم.

يسعدنا أن نحتفل بهذه الليتورجيا الإلهيّة معكم في مناسبة الاحتفال بيوبيل مئة وخمسين سنة على تأسيس جمعيّة راهبات سيّدة الآلام وقد حضرت لهذه الغاية الرئيسة العامّة الأخت IsabelleMaurel. نهنّئ معكم الأخوات الراهبات، بنات سيّدة الآلام بهذا اليوبيل. ونقدّم هذه الذبيحة الإلهيّة من أجل الجمعية براهباتها ومؤسّساتها، راجين لها فيض النعم الإلهيّة، من أجل تقديس أعضائها وازدهار مؤسّساتها. ونهنّئ بنوع خاصّ الأخت Marie Dominique رئيسة "بيت العجزة" وجمهور الراهبات، هنا في غدراس العزيزة.

Je voudrais saluer, au nom de cette Assemblée, Sr Isabelle Maurel, la Supérieure Générale de la Congrégation des Filles de Notre Dame des Douleurs, et partager avec elle, et avec la Communauté de Ghodrass, la joie de célébrer le cent cinquantième anniversaire de la fondation de la Congrégation. Nous Vous remercions de nous donner cette joie et du gentil mot d’accueil que Vous avez prononcé. Nous Vous présentons, Chère et Révérende Mère Générale, ainsi qu’à toute la Congrégation, nos félicitations et souhaits, implorant l’abondance des grâces divines sur toutes les religieuses et sur leur mission comme témoins de l’amour et de la compassion du Christ. Je voudrais aussi exprimer les remerciements de l’Eglise du Liban aux Filles de Notre Dame des Douleurs pour les cent douze ans de mission dans notre pays à travers ses quatre étapes de Beyrouth à Ghodrass qui se réjouit d’accueillir les Religieuses et leur Institution. Nous Vous souhaitons un heureux séjour libanais.

أن تكون جمعيّة الراهبات تحت حماية سيّدة الآلام فلأنّ المؤسِّسةMarie Saint Frai  تربّت في البيت الوالدي على محبّتها منذ الطفولة، كما أعلمتنا الرئيسة العامّة في كلمتها. فكانت والدتها تنقل إليها وإلى شقيقها هذه المحبة لسيدة الآلام وتكريمها. وقد رمّمت هذه الوالدة كابلّة مهجورة منذ ثورة Napoléon، كانت تُكرّم فيها سيدة Pietà وهي العذراء مريم التي تحتضن جثمان ابنها يسوع بعد إنزاله عن الصليب. وقد نحت تمثالها النحات الإيطالي الشهير Michelangelo ووضعه في بازيليك القدّيس بطرس في روما. قدّمت والدة Marie Saint Frai لمطران أبرشيّة Tarbes تمثال سيّدة الآلام فوضعه في هذه الكابلّة وكرّسها وأعاد إليها أفعال العبادة.

وكانت الطفلة Marie ترافق أمّها في صباح كلّ يوم أحد إلى كابلّة سيّدة الآلام، وتتأمّل في آلام مريم تحت الصليب وبآلام ابنها الفادي الإلهي. فانطبعت في قلب الطفلة محبّة سيّدة الآلام، وراحت تفكّر في المتألّمين. وعند بلوغ سنّ الصبى بدأت تعتني بهم وتصطحبهم إلى البيت الوالدي.

وسرعان ما اختبرت هي شخصيًّا الآلام المرّة عندما فقدت شقيقها ثمّ أمّها في غضون سنة واحدة، وهي بعمر اثنتين وثلاثين سنة، وهو عمر موت المسيح، ثمّ والدها في مسافة أربع سنوات. وبعد أن اختمرت بالألم. وأصبحت وحيدة في هذه الدنيا، كرّست ذاتها وبيتها وكلّ ما لديها للفقراء والمتألّمين: ترافقهم وتستقبلهم وتعتني بهم وتخدمهم بروح المحبة والرحمة، وترى فيهم وجه يسوع المتألّم ووجه مريم سيّدة الآلام. وكانت تجد الدفع في هذه الخدمة من صدى كلمة الربّ يسوع: "كلّ ما فعلتم لأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فلي قد فعلتموه" (متى 25: 40).

بهذه الروحانيّة تواصل راهبات سيّدة الآلام رسالتهنّ هنا في الشّرق الأوسط: في غدراس، والأراضي المقدّسة، ومصر، كما وفي فرنسا في مراكزها السبعة في منطقتَي Pyrénées و Provence. بالمحبة والرأفة والحنان والرحمة، تقف الراهبات أمام الإخوة والأخوات في احتياجاتهم، ولاسيّما المسنّين منهم. يستمدّنّ القوّة والحرارة الرسوليّة من سرّ القربان الأقدس، حيث تتجلّى كلّ محبة الله ورحمته للبشريّة جمعاء؛ ويتأمّلن في آلام مريم على أقدام الصليب التي جعلتها شريكة ابنها في عمل الفداء، وأمّاً لجسّد المسيح السّري، الذي هو الكنيسة.

تواصل راهبات سيدة الآلام هذه المشاركة، النسبيّة والمحدودة، في رسالة الفداء، بنعمة الميرون والنذور الرهبانية، وهنّ يشعرن بمسحة الروح القدس التي أشركهم فيها المسيح، كرأس للجسد: "روح الربّ عليّ: مسحني وأرسلني لأبشّر المساكين" (لو4: 18).

أن يتزامن يوبيل المئة وخمسين سنة لجمعيّة راهبات سيّدة الآلام مع يوبيل سنة الرحمة المقدّسة، فهذه علامة سماويّة. بحيث يشكّل يوبيل الرحمة دفعًا جديدًا للجمعيّة براهباتها ومؤسّساتها ومراكزها. فالبابا فرنسيس يطلب من الشعب المسيحي أن يفكّر ويلتزم بأعمال الرحمة الجسديّة والروحيّة، انطلاقًا من إنجيل القديس متى (25: 31-39) الذي سمعناه، ومن فهم حالات الجوع والعطش والعري والغربة والمرض والسجن بأبعادها المادية والمعنوية والروحية. وهذا ما تشير إليه قاعدة رسالة الراهبات: "الاعتناء بالجسد من أجل الوصول إلى عمق كيان كلّ واحد":

“Soigner les corps pour atteindre l’être profond de chacun.

إنّنا إذ نبتهج مع راهبات سيّدة الآلام بفرح يوبيل جمعيّتهن، فنحن مدعوّون كلّنا إلى امتلاء القلب من المحبة والرأفة، ومن الحنان والرحمة، لكي نقيم علاقاتنا مع كلّ الذين بحاجة إليها سواء في العائلة أم في الكنيسة، في المجتمع أم في الدولة. فلا حياة سعيدة ولا عادلة بين الناس من دون هذه الفضائل والمشاعر.

نلتمس من أمّنا مريم العذراء، سيّدة الآلام، أن تبارك آلام المتألّمين جسديًّا ومادّيًا وروحيًّا ومعنويًّا، لكي تتقدّس بآلام المسيح وآلامها، وتصبح ذات قيمة خلاصيّة، وترسل إليهم من عند الله رسل محبة ورحمة وحنان.

وإنّا نرفع معًا ومع كلّ المتألمين نشيد المجد والشكر والتسبيح لله "الغنيّ بالرحمة"، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.