سوريا
28 تموز 2019, 12:22

عرس روحيّ احتفالًا برتبة تولية رئيس أساقفة أبرشيّة دمشق الجديد

ترأّس بطريرك السّريان الكاثوليك الأنطاكي مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، أمس السّبت الاحتفال برتبة تولية رئيس أساقفة أبرشيّة دمشق الجديد مار يوحنّا جهاد بطّاح، وذلك في كاتدرائيّة مار بولس، باب شرقي – دمشق، بحسب "إعلام البطريركيّة".

دخل يونان إلى الكاتدرائيّة، يتقدّمه الأساقفة والخوارنة والكهنة والشّمامسة لخدمة القدّاس الإلهيّ، ليترأس رتبة تولية رئيس الأساقفة الجديد لأبرشيّة دمشق. عاونه لفيف آباء السّينودس: مار ربولا أنطوان بيلوني، مار غريغوريوس الياس طبّيّ، رئيس أساقفة بغداد والنّائب البطريركيّ على البصرة والخليج العربيّ وأمين سرّ السّينودس المقدّس مار أفرام يوسف عبّا، ورئيس أساقفة حمص وحماة والنّبك مار ثيوفيلوس فيليب بركات، وأسقف الدّائرة البطريركيّة مار متياس شارل مراد؛ بمشاركة الخورأسقف منير سقّال ممثّلاً رئيس أساقفة حلب والمدبّر البطريركي لأبرشيّة الحسكة ونصيبيبن مار ديونوسيوس أنطوان شهدا، والآباء الخوارنة والكهنة والشّمامسة من أبرشيّة دمشق، ومن أبرشيّة بيروت البطريركيّة، ومن حمص وحلب.

كما حضر هذه المناسبة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرّئيس الأعلى للكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة في العالم مار إغناطيوس أفرام الثّاني، وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندريّة وأورشليم للرّوم الملكيّين الكاثوليك البطريرك يوسف العبسيّ، والسّفير البابويّ في سوريا الكردينال ماريو زيناري، والمعاون البطريركيّ للأرمن الكاثوليك المطران جورج أسادوريان مُمثّلاً كريكور بيدروس العشرين كبرويان بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك، والمطران أفرام معلولي مُمثّلاً بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس البطريرك يوحنّا العاشر يازجي، والمونسنيور أنطوان ديب مُمثّلاً بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، ورئيس طائفة الأرمن الأرثوذكس في دمشق المطران أرماش نالبنديان، والنّائب البطريركيّ في دمشق للسّريان الأرثوذكس المطران مار تيموثاوس متّى الخوري، ومطران دمشق للأرمن الكاثوليك المطران جوزف أرناؤوطي، وراعي الكنيسة الإنجيليّة في دمشق القسّيس بطرس زاعور، وعدد من الخوارنة والكهنة والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات من مختلف الكنائس الشّقيقة.


وبعد أن أعلن البطريرك يونان صلاة البدء، توالت الصّلوات والأناشيد الطّقسيّة المُرحّبة بقدوم الرّاعي الجديد وتوليته على الأبرشيّة وجلوسه على كرسيّها وتسلّمه مقاليد رعايتها، بحسب الطّقس السّريانيّ الأنُطاكيّ.

وأجلس يونان المطران الجديد على كرسيّ، فرفعه كهنة من الأبرشيّة ثلاث مرّات، وفي كلّ مرّة كان يونان يهتف "أكسيوس"، أيّ مستحقّ، فيجيبه الجميع "إنّه لمستحقّ ومستأهل".

وفي حركة ليتورجيّة يمتاز بها الطّقس السّريانيّ، أمسك يونان بالعكّاز الأبويّ من الأعلى، وتحت يده أمسك أساقفة الكنيسة السّريانيّة الكاثوليكيّة العكّاز بأيديهم، بدءًا بالأقدم رسامةً، وتحت الجميع يد المطران الجديد. فرفع يونان يد المطران الجديد إلى أعلى، وسلّمه العكّاز، فبارك به المؤمنين، وسط تصفيق الحضور والفرح الرّوحيّ العارم.

وتلا المطران مار أفرام يوسف عبّا كتاب تولية المطران الجديد، الذي وجّهه إليه البطريرك يونان، وفيه منحه هذا الأخير التّولية القانونيّة على أبرشيّة دمشق حسبما تقتضيه القوانين الكنسيّة، متناولاً مسيرة حياته وخدمته الكهنوتيّة والأُسقفيّة، وموصيًا إيّاه برعاية أبرشيّته بروح الرّاعي الصّالح، بالمحبّة والوداعة والتّواضع، وباحتضان الجميع إكليروسًا ومؤمنين.

ثمّ ألقى البطريرك يونان عظةً روحيّة بهذه المناسبة تحت عنوان "أنا بينكم كالذي يخدُم"، أعرب فيها عن فرحه وسروره بالاحتفال، فقال:

"أنا في غاية السّرور برتبة تولية أخينا المطران مار يوحنّا جهاد بطّاح رئيسًا لأساقفة أبرشيّة دمشق، ليرعاها حسب تعليم الرّبّ يسوع ومثاله، أي كراعٍ صالحٍ يبذل ذاته من أجل القطيع المؤتمَن عليه، كهنةً، رهبانًا وراهباتٍ، وإخوةً وأخواتٍ مؤمنين ببشارة المُعلّم الإلهيّ الخلاصيّة، خلفًا لسيادة المطران مار غريغوريوس الياس طبّيّ، والذي خدم الأبرشيّة الدّمشقيّة ورعاها لمدّة ١٨ سنة، وأشكر للمطران طبّيّ رعايته للأبرشيّة وثباته رغم الظّروف الصّعبة.

وأذكر بولس الرّسول الذي اقتبل المعموديّة ولبّى نداء الرّسالة في دمشق ذاتها، هذه المدينة العريقة، ومنها انطلق ليضحى رسولًا للأمم حول البحر المتوسّط، وخلّد لنا اختباره وعبقريّته اللّاهوتية وغيرته على نشر إنجيل المحبّة والسّلام في رسائله المعروفة شرقًا وغربًا. لذا، على من أُوكِل الرّعاية خلفًا للرُّسل أن يتمثّل بمعلّمه الرّاعي الصّالح الذي قال: ما من حبٍّ أعظم من هذا، أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه".

والمحبّة لا تُختزَل، لا بالعلم، ولا بالنّبوءة، ولا بمعرفة أسرار الكون، ولا حتّى بتوزيع الصّدقات أو ممارسة أقسى أنواع التّقشّف... على المحبّة أن تعكس وجه فادينا البهيّ في جميع أقوالنا وأفعالنا، كما في علاقاتنا مع إخوتنا كافّةً، مهما بدت هذه العلاقات عسيرةً أو مضنيةً، ومهما ساورتنا الأفكار بأنّ هناك من لا يستحقّ محبّتنا ويستغلّ طيبة قلبنا.

والمطران الجديد، الذي اختار إسمًا أبويًّا "مار يوحنّا" أيّ "الله يتحنّن"، عاهد ذاته أن يكون شاهدًا مُبدعًا للمحبّة، فيجسّدها في حياته وفي خدمته الأُسقفيّة بالرّأفة التي لا تعرف حدودًا ولا تضع شروطًا، لأنّ المحبّة النّابعة من قلب الله، تخدُم بالصّبر والاحتمال، بالوداعة والتّواضع، ببذل الذّات والتّجرُّد عن المنفعة الشّخصيّة. ورائعة هي المحبّة التي تتفهّم وتشجّع من هو ضعيف، والتي تُسَرُّ بنجاح الآخرين، ولأنّها تفرح بالحقّ، فهي لن تسقط أبدًا.

ونحن مع المطران مار يوحنّا جهاد، ومع الكهنة إخوته والشّعب الطّيّب الصّامد في أبرشيّته، ندعو إليه تعالى أن يحمي سوريا الغالية من العصابات الهمجيّة، فتتعالى على النّكبات والمصائب، وتنهض من الأزمة المُدمّرة التي فُرِضت عليها. عندئذٍ ستحلّق بعونه تعالى في دنيا الحقّ، مبشّرةً شعبها وشعوب العالم بغلبة الخير وإشعاع الحقّ ونشر السّلام.

وإنّ دعوة المطران الجديد هي الانطلاق لإتمام دعوة الرّبّ، مهما كثُرت التّحدّيات وتراكمت الصّعوبات، ومهما تلكّأ الطّبع البشريّ. لذا فهو لا يتّكل على قواه الذّاتيّة وكفاءاته البشريّة، ولكن على النّعمة الإلهيّة، نعمة الرّب يسوع المسيح التي تقوّيه وتقوده في طريق الخدمة الأُسقفيّة بالأمانة والسّخاء والثّبات، والتّمسُّك بالإيمان الذي نقله إلينا آباؤنا القدّيسون، فيعيش روح الإنجيل بأمانة وإخلاص، ويُنادي دون تردّد أو نقصان بالقيم الأخلاقيّة المسيحيّة، وبقيم العائلة التي هي الكنيسة الأولى، وبالدّفاع عن الحياة في جميع مراحلها.

والمطران الجديد مُؤتَمَن على عيش الأمانة للكنيسة، بروح الشّراكة الحقيقيّة مع جميع أعضاء الإكليروس المدعوّين إلى كهنوت الخدمة، في أبرشيّته، وفي كنيسته السّريانيّة الكاثوليكيّة الأنطاكيّة، ومع إخوته من رعاة الكنائس الشّقيقة في دمشق، بروح المحبّة والوحدة، لتعزيز الشّهادة لإنجيل الرّبّ يسوع المخلّص. وهو مؤتَمَن على إخوته وأخواته، جماعة المؤمنين في الأبرشيّة، يُرافقهم ويُشجّعهم ويُعطيهم المثال الحياتيّ، في محبّة الكنيسة، والتّعلُّق بوطنهم؛ فيشاركوا في بناء مؤسّساته من تربويّة واجتماعيّة. وهكذا يُضحّي الرّاعي المُحِبّ، المُتفهّم، المُشارك، ويعمل بالحكمة، بالصّبر والتّواضع. وفي كلّ قراراته المهمّة، عليه أوّلًا أن يستشير فيقنع، ثمّ يتّخذ القرار المناسب.

وأنا أُوصي المطران الجديد على الأمانة لتراث كنيستنا العريق، إذ إنك مدعوّ للتّمسّك بالرّوحانيّة المشرقيّة وبطقسنا السّريانيّ، كما عليك أن تُغذّي عواطف الافتخار في المؤمنين، إذ إنّهم الأحفاد والحفيدات لأجيالٍ من الشّهداء والمُعترفين من أجل إنجيل المحبّة والسّلام وكرامة الشّخص البشريّ، لجميع النّاس.

كما على المطران الجديد أن يعمل جاهدًا في سبيل نشر حضارة المحبّة وأولويّة الحوار الحياتيّ الصّادق بين جميع فئات المُجتمع الذي ينتمي إليه، دون تمييز بسبب الدّين أو الطّائفة أو اللّون أو العُرق، ليُصبح رائدًا الحوار البنّاء وفاعلًا حقيقيًّا للسّلام.

وأنا أتضرّع إلى الرّبّ يسوع، مُخلّصنا ومثالنا في الخدمة الأُسقفيّة، بشفاعة أمّه العذراء مريم، أمّنا السّماويّة، سيّدة النّجاة، كي يقوم المطران مار يوحنّا جهاد بمسؤوليّات خدمته الأسقفيّة الجديدة، بكلّ أمانةٍ، حسب روح الإنجيل وتعليم الكنيسة."

وتُليت رسالة تهنئة أولى من رئيس مجمع الكنائس الشّرقيّة الكردينال ليوناردو ساندري، ورسالة تهنئة ثانية من البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرّاعي.

وألقى المطران مار غريغوريوس الياس طبّيّ كلمةً، شكر فيها الله الذي قوّاه على خدمته، مُهنّئًا المطران الجديد، ومُتمنّيًا له النّجاح والتّوفيق في خدمته، وطالبًا من الجميع أن يُصلّوا من أجله.

ثمّ ألقى رئيس أساقفة دمشق الجديد مار يوحنّا جهاد بطّاح كلمةً، شكر فيها الله والبطريرك يونان والأساقفة والكهنة وجميع الحضور، مُعاهدًا أن تكون من أولويّات أعماله "العناية بإخوة يسوع وإخوتنا جميعًا، الفقراء والمُهمَّشين، والعمل الحثيث على بناء الإنسان"، ومُشدّدًا على أهمّية التّعاون والتّماسك. وأكّد بطّاح أنّه "مهما اشتدّت علينا الصّعوبات، هنا باقون، وهنا سنبقى، لأنّنا في هذه الأرض مُتجذّرون ومُنتمون لهذه الأرض الطيّبة المعطاءة الحنونة".

وإذ شدّد بطّاح على وضع توجيهات البطريرك يونان نصب عينيه، والعمل بها، وهي المُنسجمة مع شعاره "أنا بينكم كالذي يخدُم"، مُشيرًا إلى أنّه سيعمل "جاهدًا على تفعيل الشّركة الحقيقيّة مع الكهنة والعلمانيّين والحركات الرّسوليّة، وخاصّةً الشّبيبة"، وطلب من الحاضرين جميعًا أن يرافقوه بصلاتهم كي يُبارك الرّبّ خدمته الجديدة، مُترحّمًا على روح والديه وروح الأب المرحوم عصام نعّوم، وذاكرًا إخوته وأخواته وعائلاتهم والأهل والأقارب والأصدقاء وكلّ الحاضرين، وجميع أبناء أبرشيّة دمشق وبناتها.

ثمّ تقبّل المطران الجديد التّهاني من جميع الحاضرين في صالون المطرانيّة.