لبنان
09 شباط 2021, 10:40

عبد السّاتر للمسؤولين في عيد مار مارون: ألويل لكم لأنّكم تبنون مجدكم على قهر ومذلّة من وثقوا بكم

تيلي لوميار/ نورسات
مرّة جديدة، وقف راعي أبرشيّة بيروت المارونيّة المطران بولس عبد السّاتر على مذبح كنيسة مار مارون- الجمّيزة، في قدّاس شفيعها وأب الطّائفة المارونيّة، الّذي خلا من أيّ مشاركة رسميّة وشعبيّة بسبب إجراءات كورونا، وأطلق صرخة وطنيّة قال فيها:

"أعزّائي أبناء وبنات وطني،

منذ سنة وقفت أمام هذا المذبح، وكان حاضرًا معي في الكنيسة عدد كبير من المسؤولين في بلدنا. صرخت أمامهم صرخة الإنسان اللّبنانيّ المقهور في عيشته حتّى اليأس، والمنتظر في طوابيرَ طويلة على أبواب محتكري حاجاته الأساسيَّة. صرخت صرخة المواطن الأبيّ الّذي سُلبت منه حياته الكريمة، وجنى كدِّه وعرقه، وحقّه في الاحتجاج والمحاسبة. سمعوا ورحلوا ولم يتغيَّر شيء، بل زادت الأمور سوءًا، واستشرى الفساد، وتطوّرت استراتيجيّات التّضليل وإخفاء الحقيقة، وانتشر الكذب والنّفاق وعمّت اللّامسؤوليّة.

ألويل لكم يا أيّها المسؤولون السّياسيّون في بلدي، لأنّكم تبنون مجدكم على قهر ومذلّة من وثقوا بكم. لا تنسوا أنّ التاريخ لا يرحم وسيذكر أسماءكم بين أسماء الطّغاة والفاسدين والسّفّاحين!

ألويل لكم يا أيّها المسؤولون الماليّون في لبنان، لأنّكم تزيدون ثرواتكم وتبنون بيوتكم من مال الآباء والأُمّهات الّذين يكدّون في سبيل تأمين مستقبل أولادهم. تذكّروا أنّ الله يسمع أنين المقهورين وأنّ الأكفان لا جيوب لها. إِنّ أموالكم وبيوتكم ستصير حتمًا إلى غيركم، ولعنات المظلومين ستلحق بالظّالم حتّى الثّرى!

ألويل لكم يا أيّها المسؤولون عن إحقاق الحقّ وإِجراء العدل في بلادي لأنّكم تسخرون أحكامكم في الحفاظ على مواقعكم وألقابكم ومكتسباتكم وتظلمون صاحب الحقّ. ألحقّ أقول لكم: كراسيكم سينتزعها أحدهم منكم ولا تنسوا أنّكم ستواجهون لا محالة، ألدّيّان العادل الّذي لا يحابي الوجوه!

أعزّائي،

ها نحن اليوم نعود بعد سنة ونحتفل ثانية بعيد أبينا القدّيس مارون. نعود بعد سنة عشنا فيها مآسي الوباء والفاقة والتّفجير المجرم، تفجير مرفأ بيروت. نعود لنتأمّل في حياة هذا القدّيس الّذي ترك العالم ومباهجه ليكون بكليَّته للرّبِّ يسوع ومعه لأنّه أدرك أنَّ عند المسيح فقط الحياة والفرح الحقيقيّين. وقف على قمّة جبل قورش يقول الحقَّ، ويُحارب الفساد والضّلال، ويبني ملكوت الله.

ونحن على مثاله، وبالرّغم من آلام هذا الدّهر ومشقّاته، وبالرّغم من الفساد والضّلال المنتشرين من حولنا، سنبقى حيث نحن، صامدين وواقفين، ننادي بالحقّ ونحارب الفساد ونزرع الرّجاء. سنبقى ثابتين على حسن السّيرة والأخلاق. سنبقى متمسّكين بوطننا لبنان لأنّه ثمرة العديد من التّضحيات، وفي ترابه يرقد شهداؤنا وأهلنا وقدّيسونا. لن نيأس ولن نملّ مهما طالت المحنة. ولن نخاف ونتراجع مهما كثر واستقوى المنافقون والأشرار من حولنا، لأنّنا شعب يؤمن أنّ الله أمين لوعوده، ولأنّنا شعب يعيش كلَّ يوم مع من غلب الشّرّ والموت، ولأنّنا شعب يؤمن أنّ بعد الصّليب هناك حتمًا القيامة.

طوبى للمساكين بالرّوح، لأنّ لهم ملكوت السّماوات.

طوبى للودعاء، لأنّهم يرثون الأرض.

طوبى للأنقياء القلوب، لأنّهم يعاينون الله.

طوبى للمضطهدين من أجل البرّ، لأنّ لهم ملكوت السّماوات.

أعزّائي أبناء وبنات بلدي،

لماذا نساند مسؤولين لم يذرفوا دمعة أمام البيوت المهدّمة والأجساد المقطّعة، ولا يحرّكون إِصبعًا ليكشفوا حقيقة ما جرى؟ ولماذا نحن منقسمون، حتّى في البيت الواحد، بسبب سياسيّين يستغلّون خوفنا وديننا ومعاناتنا ليستمرّوا حيث هم؟ لماذا تكون طوائفنا سببًا لاقتتالنا مع بعضنا البعض بدل أن تكون غنى ومساحة تلاقٍ وحوار؟ تعالوا ننبذ ثقافة الفساد الّتي انتشرت بين الصّغار والكبار منَّا كوباء فتَّاك أكثر من غيره من الأوبئة. لننزع عنَّا الرّوح التّجاريّة المتأصّلة فينا فنتوقّف عن السّعي خلف منفعة آنيّة ونسعى جاهدين خلف ما يفيد الوطن والإنسان فيه. لنتوقّف عن محاولة ابتلاع لبنان لصالح طائفتنا أو حزبنا أو مرجعنا في الدّاخل أو الخارج. لنرفض أن نكون عملاء لمشاريع الدّول الكبرى ولنحم بعضنا بعضًا من بطش وظلم الخارج. لنصمت ونفكّر ونعمل لأنّه في كثرة الكلام فتنة، وفي احتقار الآخر إهانة لله. لنتكاتف ولنتعاون كما اعتدنا فيما مضى فنسعد معًا وأولادنا من بعدنا.

إخوتي وأخواتي،

نريد الخلاص لوطننا والحياة الأفضل لنا ولأولادنا وهذا حقّ لنا. ولكن الخلاص لن يهبنا إيّاه أحد. فلنعد جميعًا، مسؤولون ومواطنون، إلى ضمائرنا. وليعمل المسؤول ما يخدم الإنسان في لبنان، وليسعَ كلّ واحد منّا إلى بناء مستقبل لأولاده وأولاد الآخرين بنظافة كفٍّ، وصدق قولٍ، وعرق جبين.. وإلّا، وإّلا يا أيّها المسؤولون، سنموت جميعًا، نحن وأنتم، ويموت لبنان، ولكنَّ الدّينونة الكبرى ستكون لكم. آمين."