عبد السّاتر: لتحييد لبنان عن الصّراعات الدّوليّة والمحاور الإقليميّة
"ها نحن نلتقي من جديد وبعد أيّامٍ قليلة من الذّكرى الأولى لانفجار بيروت الفظيع، في هذا الصّرح التّاريخيّ العابق بقداسة أحبارٍ أفنوا العمر في خدمة لبنان واستقلاله وعزَّته.
ها نحن نلتقي، لنحتفل بالقدّاس الإلهيّ على نيّة دولة فرنسا الصّديقة التي تعمل دومًا مع جميع الشّرفاء في العالم ليستعيد لبنان عافيته الاجتماعيّة والاقتصاديّة والوطنيّة فيتصدّى لكلِّ عدوان خارجيّ أمن الشّرق كان أم من الغرب، ولكلِّ هيمنة داخليّة تبغي تغيير وجهه أو رسالته.
نلتقي لنحتفل بعيد انتقال أمّنا مريم العذراء إلى السّماء بالفرح والرّجاء.
بالفرح لأنّه لقاء الإخوة والأخوات تحت سقف بيت الله. أخوات وإخوة يتشاركون القيم الإنسانيّة ذاتها كالمساواة والأخوَّة والحرّيّة. إخوة وأخوات يعيشون القيم الأخلاقيّة ذاتها كالصّدق والعدل واحترام حرّيّة الضّمير. أخوات وإخوة يعملون، كلٌّ من حيث هو، على نموّ الإنسان وازدهاره وعلى تطوّر العالم وتقدّمه وعلى حماية الأرض والحفاظ على مواردها.
نلتقي بالرّجاء، وكيف لا نترجى وانتقال أمّنا مريم إلى السّماء هو عربون قيامتنا نحن وإعلان أنَّ الحياة غلبت الموت وأنَّ الخير غلب الشّرَ وتأكيد على أنّ بعد الصّليب قيامة وبعد القبر حياة في قلب الله لا تنتهي.
وكيف لا نترّجى وقد شاهدنا شابّات وشبّانًا، وبعد انفجار الرّابع من آب مباشرة، يحملون الشّهداء والجرحى إلى المستشفيات على أياديهم وفي سيّاراتهم غير آبهين بخطر؟ كيف لا نترجى وقد اجتمع الآلاف من اللّبنانيّين، من كلِّ المناطق، في ليلة المأساة وفي الأسابيع التي تلتها، ليرفعوا الرّدم وينظّفوا الطّرقات ويؤمّنوا المأكل والمشرب لمن فقدوا كلَّ شيء، وليؤاسوا من فقدوا غاليًا أو جُرحوا أو شرّدوا.
نلتقي لنحتفل بعيد انتقال أمّنا مريم العذراء إلى السّماء بالرّجاء لأنّنا متأكدون من أنَّ الله يحبّنا ومن أنَّ الإنسان اللّبنانيّ هو إنسان طيِّب وصاحب قيَم. ولذلك أقول لكلِّ من يُضرم في قلوب مواطنيّ نار العصبيّة الطّائفية أو يُشجِّعهم على الفوضى من أجل تنفيذ أجندة ما أو يجوِّعهم حتّى ينقادوا لإرادته من دون مقاومة: إرفع أيّها الشّرير الملعون يدك عن أهلي واتركهم يعيشون ما اعتادوا عيشه من أخوّة وتعاضد وصدق.
حضرة القائم بالأعمال، أتوجّه إليك، ومن خلالك إلى فخامة رئيس الجمهوريّة السّيّد إيمانويل ماكرون، الذي نشكره على محبّته للبنان، وإلى الدّولة الفرنسيّة بجميع مسؤوليها، أتوجّه إليكم أنا الذي يسمع كلّ يوم أنين المتألّمين الذين يسعون خلف دواء، وصيحات الشّباب اللّبنانيّ الذي يطالب بالسّلام ليبني المستقبل الذي يستحق، أنا الذي يرى دموع الأهلين العاجزين عن تأمين الحدّ الأدنى من الحياة الكريمة لأولادهم. أتوجّه إليكم لأطلب منكم:
مساعدتنا بما لديكم من إمكانات على صدِّ التّدخلات الخارجيّة المخرِّبة للبنان.
العمل بما لديكم من إمكانات، وضمن إطار منظّمة الأمم المتّحدة، على تحييد لبنان عن الصّراعات الدّولية والمحاور الإقليميّة مع أنّي مدرك أنّ في الدّاخل من يرغب في أن يبقيه ورقة بيد أسياده في لعبة الأمم.
تسهيل مهمّة المحقق في كشف هويّة المسؤول عن انفجار مرفأ بيروت، أيًّا يكن، وذلك بأن تضعوا بين يديه ما تمتلكون من معلومات.
التّعاون مع الهيئات الاقتصاديّة والقضائيّة اللّبنانيّة الصّالحة لاسترداد الأموال الطّائلة التي حوِّلت إلى الخارج فأنهكت اقتصاد لبنان وقطاعه المصرفيّ.
تشجيع الدّول الكبرى على إعانة اللّبنانيّين في النّهوض من كبوتهم الاقتصاديّة بالاستثمار ومن دون وسيط، في التّربية والبنى التّحتيّة والصّناعة ليُعيدوا لبنان إلى سابق عهده من الازدهار.
إخوتي وأخواتي،
إنّنا إذ نصلّي معًا ونقدِّم هذا القدّاس على نيّة فرنسا شعبًا ورئيسًا ومسؤولين. إنّنا نثمّن علاقة الصّداقة التّاريخيّة التي تربط بيننا ونثمّن أيضًا ما قام به الشّعب الفرنسيّ ومسؤولوه من أعمال محبّة وتضامن تجاه شعب لبنان وخصوصًا من بعد انفجار ٤ آب ٢٠٢٠.
حفظ الرّبّ بشفاعة أمّنا مريم العذراء فرنسا ولبنان من كلّ أذى. آمين".