لبنان
16 كانون الأول 2021, 09:50

عبد السّاتر: ثورة الميلاد لن تخمد وخلاص لبنان آتٍ حتمًا!

تيلي لوميار/ نورسات
إفتتح رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس عبد السّاتر، بإسم البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، تساعيّة الميلاد في كنيسة سيّدة الزّروع في الجامعة الأنطونيّة الحدت - بعبدا، بمشاركة قدس الأب العام للرّهبانيَّة الأنطونيّة الأباتي مارون أبو جودة، ورئيس الجامعة الأب ميشال جلخ، ولفيف من الرّهبان والكهنة، وبحضور رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون وعدد من الشّخصيّات السّياسيّة والعسكريّة والأمنيّة والاجتماعيّة والإعلاميّة، وأعضاء الهيئتين الإداريّة والتّعليميّة في الجامعة. وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى عبد الساتر عظة جاء فيها:

"صاحب الفخامة،

قدس الأب العام وأعضاء مجلسه،

حضرة رئيس الجامعة الأنطونيّة والآباء العاملين معه، 

آبائي الأجلاء،

أصحاب السّعادة والمعالي،

رؤساء الأجهزة العسكريّة والأمنيذة،

أخواتي وإخوتي،

شرّفني فكلّفني صاحب الغبطة والنّيافة مار بشارة بطرس الرّاعي، بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق أن أترأّس باسمه صلاة التّساعيّة هذه وأن أنقل إليكم يا فخامة الرّئيس ويا إخوتي وأخواتي صلاته من أجلكم حتّى تعملوا دومًا ما هو لخلاص بلدنا العزيز لبنان.

"ولد المسيح، هلّلويا"، كلمات نرددها باستمرار لعدَّة أيامٍ بعد عيد الميلاد. ولكثرة ما اعتدنا تكرارها تغيب عنّا حقيقتها العميقة وماهيَّة السّرّ الذي تعبّر عنه. هذه الكلمات هي في الحقيقة إعلان أمام الجميع عن إيماننا نحن المسيحيّين بيسوع إلهًا وإنسانًا ومخلِّصًا نهائيًّا، ليس للبشريَّة فحسب بل للخليقة أجمع. هذه الكلمات هي إعلان عن أنّه بيسوع يصير الإنسان إلهًا لا يموت والخليقة تتجدَّد لتكون مصدر حياة وليس سبب موت.

في الميلاد قَبِلَ الله الابن أن يصير إنسانًا بسبب محبّته للآب وللإنسان، فتجسَّد وعاش بيننا نحن البشر ما نحياه من فرح وحزن وألم وقلق، وأيضًا ما نعيشه من شكٍّ بمحبة الله الآب لنا. وبيسوع لم يعد الله الآب غريبًا عن الإنسان وعن حياته، ولم يبق ذلك المحتجب وراء الغيوم الذي يراقب فيؤدب ويُهلك. في الميلاد صار الله معنا يحمل أوجاعنا وعاهاتنا وخطيئتنا ويعطينا الحياة الإلهيّة. فيا للفرح العظيم للبشريَّة جمعاء. في الميلاد قال الله الآب كلمة حبِّه، يسوع، لكلِّ إنسان بارًا كان أم نجسًا، معافىً أم معتلًا، قديسًا أم خاطئًا. في الميلاد عرفنا أنّ الله لا يريد موت الخاطىء والخاطئة في جهنم بل يريد لهما الحياة، لذلك أتى أرضنا ودخل بيوت الخاطئين وأكل معهم وذهب إليهم حيثما وجدوا ليعيدهم إلى قلبه لأنهم أبناؤه وبناته. فيا للفرح العظيم لكلّ واحد وواحدة منَّا نحن الخاطئين.

في الميلاد تطهرَّت وتنقَّت صورة الله في كلِّ واحد منَّا. وبعد الميلاد صرنا جميعًا ملزمين بتجسيد الله المحبّة في حياة من هم حولنا بالعطاء والمحبّة والغفران، بقبول الآخر واحترام حرّيّة ضميره وثقافته ودينه بعيدًا عن التّسلّط والتّعصّب وفرض الإرادة. فيا للفرح العظيم بلقاء الآخر.

أخواتي وإخوتي، 

الميلاد هو ثورة الله على الصّورة المشوَّهة التي رسمها الإنسان عنه ليبرِّر بها تعصّبه وأنانيّته وكبرياءه وجشعه. الميلاد هو ثورة الله على كلِّ تصنيف طبقيّ وعرقيّ للإنسان. الميلاد هو ثورة الله على اللّامبالاة بالآخر، وعلى استغلال صغير هذا العالم، وعلى الوعود الكاذبة والكلمات الفارغة.

وفي هذا المساء ندعو القادة السّياسيّين والمسؤولين والموظّفين العامّين إلى أن يعيشوا ثورة الميلاد فيتخلوا عن مصالحهم الشّخصيَّة أو الطّائفيّة الآنيَّة والضّيّقة ويستبدلوها بالمصلحة الوطنيَّة. ليتوقّفوا عن تهريب أموالهم إلى الخارج وليعيدوا ما هُرِّب ليضعوه في خدمة مواطنيهم. وليتوقّفوا عن تنفيذ مشاريع الخارج من أجل خير الدّاخل. إنّنا ندعوهم إلى محاسبة من نهب وهدر المال العامّ حتّى وإن كان من المقرَّبين المخلصين وإلى الاقتصاص من الذين يرتشون أو يتقاعسون في أداء وظيفتهم حتّى ولو قلَّل فعلهم هذا من شعبيّتهم.

إنّنا ندعو رجال الدّين من كلّ الطّوائف إلى الانضمام إلى ثورة الميلاد بالسّعي إلى إرجاع الإنسان إلى الله وإلى المحافظة على كرامة كلّ مواطن وعلى حقوقه مهما كانت طائفته. إنّنا ندعوهم إلى عيش التّجرّد المادّي والعفّة في التّعاطي مع الآخرين، فلا يتسلَّطون على أحد، ولا يفرِضون خياراتهم على أبنائهم وبناتهم، ولا يثيرون بخُطَبِهم النّعرات الطّائفيّة والخوف من الآخر، والاحقاد التي يريد اللّبنانيّون تخطّيها.

إنّنا ندعو التّجار وأصحاب المصارف إلى أن يثوروا ثورة الميلاد فلا يعبدوا إله المال ولا يقرِّبوا الإنسان أمامه قربانًا وليتذكّروا أنّ أسلافهم الذين تسبّبوا بموت الكثيرين من أهل جبل لبنان خلال الحرب العالميّة الأولى وُصموا وعائلاتهم بالعار ولعنهم البشر.

إنّنا ندعو القضاة إلى عيش ثورة الميلاد بالوقوف بوجه من يحاول طمس حقيقة انفجار وحشيّ ومجرم تسبَّب بمقتل وجرح العديد من سكّان العاصمة وبتدمير عدد كبير من بيوتها، حماية لمن أهمل وتواطأ ودبّر ونفّذ. أيّها القضاة أحققوا الحقّ ودافعوا عن المظلوم غير عابئين بتهديد مسؤول أو بتهويل وزير أو نائب أو بأيّ ضغط داخليّ أم خارجيّ.

إخوتي وأخواتي،

ثورة الميلاد لن تخمد وخلاص لبنان آتٍ حتمًا!"