أستراليا
19 نيسان 2022, 08:45

طربيه في رسالة الفصح: مسيرة الفصح تذكّرنا بحاجتنا الملحّة والدّائمة إلى السّلام الحقيقيّ

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة عيد الفصح، وجّه راعي أبرشيّة أستراليا، نيوزيلاندا وأقيانيا المارونيّة المطران أنطوان- شربل طربيه رسالة العيد، تحت عنوان "الفصح الأوّل في أورشليم وفصحنا اليوم"، أشار خلالها إلى أنّ "هذه المسيرة تذكّرنا بحاجتنا الملحّة والدّائمة إلى السّلام الحقيقيّ النّابع من قلب الرّبّ يسوع والّذي يعطينا نعمة الرّجاء وقوّة الثّبات في المحن".

وجاء في نصّ الرّسالة:

"أيُّها الإخوةُ والأخوات، أبناءَ وبناتِ أبرشيّتِنا المارونيّة الأحبّاء،

1. عيد الفصح محطّة سنويّة تُعلن فيها الكنيسة الجامعة المقدّسة والرّسوليّة، بصوت أبنائها وبناتها، أنّ المسيح قام من بين الأموات، وهو حقًّا قام، ونحن نؤمن ونشهد مع الرّسل والتّلاميذ على حقيقة قيامته. وكما يقول بولس الرّسول: "وإن كان المسيح لم يَقُم، فتبشيرنا باطل، وإيمانكم أيضًا باطل" (1 كور 15: 14).

2. وفي هذا العيد المبارك، نرفع آياتِ الشّكر للرّبّ الإله، لأنّنا قادرون على الاحتفال معًا، ونحن مجتمعون حول المذبح والقربان المقدّس. ولكن علينا أن نبقى مُتَيَقِّظين ومُلتزمين بالتّدابير الوقائيّة الّتي تحمي الضّعفاء والأكثر حاجة في مجتمعنا.  

3. ونعود بالتّفكير والتّأمّل إلى ما جرى في أورشليم في ذلك الزّمان، إلى العشاء السّرّيّ وكيف انتهتْ حياة الرّبّ يسوع على الأرض، لنستخلص أنّ الاحتفال بالفصح الأوّل كان مختلفًا تمامًا عمّا نقوم به اليوم. ففي الفصح الأوّل، اجتمع الرّبّ مع التّلاميذ لتناول العشاء الأخير وسط أسئلةٍ ومخاوف كثيرة. ثمّ جاءت مأساة الجمعة العظيمة، والحزن العميق في قلب العذراء مريم لرؤية ابنها يسوع معلّقًا على الصّليب، وقد أحدث ذلك صدمة كبيرة للرّسل والتّلاميذ، جعلتهم في حالة من الإحباط والخوف على الحياة والمصير، لا بل مُتَرَدِّدين، لا يعرفون ما يجب القيام به.  

4. ولكن في اليوم الثّالث حدث ما لم يكن بالحسبان في منطق البشر. فبعض النّسوة كُنَّ قد قرَّرن الذّهاب إلى القبر لِيُطَيِّبْن جسد يسوع، فوجدن أنَّ الحجر قد دُحْرِجَ عن باب القبر وأنّ يسوع ليس هناك. فَعُدْنَ مُسرعات وأخبرن الرّسل: "إنه قام وليس ههنا" (مر16: 6). وشكّل هذا الخبر الحدث نقطة تحوّل كبيرة في تاريخ الإنسان والبشريّة، لأنّ قيامة الرّبّ حوّلت الحزن إلى فرح والإحباط إلى شجاعة، واليأس إلى رجاء والموت إلى حياة.

5. وفصحنا اليوم يعود بنا إلى بعض ما اختبره الرّسل في السّابق. فمأساة الحرب والدّكتاتوريّات، والفقر، والظّلم، والجوع، والأمراض والأوبئة، تزرع الخوف بقلوب النّاس، وتخلق جوًّا من القلق والحيرة والتّردّد. وتأتي الأزمة الاقتصاديّة– الاجتماعيّة في لبنان الّتي، وللأسف، تزداد يومًا بعد يوم، والحرب على أوكرانيا كما وتبرز مواضيع محلّيّة مثل مسألة القانون الجديد للحرّيّات الدّينيّة في أستراليا، بالإضافة إلى موضوع تشريع الموت الرّحيم، لتدفعنا إلى التّساؤل هل نحن قادمون على وضع قيودٍ للحرّيّات الأساسيّة في بلدنا؟ وبالتّالي أيّ مستقبل نعدّ للأجيال الجديدة؟

6. ويُطِلُّ علينا عيد الفصح ليفتح أمامنا آفاقًا جديدة، نرى من خلالها الواقع الّذي يعيشه إنسان اليوم. فالعيد لا يعطي حلولًا سريعةً للقضايا المُعَقَّدة أو الحروب المُسْتَجِدَّة، إنّما هو حدثٌ ينبع منه الرّجاء الصّالح  والحبّ العظيم الّذي يغفر الخطايا ويخلّص النّفوس فتتجدّد الحياة. هذا الرّجاء ليس فكرةً مُجَرَّدةً، أو فلسفةً ماروائيّةً، أو رؤيةً اجتماعيّةً جديدةً، إنّما هو شخص يسوع المسيح نفسه، الّذي تجسّد وعاش بيننا، وحمل آثامنا وشرورنا، وصُلِبَ ومات ثمّ قام في اليوم الثّالث بقوّةٍ ومجدٍ عظيميْن، ليفتح أمام كلّ إنسانٍ طريق الحياة والملكوت.  

7. عيد القيامة هو فعلاً عيد الرّجاء بالرّغم ممّا نراه من حروب ومرض وموت وخسارة للممتلكات، وهو يزرع الرّجاء في نفوس المرضى والمنسيّين والمُهَمَّشين. لذلك كان إعلان سنة 2022 سنة الرّجاء في أبرشيّتنا المارونيّة. وقد رأينا علامات هذا الرّجاء في المساعدات الإنسانيّة والاجتماعيّة للّذين فقدوا بيوتهم وأشغالهم بسبب الفيضانات في أستراليا. وقد رأيناها أيضًا في البلدان الّتي فتحتْ حدودها لاستقبال اللّاجئين الهاربين من أخطار القتل والحرب والدّمار. وتجلّت علامات الرّجاء أيضًا بسخاء أبناء الجالية اللّبنانيّة في أستراليا تجاه ذويهم والمحتاجين في لبنان، لاسيّما خلال الأزمة الأخيرة. وقد شكّلتْ هذه المبادرات الإنسانيّة جسرًا للتّعاطف والتّلاقي مع المظلومين هناك، وعاملًا أساسيًّا لاستمرارهم ولصمودهم في أرضهم  وللحفاظ على كرامتهم.  

أيّها الأحبّاء،  

8. مسيرة الكنيسة من الفصح الأوّل في أورشليم إلى اليوم، هي مسيرة شهادة ورجاء وسط الاضطهادات والتّحدّيات والمآسي. هذه المسيرة تذكّرنا بحاجتنا الملحّة والدّائمة إلى السّلام الحقيقيّ النّابع من قلب الرّبّ يسوع والّذي يعطينا نعمة الرّجاء وقوّة الثّبات في المحن. فما أجمل أن نجدّد إيماننا في هذا العيد، طالبين من الرّبّ أن يمّن علينا بقلبًا سمّاعًا يصغي إلى كلامه لنا: "سلامًا أترك لكم، سلامي أعطيكم. لا أعطي أنا كما يعطي العالم. فلا تضطرب قلوبكم ولا تفزع." (يو 14 :27)

مع تمنّياتي بعيد مبارك عليكم جميعًا وعلى عائلاتكم وأحبّائكم.

المسيحُ قام ....حقًّاً قام!

ونحن شهودٌ على ذلك!".