طربيه في رسالة الفصح: ليلطف الله بلبنان وشعبه المعذّب ويلهم الضّمائر لانطلاق مرحلة جديدة
وجاء في نصّ الرّسالة:
"أيّها الإخوة والأخوات، أبناء وبنات أبرشيّتنا المارونيّة الأحبّاء،
1. قصّة خلاص الإنسان بلغت ذروتها وكمالها في عيد الفصح لأنّ قيامة الرّبّ يسوع من بين الأموات منتصرًا على الشّرّ والخطيئة والموت، شكّلت الحدث التّاريخيّ العظيم الّذي تجلّت من خلاله إرادة الله الآب، وفتحت أبواب الرّجاء والحياة الجديدة أمام كلّ البشر.
2. في صباح عيد القيامة المجيدة، نعود إلى صلاة الرّبّ يسوع في بستان الزّيتون حين قال: "يا أبتاه... لتكن مشيئتك لا مشيئتي..." (لو 22/ 42) فنفهم على ضوئها مشروع الله الخلاصيّ الّذي تجلّى بطاعة يسوع وتسليمه الطّوعيّ لإرادة الله أبيه، فيتقبّل الآلام ويموت على الصّليب، ولكنّه يقوم في اليوم الثّالث من بين الأموات. وبقيامته تنكشف مشيئة الله الآب حيث "أنّ كلّ من يرى الإبن ويؤمن به ينال حياة أبديّة، وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو 6/40).
3. في هذا العيد المبارك، ندرك أنّ يسوع المسيح لم يأخذ بشريّتنا وحسب إنّما حمل ضعفنا وأوجاعنا (أشعيا 53/ 4) وأطاع حتّى الموت، والموت على الصّليب إرادة الله أبيه (فل 2/ 8)، فتحقّق الفداء والخلاص لنا أجمعين. لقد انتقلنا من ظلمة وألم وكآبة ما حدث يوم الجمعة العظيمة إلى أنوار القيامة وفرحها ومجدها. لقد اختبرنا نعمة الشّفاء بواسطة جراحاته وآلامه. فمع مريم المجدليّة نغدو في صباح اليوم الثّالث يوم الأحد إلى القبر بدموع وحزن وقلق، لنعود من هناك بإيمان كبير ورجاء وطيد، حاملين البشرى السّارّة ومسرعين لإعلانها: "أنّه ليس هنا... لقد قام." (متّى 28/ 6)
4. وما أجمل أن نقوم ليس اليوم وحسب بل في كلّ يوم من أيّام حياتنا بفعل تسليم لإرادة الله القدّوسة، مدركين أنّنا في ذلك لا نحني رؤوسنا ونستسلم لنصبح عبيدًا، إنّما لننال حرّيّة الأبناء، فنعبد الله بالرّوح والحقّ ونُقبل إلى الإيمان به بكلّ حرّيّة ومحبّة. ويقول قداسة البابا فرنسيس في هذا الإطار: "إنّه علينا كأبناء أن نعي قلب الله الآب المحبّ والّذي يفيض محبّته الخلاصيّة، في قلب كلّ واحد منّا وفي العالم" (20 آذار 2019).
5. وما يميّز العيد هذه السّنة عنه في السّنة الماضية هي أنّنا نحتفل به معكم وأبواب الكنائس مفتوحة لاستقبال المؤمنين والمؤمنات للمشاركة في القدّاس وسائر الأسرار الإلهيّة. وهنا لا بدّ من كلمة شكر لما قامت به الحكومات في أستراليا من تدابير للوقاية من وباء الكورونا فيروس، وفّرت علينا جميعًا الكثير من الألم والمعاناة، وجعلت من بلدنا محطّ أنظار العالم.
6. ولا يسعنا في هذا العيد إلّا أن نصلّي لعالمنا المتألّم من هذا الوباء الخطير. فأكثر من 122 مليون شخص أصيب بفيروس الكورونا ممّا أدّى للأسف إلى وفاة حوالي مليونين وسبع مئة ألف شخص منهم إلى الآن في مختلف أنحاء العالم. فالكوفيد- 19 يشبه ليلاً طويلاً وظلمة حالكة تلفّ العالم بأسره وتخيف الإنسان وتجبره على تغيير نهج حياته وطريقة تواصله مع الآخرين. ولكنّنا نتطلّع جميعًا بأعين الرّجاء إلى فجر جديد يشرق على عالمنا، فيضع حدًّا لانتشار هذا الوباء البغيض، وبإيمان متجدّد بقيامة الرّبّ يسوع، نصبح جماعة كنسيّة أفضل تواصل السّعي لحماية الضّعفاء فيها والعناية بهم، ملتزمين بتعاليم وتوجيهات أمّنا الكنيسة المقدّسة، الّتي تدلّنا دومًا إلى الطّريق الصّحيح.
7. ولكن فرحة عيد الفصح هذه السّنة أتت ناقصة، لأنّنا جميعنا نشعر بمعاناة شعبنا وأهلنا في لبنان، وقد طالت طريق جلجلتهم، وهم يحملون على أكتافهم صليب الفقر والبطالة واليأس والجوع، نتيجة لإهمال الدّولة وفساد الكثيرين في مؤسّساتها وسرقة المال العامّ.
8. فلنرفع صلاتنا كمنتشرين مع إخوتنا المقيمين في لبنان، طالبين من الرّبّ أن يلطف بهذا الوطن وشعبه المعذّب ويلهم الضّمائر لانطلاق مرحلة جديدة بحسب رؤية صاحب الغبطة والنّيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي الكلّيّ الطّوبى، تؤدّي بلبنان إلى الحياد الإيجابيّ والفاعل تحت رعاية الأمم المتّحدة. ولنتضامن مع كلّ ثائر في لبنان ضدّ الفساد، ولنقف إلى جانب كلّ من يطالب بإعادة الأموال العامّة المنهوبة. إنّها حقوق اللّبنانيّين والطّريق الصّحيح للمحافظة على كرامتهم وعنفوانهم، وبالتّالي إنقاذ هذا الوطن العظيم من شرّ الطّغاة وجور الفاسدين.
9. وفي الختام، شكّل عيد أبينا القدّيس مارون هذه السّنة مناسبة مميّزة لإعلان مرحلة جديدة من برنامج الأولويّات الرّاعويّة في أبرشيّتنا، للسّنوات السّبع القادمة 2021-2026. وقد جاء هذا الإعلان في ختام المرحلة الأولى من هذا البرنامج والّتي امتدّت من 2014 لغاية 2020. وتتضمّن الأولويّات الرّعويّة السّبع، ورؤيتنا الرّسوليّة ومحاور للتّفكير وللعمل مع بعضنا البعض من أجل مواكبة نموّ كنيستنا المارونيّة ورسالتها في أستراليا.
10. ويبقى عيد الفصح حجر الزّاوية في بناء الإيمان والكنيسة ومناسبة لتمييز مشيئة الله في حياتنا والعمل بها، ممّا يجعلنا أعضاء في عائلة الرّبّ يسوع إلى جانب العذراء مريم والقدّيس يوسف، خاصّةً في هذه السّنة الّتي أعلنها قداسة البابا فرنسيس سنة القدّيس يوسف، ومعهما نسبّح بفرح عظيم لقيامته من بين الأموات هاتفين:
المسيحُ قام ....حقًّا قام!
ونحن شهودٌ على ذلك!".