الفاتيكان
11 كانون الثاني 2023, 06:55

صدور رسالة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالميّ الحادي والثّلاثين للمريض

تيلي لوميار/ نورسات
كان مَثل السامري الصالح محور رسالة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالمي الحادي والثلاثين للمريض. وتوقف قداسته بشكل خاص عند مشاعر الوحدة والهجر لدى المرضى بسبب اللامبالاة مشددا على ضرورة محاكاة أسلوب الله المتمثل في القرب والشفقة والحنان.

إعتنِ بأمره. الشّفقة كممارسة سينودسيّة للشّفاء"، تحت هذا العنوان صدرت الثّلاثاء رسالة البابا فرنسيس لليوم العالميّ الحادي والثّلاثين للمريض الّذي يُحتفل به في 11 شباط/ فبراير، وقد تمحورت حول مثل السّامريّ الصّالح، متوقّفًا بشكل خاصّ عند مشاعر الوحدة والهجر لدى المرض بسبب اللّامبالاة، مشدّدًا على ضرورة محاكاة أسلوب الله المتمثّل في القرب والشّفقة والحنان.

وجاء في نصّ الرّسالة:

"أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،

المرض هو جزء من خبرتنا البشريّة. لكنّه يمكن أن يصير أمرًا لا إنسانيًّا إن تركنا المريض في العزلة والخذلان، وإن لم ترافقه الرّعاية والشّفقة. عندما نسير معًا، من الطّبيعي أن يشعر أحدنا بسوء يصيبه، فيضطّر إلى التّوقّف بسبب التّعب أو بسبب حادث على الطّريق. هناك، في تلك اللّحظات، نرى كيف نسير: هل نسير حقًّا معًا، أم نسير على الطّريق نفسه ولكن كلّ واحدٍ بمفرده، يهتمّ بمصالحه الخاصّة ويترك الآخرين "يتدبّرون أمورهم؟" لذلك، في هذا اليوم العالميّ الحادي والثّلاثين للمريض، وفي وسط مسيرة سينودسيّة، أدعوكم إلى التّفكير في هذه الحقيقة: أنّنا من خلال خبرة الضّعف والمرض، يمكننا أن نتعلّم أن نسير معًا بحسب أسلوب الله، الّذي هو القُرب والشّفقة والحنان.

في سِفرِ حزقيال النّبيّ، وفي نبوءة كبرى، قِمّةٍ من قمم الوحي، قال الرّبّ الإله: "أَنا أَرْعى خِرافي وأَنا أَربِضُها، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، فأَبحَثُ عن الضَّالَّةِ وأَرُدُّ الشَّارِدَةَ وأَجبُرُ المَكْسورَةَ وأُقَوِّي الضَّعيفَةَ [...] وأَرْعاها بِعَدْل" (34، 15-16). خبرة الضّياع والمرض والضّعف هي جزء طبيعيّ من مسيرتنا: فهي لا تستبعدنا من شعب الله، بل تضعنا في مركز اهتمام الرّبّ الإله، الّذي هو أب ولا يريد أن يفقد في الطّريق أيّ أحد من أبنائه. لذلك، علينا أن نتعلّم منه، حتّى نكون حقًّا جماعة تسير معًا، وقادرة على ألّا تسمح بأن تؤثّر فينا ثقافة الإقصاء.

الرّسالة البابويّة العامّة "كلُّنا إخوة- Fratelli Tutti"، كما تعلمون، تقترح علينا قراءة لمثل السّامري الرّحيم، تنطبق على وضعنا الحاليّ. اخترتُهُ مِثْلَ مِفْصَلٍ، ونُقْطَةَ تَحَوُّلٍ، لكي نكون قادرين على أن نخرج من "ظِلال عالم مغلق"  "لنفكّرَ ونخلق عالمًا منفتحًا" (راجع رقم 56). في الواقع، هناك علاقة عميقة بين مثل يسوع هذا والأساليب الكثيرة الّتي تُرفَض بها الأخوّة اليوم. خصوصًا، الشّخص الّذي تعرّض للضّرب والسّرقة، تمّ تركه مُلقًى على جانب الطّريق. فهو يمثّل الحالة الّتي فيها يُترَك الكثيرون من إخوتنا وأخواتنا في اللّحظة الّتي يحتاجون فيها كثيرًا إلى المساعدة. ليس من السّهل التّمييز بين الاعتداءات على الحياة والكرامة الّتي تنجم عن أسباب طبيعيّة، وتلك الّتي تنجم من المظالم والعنف. في الحقيقة، دَرَجَةُ عدمِ المساواة بين النّاس، وتغليب مصالح القِلَّة أصبح يؤثّر على كلّ البيئة البشريّة، إلى حدّ أنّه أصبح من الصّعب أن نقول عن أيّة تجربة إنّها ناجمة عن أسباب طبيعيّة. كلّ معاناة تقع في إطار "ثقافة" وبسبب تناقضاتها.

مع ذلك، ما يهمّ هنا، هو الاعتراف بوجود حالات من العزلة والخذلان. إنّه أمرٌ خطير جدًّا يمكن أن نتجاوزه قبل أيّ ظُلم آخر، لأنّه- كما قال المثل- لكي نقضي عليها يكفي لحظة من الاهتمام، تكفي حركة في داخل النّفس، الرّحمة. مرَّ اثنان من الّذين كانوا يُعتبرون متديّنَين، رَأَيَا الجريح ولم يتوقّفا. بينما، الثّالث، وهو سامريّ، وموضوع ازدراء، حرّكته الشّفقة واعتنى بذلك الغريب على جانب الطّريق، وعامله معاملة الأخ. بهذه الطّريقة، حتّى بدون أن يفكّر في الأمر، غيّر الأمور، وخلق عالمًا أكثر أخُوَّة.

أيّها الإخوة والأخوات، نحن لسنا مستعدّين دائمًا للمرض. وفي كثير من الأحيان لسنا مستعدّين حتّى لأن نعترف بالتّقدّم في العمر. نخاف من الضّعف، وتدفعنا ثقافة السُّوق المنتشرة إلى إنكاره. لا يوجد مكانٌ للضّعف. والأمر نفسه مع الشّرّ، عندما يداهمنا ويسيطر علينا، يتركنا مُرتعدين على الأرض. قد يحدث، إذاك، أن يتخلّى عنّا الآخرون، أو يبدو لنا أنّه علينا نحن أن نتخلّى عنهم، حتّى لا نشعر بأنفسنا عبئًا عليهم. هكذا تبدأ الوَحدة، ويُسمّمنا الإحساس المُرّ بالظّلم، يبدو لنا معه أنّ السّماء نفسها أُغلِقَت في وجهنا. ونجتهد لنبقى في سلام مع الله، بينما ندمّر علاقاتنا مع الآخرين ومع أنفسنا. لهذا، من المهمّ أيضًا في ما يخصّ المرض، أن تنظر الكنيسة كلّها إلى نفسها بالمقارنة مع المَثَلِ الإنجيليّ، مَثَلِ السّامريّ الرّحيم، لكي تصير "مستشفىً ميدانيًّا" صالحًا: في الواقع، إنّها تعبّر عن رسالتها في ممارسة الرّعاية، لاسيّما في الظّروف التّاريخيّة الّتي نمرّ بها. كلّنا ضعفاء، وكلّنا بحاجة إلى هذا الاهتمام الرّحيم الّذي يعرف كيف يتوقّف، ويقترب، ويشفي، ويُقيم. لذلك، حالة المرضى هي نداء يُوقف اللّامبالاة ويستوقف الّذين يتقدّمون وكأنّ ليس لهم إخوة وأخوات.

اليوم العالميّ للمريض لا يدعو فقط إلى الصّلاة وإلى التّقرّب من المتألّمين، بل يهدف، في الوقت نفسه، إلى توعية شعب الله، والمؤسّسات الصّحّيّة والمجتمع المدنيّ لتسير في طريقة جديدة للتّقدّم معًا. في نبوءة حزقيال الّتي ذكرناها في البداية، حكمٌ قاسٍ جدًّا على أولويّات الّذين يمارسون سلطة اقتصاديّة وثقافيّة وحكوميّة على الشّعب: "إِنَّكم تَأكُلونَ الأَلْبانَ وتَلبَسونَ الصُّوفَ وتَذبَحونَ السَّمين، لكِنَّكم لا تَرعَونَ الخِراف. الضِّعافُ لم تُقَوُّوها والمَريضَةُ لم تُداوُوها والمَكْسورَةُ لم تَجبُروها والشَّارِدَةُ لم تَرُدُّوها والضَّالَةُ لم تَبحَثوا عنها، وإِنَّما تَسَلَّطتُم علَيها بِقَسوَةٍ وقَهْر" (34، 3-4). كلمة الله مُنيرة ومُعاصرة دائمًا. ليس فقط في التّنديد، ولكن أيضًا في تقديم الاقتراح. في الواقع، تقترح علينا خاتمة مثل السّامريّ الرّحيم كيف يمكن ممارسة الأخوّة، تبدأ بلقاءٍ بين اثنين، ثمّ تتوسّع وتصير رعاية منظّمة. الفندق، وصاحب الفندق، والنّقود، والوعد في أن نبقى على معرفة متبادلة بكلّ التّفاصيل (راجع لوقا 10، 34-35): كلّ هذا يجب أن يُفكَّر فيه، في خدمة الكهنة، وفي عمل موظّفي الصّحّة والعمّال الاجتماعيّين، والتزام الأقارب والمتطوّعين الّذين بفضلهم كلّ يوم، وفي كلّ أنحاء العالم، الخير يقاوم الشّرّ.

زادت سنوات الجائحة من مشاعر الشّكر الواجبة للّذين يعملون كلّ يوم في مجال الصّحّة والبحث العلميّ. لكن، لا يكفِي أن نخرج من مأساة جماعيّة كبيرة فقط بتكريم الأبطال. وَضَعَ كوفيد-19 شبكة المهارات والتّضامن الكبيرة هذه أمام اختبار قاسٍ، وأظهر الحدود الهيكليّة لأنظمة الرّفاه الحاليّة. لذلك، مع الشّكر يجب أن يزداد البحث النَّشِط، في كلّ بلد، عن الاستراتيجيّات والموارد، حتّى يُضمَنَ لكلّ إنسان الوصول إلى العلاج وحقُّه الأساسيّ في الصّحّة.

"إِعتَنِ بِأَمرِه" (لوقا 10، 35) هي وصيّة السّامريّ لصاحب الفندق. يوجِّهُها يسوع من جديد لكلّ واحدٍ منّا، وفي النّهاية يحثّنا قائلًا: "إِذْهَبْ فٱعمَلْ أَنتَ أَيضًا مِثْلَ ذلك". كما أكّدتُ في الرّسالة العامّة كلّنا إخوة (Fratelli Tutti)، "يوضّح لنا المَثل ما هي المبادرات الّتي يمكن من خلالها إعادة بناء المجتمع، انطلاقًا من رجال ونساء يتبنّون ضعف الآخرين، ولا يسمحون ببناء مجتمعٍ يقوم على الاستبعاد، بل يُظهِرون قُربَهم من الّذي يسقط ويقيمونه ويعيدون تأهيله، حتّى يكون الخير مشتركًا" (رقم 67). "خُلِقنا بُغيَةَ الكمال والامتلاء الّذي لا نتوصّل إليه إلّا بالمحبّة. أمّا العيش بغير مبالاة إزاء الألم فليس خيارًا ممكنًا" (رقم 68).

في 11 شباط/ فبراير 2023 أيضًا، لننظر إلى مزار سيّدة لُورد مِثل نظرنا إلى نبوءة، ودرس مُوكَل إلى الكنيسة في قلب العالم الحديث. ليس المهمّ الّذين يعملون فقط، ولا الّذين ينتجون. المرضى هُم في وسط شعب الله، الّذي يتقدّم معهم مثل نبوءة عن إنسانيّة، كلُّ واحدٍ فيها عزيز ولا يُقصى عنها أحد.

إلى شفاعة مريم، شفاء المرضى، أُوكل كلّ واحدٍ منكم، أنتم المرضى، وأنتم الّذين تهتمّون وتعتنون بهم في العائلة وفي أماكن العمل والبحث العلميّ والعمل التّطوّعيّ، وأنتم الّذين تلتزمون بنسج روابط الأخوّة الشّخصيّة والكنسيّة والمدنيّة. أُرسل إلى الجميع من كلّ قلبي بركتي الرّسوليّة."