الفاتيكان
06 كانون الثاني 2022, 12:15

صدور رسالة البابا فرنسيس لليوم الإرساليّ العالميّ، ماذا في مضمونها؟

تيلي لوميار/ نورسات
تحت عنوان "تكونونَ لي شُهودًا" صدرت صباح الخميس رسالة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم الإرساليّ العالميّ 2022، كتب فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، تعود هذه الكلمات إلى لقاء يسوع القائم من الموت، مع تلاميذه، قبل صعوده إلى السّماء، كما جاء في سفر أعمال الرّسل: "الرُّوحَ القُدُسَ يَنزِلُ علَيكم فتَنَالون قُدرَةً وتكونونَ لي شُهودًا في أُورَشَليمَ وكُلِّ اليهودِيَّةِ والسَّامِرَة، حتَّى أَقاصي الأَرض". وهذا هو أيضًا موضوع اليوم الإرساليّ العالميّ لسنة 2022، الّذي يساعدنا كما هو الحال دائمًا لكي نعيش واقع أنّ الكنيسة هي مُرسلة بطبيعتها. وهذه السّنة، يقدّم لنا اليوم الإرساليّ العالميّ الفرصة لكي نحيي ذكرى بعض المناسبات المهمّة في حياة الكنيسة ورسالتها: المئويّة الرّابعة على تأسيس مجمع نشر الإيمان المقدّس- والّذي يعرف اليوم بمجمع تبشير الشّعوب- والمئويّة الثّانية على تأسيس عمل نشر الإيمان وعمل الطّفولة المقدّسة وعمل القدّيس بولس الرّسول الّذين نالوا الاعتراف البابويّ لمائة سنة خلت. لنتوقّف عند العبارات الرّئيسيّة الثّلاث الّتي تُلخّص الأسُس الثّلاثة لحياة التّلاميذ ورسالتهم: "تكونونَ لي شُهودًا"، و"حتَّى أَقاصي الأَرض" و"تنالون قدرة من الرُّوحَ القُدُسَ".

1. "تكونونَ لي شُهودًا"- دعوة جميع المسيحيّين لكي يشهدوا للمسيح

إنّها النّقطة المركزيّة، ومحور تعليم يسوع للتّلاميذ في ضوء رسالتهم في العالم. سيكون جميع التّلاميذ شهودًا ليسوع بقوّة الرّوح القدس الّذي سينالونه: وسيجعلهم الرّوح القدس كذلك بالنّعمة. أينما ذهبوا وأينما كانوا. فكما أنّ المسيح هو المرسل الأوّل، أيّ مرسل الآب، وبالتّالي "شاهِده الأَمين"، هكذا يُدعى كلُّ مسيحيٍّ لكي يكون مرسلًا للمسيح وشاهدًا له. والكنيسة، جماعة تلاميذ المسيح، ليس لها رسالة أخرى غير أن تُبشّر العالم وتقدّم الشّهادة للمسيح. إنَّ هويّة الكنيسة هي البشارة.

إنَّ قراءة جديدة شاملة وأكثر تعمُّقًا للنّصّ توضح لنا بعض جوانب الّتي لا تزال اليوم آنيّة للرّسالة الّتي أوكلها المسيح للتّلاميذ: "تكونونَ لي شُهودًا". تؤكّد صيغة الجمع على الطّابع الجماعيّ الكنسيّ لدعوة التّلاميذ الإرساليّة. إنَّ كلّ معمّد مدعوٌّ إلى الرّسالة في الكنيسة وبأمر من الكنيسة: لذلك فالرّسالة تتمُّ معًا، وليس فرديًّا، في شركة مع الجماعة الكنسيّة وليس بمبادرة خاصّة. وحتّى لو كان هناك في بعض الظّروف الخاصّة من يحمل وحده قدمًا رسالة التّبشير، لكنّه يقوم بها وعليه أن يقوم بها دائمًا في شركة مع الكنيسة الّتي أرسلته. كما علّم القديس بولس السّادس في الإرشاد الرّسوليّ "إعلان الإنجيل"، وهي وثيقة عزيزة جدًّا بالنّسبة لي، إذ قال: "إنَّ البشارة ليست أبدًا لأيّ أحد عملًا فرديًّا ومنعزلاً، بل هي في أعماقها عمل كنسيّ. وبالتّالي، فأيّ مبشّر، أو أستاذ تعليم مسيحيّ أو راعٍ، في أبعد مكان في العالم، يعظ بالإنجيل، ويجمع جماعته الصّغيرة، أو يمنح سراً من أسرار الكنيسة، حتى ولو كان وحده، هو يعمل عمل كنيسة، وتصرّفه هذا يرتبط بالتأكيد بفضل العلاقات المؤسّساتيّة، وإنّما أيضًا بروابط غير منظورة وجذور عميقة في تدبير النّعمة، بنشاط البشارة في الكنيسة جمعاء". في الواقع، ليس من قبيل الصّدفة أنّ الرّبّ يسوع قد أرسل تلاميذه في الرّسالة اثنين اثنين. إنّ شهادة المسيحيّين للمسيح لها طابع جماعيّ بشكل خاصّ. ومن هنا تأتي الأهمّيّة الأساسيّة لحضور الجماعة، حتّى لو كانت صغيرة، في حمل الرّسالة قدمًا.

ثانيًا، يُطلَب من التّلاميذ أن يعيشوا حياتهم الشّخصيّة في ضوء الرّسالة: فيسوع قد أرسلهم إلى العالم لا لكي يحملوا الرّسالة وحسب وإنّما وبشكل خاصّ لكي يعيشوا الرّسالة الّتي أوكلها لهم؛ وأرسلهم لا لكي يقدّموا شهادتهم وإنّما وبشكل خاصّ لكي يكونوا شهودًا للمسيح. كما يقول القدّيس بولس بكلمات مؤثّرة حقًّا: "نَحمِلُ في أَجسادِنا كُلَّ حِينٍ مَوتَ المسيح لِتَظهَرَ في أَجسادِنا حَياةُ المسيحِ أَيضًا". إنَّ جوهر الرّسالة هو الشّهادة للمسيح، أيّ الشّهادة لحياته وآلامه وموته وقيامته، محبّةً بالآب والبشريّة. وبالتّالي ليس من قبيل الصّدفة أن يكون الرّسل قد بحثوا عن بديل ليهوذا بين الّذين كانوا مثلهم شهودًا على قِيامتِه. إنّه المسيح، المسيح القائم من بين الأموات، الّذي يجب علينا أن نشهد له والّذي يجب أن نشارك في حياته. إنَّ مرسلي المسيح لا يُرسلون لكي يحملوا ذواتهم للآخرين ويُظهروا صفاتهم وقدراتهم المقنعة أو مهاراتهم الإداريّة. وإنّما هم يتمتّعون بالشّرف السّامي بأن يقدّموا المسيح، بالقول والفعل، ويعلنوا للجميع البُشرى السّارة لخلاصه بفرح وصدق، على مثال الرّسل الأوائل. لذلك، فإنّ الشّاهد الحقيقيّ هو "الشّهيد"، الّذي يبذل حياته من أجل المسيح، ويبادله العطيّة الّتي منحنا هو إيّاها باذلاً حياته من أجلنا. لذلك فإنّ الحافز الأوّل للبشارة بالإنجيل هو محبّة يسوع الّتي نلناها، وخبرة أنّه خلّصنا هي الّتي تدفعنا لكي نحبّه أكثر على الدّوام.

أخيرًا، فيما يتعلّق بالشّهادة المسيحيّة، تبقى ملاحظة القدّيس بولس السّادس صالحة على الدّوام: "إنَّ الإنسان المعاصر يُصغي إلى الشّهود أكثر من إصغائه للمعلّمين، أو إن أصغى للمعلّمين فهو يقوم بذلك لأنّهم شهود". لذلك، تُعتبر شهادة حياة المسيحيّين الإنجيليّة أساسيّة لنقل الإيمان. من ناحية أخرى، تبقى مهمّة الإعلان عن شخص يسوع المسيح ورسالته ضروريّة بالمقدار نفسه. في الواقع، يتابع بولس السّادس ويقول: "نعم، إنّ البشارة ضروريّة على الدّوام، أيّ ذلك الإعلان بالكلام عن الرّسالة [...] لأنَّ الكلمة تبقى آنيّة على الدّوام، لاسيّما عندما تكون حاملةً لقوّة الله. لهذا السّبب، لا تزال آنيّة ايضًا كلمات القدّيس بولس: "فالإيمان إذًا من السّماع": نعم إنَّ الكلمة الّتي نسمعها هي الّتي تقود إلى الإيمان". لذلك، في البشارة، يسير مثال الحياة المسيحيّة والإعلان بالمسيح معًا. فيخدم أحدهما الآخر. إنّهما الرّئتان اللّتان يجب على كلّ جماعة أن تتنفّس بهما لكي تكون إرساليّة. هذه الشّهادة الكاملة، والصّادقة والفرحة للمسيح ستكون بالتّأكيد قوّة جذب لنمو الكنيسة في الألفيّة الثّالثة أيضًا. ولذلك فإنّني أحثّ الجميع على أن يستعيدوا شجاعة وصدق، وجرأة المسيحيّين الأوائل، لكي يشهدوا للمسيح بالقول والفعل، في جميع مجالات الحياة.

2. "حتَّى أَقاصي الأَرض"- آنيّة دائمة لرسالة وبشارة عالميّة

بعد أن حثَّ الرّبّ القائم من بين الأموات التّلاميذ لكي يكونوا له شهودًا، أعلن لهم إلى أين سيرسلهم: "إلى أُورَشَليمَ وكُلِّ اليَهودِيَّةِ والسَّامِرَة، حتَّى أَقاصي الأَرض". هنا يظهر بوضوح طابع الشّموليّة لرسالة التّلاميذ. وتظهر أيضًا الحركة الجغرافيّة، حركة "ابتعاد عن المركز"، في دوائر متتابعة، من أورشليم، الّتي يعتبرها التّقليد اليهوديّ مركز العالم، إلى اليهوديّة والسَّامِرة، وحتّى "أقاصي الأرض". لم يُرسلوا لكي يقتنصوا، وإنّما لكي يبشرّوا، لأنَّ المسيحيّ لا يقتنص. ويخبرنا سفر أعمال الرّسل عن هذه الحركة الإرساليّة، ويعطينا صورة جميلة عن الكنيسة الّتي تخرج وتنطلق لكي تُتمِّم دعوتها في الشّهادة للمسيح الرّبّ، توجّهها العناية الإلهيّة، من خلال ظروف الحياة الملموسة. في الواقع، تعرّض المسيحيّون الأوائل للاضطهاد في أورشليم، ولهذا تشتّتوا في اليهوديّة والسَّامِرة وشهدوا للمسيح في كلّ مكان.

حدث مشابه يحصل اليوم في عصرنا. بسبب الاضطهادات الدّينيّة وأوضاع الحرب والعنف، يُجبر الكثير من المسيحيّين على الهرب من أرضهم إلى بلدان أخرى. نحن ممتنّون لهؤلاء الإخوة والأخوات الّذين لم ينغلقوا على أنفسهم في الألم، بل شهدوا للمسيح ولمحبّة الله في البلدان الّتي استقبلتهم. وهذا ما حثّهم عليه القدّيس بولس السّادس، إذ اعتبر أنّ هذه هي "المسؤوليّة الّتي تقع على عاتق المهاجرين في البلدان الّتي تستقبلهم". في الواقع، نحن نختبر بشكل أكبر كيف أنّ حضور المؤمنين من جنسيّات مختلفة، يُغني وجه الرّعايا ويجعلها أكثر عالميّة وأكثر كاثوليكيّة. وبالتّالي، فإنّ راعويّة المهاجرين هي نشاط رسوليّ لا يجب أن نهمله، ويمكنه أيضًا أن يساعد المؤمنين المحلّيّين لكي يكتشفوا مجدّدًا اكتشاف فرح الإيمان المسيحيّ الّذي نالوه.

على الإيضاح "حتَّى أَقاصي الأَرض"، أن يُسائل تلاميذ يسوع في كلّ زمان، وأن يدفعهم على الدّوام لكي يذهبوا إلى أبعد من الأماكن المعتادة لكي يشهدوا له. على الرّغم من جميع التّسهيلات الّتي قدّمها التّقدّم والتّحضّر، لا تزال هناك اليوم مناطق جغرافيّة، لم يصل إليها بعد المرسلون شهود المسيح، حاملين البُشرى السّارّة لمحبّته. من جهة أخرى، لا يجب أن يكون هناك أيّ واقع بشريّ غريب عن اهتمام تلاميذ المسيح في رسالتهم. إنَّ كنيسة المسيح كانت وستكون على الدّوام في خروج وانطلاق، نحو آفاق جغرافيّة واجتماعيّة ووجوديّة جديدة، ونحو أماكن وحالات "حدود" إنسانيّة، لكي تشهد للمسيح ولمحبّته لجميع الرّجال والنّساء من كلّ شعب وثقافة وحالة اجتماعيّة. بهذا المعنى، ستكون الرّسالة دائمًا أيضًا رسالة إلى الأمم، كما علّمنا المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، لأنّه على الكنيسة أن تندفع دائمًا إلى الأمام، أبعد من حدودها، لكي تشهد لمحبّة المسيح للجميع. في هذا الصّدد، أريد أن أذكُر وأشكر العديد من المرسلين الّذين بذلوا حياتهم لكي يذهبوا أبعد، وجسّدوا محبّة المسيح تجاه العديد من الإخوة والأخوات الّذين التقوا بهم.

3. "الرُّوحَ القُدُس يَنزِلُ علَيكم فتَنالون قُدرَةً"- السّماح للرّوح القدس على الدّوام بأن يقوّينا ويقودنا

بعد أن أعلن للتّلاميذ عن رسالتهم بأن يكونوا له شهودًا، وعدهم المسيح القائم من بين الأموات أيضًا بأنّهم سينالون نعمة لكي يحملوا هذه المسؤوليّة الكبيرة، وقال: "الرُّوحَ القُدُس يَنزِلُ علَيكم فتَنالون قُدرَةً وتكونونَ لي شُهودًا". في الواقع، وبحسب رواية سفر أعمال الرّسل، بعد نزول الرّوح القدس على تلاميذ يسوع، تمّت أوّل شهادة للمسيح، المائت والقائم من بين الأموات، بإعلان البشارة، المعروف بخطاب القدّيس بطرس الإرساليّ لسّكان أورشليم. هكذا بدأ عصر البشارة للعالم من قبل تلاميذ يسوع، الّذين كانوا في السّابق ضعفاء، وخائفين، ومنغلقين على أنفسهم. قوّاهم الرّوح القدس وأعطاهم الشّجاعة والحكمة ليشهدوا للمسيح أمام الجميع.

كما "أَنَّه لا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يَقول: "يَسوعُ رَبٌّ" إِلّا بإِلهامٍ مِنَ الرُّوحِ القُدُس"، كذلك لا يستطيع أيّ مسيحيّ أن يقدّم للمسيح الرّبّ شهادة كاملة وحقيقيّة من دون إلهام الرّوح القدس ومساعدته. لذلك، يُدعى كلّ تلميذ مُرسل للمسيح، لكي يعترف بالأهمّيّة الأساسيّة لعمل الرّوح، ويعيش معه في الحياة اليوميّة، وينال منه باستمرار القوّة والإلهام. وبالتّالي، عندما نشعر بالتّعب واليأس والضّياع، لنتذكّر أن نلجأ إلى الرّوح القدس بالصّلاة، الّتي- أريد أن أشدّد- أنَّها تلعب دورًا أساسيًّا في الحياة الرّسوليّة، لكي نسمح له بأن ينعشنا ويقوّينا، هو المصدر الإلهيّ الّذي لا ينضب لطاقات جديدة وفرح مشاركة حياة المسيح مع الآخرين. إنّ نوال فرح الرّوح القدس، هو نعمة. وهي القوّة الوحيدة الّتي يمكننا الحصول عليها لكي نبشّر بالإنجيل، ونعلن إيماننا بالرّبّ يسوع. وهكذا، يكون الرّوح القدس الرّائد الحقيقيّ للرّسالة: لأنّه هو الّذي يُعطي الكلمة المناسبة في الوقت المناسب وبالطّريقة المناسبة.

وفي ضوء عمل الرّوح القدس، نريد أيضًا أن نفهم معنى احتفالات المؤسّسات الإرساليّات لسنة 2022. فالرّغبة في تعزيز الوصيّة الإرساليّة في أراضٍ جديدة كانت المحرّك لتأسيس مجمع نشر الإيمان المقدّس، في سنة 1622. وقد كان ذلك حَدْسًا من العناية الإلهيّة! إذ أثبت المجمع أهمّيّته الحاسمة في جعل رسالة التّبشير في الكنيسة كما ما هي عليه، أيّ مستقلّة عن تدخّل القِوى الدّنيويّة، من أجل إنشاء الكنائس المحلّيّة الّتي تظهر اليوم قوّة كبيرة. وبالتّالي وكما حدث في القرون الأربعة الماضية، وبنور وقوّة الرّوح القدس، نتمنّى أن يستمرّ المجمع ويكثّف عمله في تنسيق، وتنظيم، وتنشيط أعمال الكنيسة الإرساليّة.

والرّوح القدس عينه، الّذي يقود الكنيسة الجامعة، هو يُلهم أيضًا رجالًا ونساءً بسطاء لكي يحملوا رسالات غير عاديّة. وهكذا أسّست الفتاة الفرنسيّة، بولين جاريكوت، لمائتي سنة خلت جمعيّة نشر الإيمان، وسنحتفل بتطويبها في هذه السّنة اليوبيليّة. وعلى الرّغم من ظروفها الصّعبة، قبلت إلهام الله لكي تُطلق شبكة صلاة وتبرعات من أجل المرسلين، بأسلوب يسمح للمؤمنين بأن يشاركوا بشكل فعال في الرّسالة "حتَّى أَقاصي الأَرض". ومن هذه الفكرة الرّائعة، وُلد اليوم الإرساليّ العالميّ الّذي نحتفل به كلّ سنة، ويتمُّ توجيه حملة التّبرّعات الّتي تُقام فيه في كلّ الجماعات إلى الصّندوق العالميّ الّذي يدعم البابا من خلاله النّشاط الإرساليّ.

وفي هذا السّياق، أذكر أيضًا الأسقف الفرنسيّ شارل دو فوربين- جانسون، الّذي أطلق جمعيّة الطّفولة المقدّسة من أجل تعزيز الرّسالة بين الأطفال، تحت شعار "أطفال يبشّرون الأطفال، وأطفال يصلّون من أجل الأطفال، وأطفال يساعدون الأطفال في جميع أنحاء العالم". وكذلك السّيّدة جان بيغارد، الّتي أسّست عمل القدّيس بطرس الرّسول من أجل دعم الإكليريكيّين والكهنة في أراضي الرّسالات. وقد تمّ الاعتراف بهذه الأعمال الإرساليّة الثّلاث كأعمال "حبريّة وبابويّة" منذ مائة سنة تحديدًا. وبإلهام وتوجيه الرّوح القدس أيضًا، أسّس الطّوباويّ باولو مانّا، الّذي ولد لمائة وخمسين سنة خلت، الاتّحاد الإرساليّ الحبريّ الحاليّ، لكي يوعِّيَ ويحرّك الكهنة، والرّهبان والرّاهبات وشعب الله بأسره على الرّسالة. وقد كان بولس السّادس نفسه عضوًا في هذا العمل، الّذي منحه أيضًا الاعتراف الحبريّ. لقد ذَكَرتُ هذه الأعمال الرّسوليّة الأربعة لما تتمتّع به من مستحقّات تاريخيّة كبيرة، ولأدعوكم أيضًا لكي تفرحوا معها في هذه السّنة الخاصّة بالنّشاطات الّتي قامت بها لدعم رسالة البشارة في الكنيسة الجامعة وفي الكنائس المحلّيّة. أتمنّى أن تجد الكنائس المحلّيّة في هذه الأعمال أداة ثابتة لتغذية الرّوح الإرساليّة في شعب الله.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لا زلت أحلم بكنيسة كلّها إرساليّة، وبفصل جديد من العمل الإرساليّ للجماعات المسيحيّة. وأكرّر ما تمنّاه موسى لشعب الله الّذي كان يسير إذ قال: "لَيتَ كُلَّ شَعبِ الرَّبِّ أَنبِياءُ!". نعم، ليتنا جميعنا في الكنيسة، وما نحن عليه فعلاً بنعمة المعموديّة: أنبياء، وشهود، ومرسلون للرّبّ يسوع! بقوّة الرّوح القدس وحتّى أقاصي الأرض. يا مريم، سلطانة الرّسالات، صلّي لأجلنا!".