لبنان
25 نيسان 2016, 05:56

شرح صلوات الأسبوع العظيم

تبدأ صلوات الأسبوع العظيم في الكنيسة الأرثوذكسيّة مساء أحد الشعانين وتمتد لقدّاس أحد الفصح.- قبل البدء بتعداد هذه الصلوات وشرحها لا بد من لفت النظر إلى أن الخدم في هذا الأسبوع لا تقام في أوقاتها بل ترتيبها مختلف على الشكل التالي:

صلاة الختن (العريس) التي تقام مساء أيام الأحد والإثنين والثلاثاء هي في الواقع سحر اليوم التالي.
صلاة الزيت التي تقام مساء الأربعاء هي في الواقع سحر يوم الخميس.
أناجيل الآلام التي تقرأ مساء الخميس هي من خدمة سحر الجمعة.
إنزال المصلوب التي تقام صباح الجمعة هي في الواقع غروب الجمعة.
قدّاس سبت النور مع خدمة الغروب الذي يُقام في صباح السبت هو بمثابة قدّاس السهرانيّة الذي كان يبدأ مساء السبت - الأحد ، وهناك من يعتقد أنّه كان قدّاس العيد.

صلاة الختن: اللقاء بالعريس والاتّشاح بالنور

الختن كلمة سريانية تعني العريس.

تأتي تسميةُ "صلاةِ الخَتَنِ" مِن مَثَلِ العذارى العَشْرِ الّذي يتكلّمُ فيه المسيحُ عن عُرسٍ رُوحِيٍّ يأتي فيه الخَتَنُ (العريسُ) في نصفِ الليل، وتكونُ بعضُ العذارى مستعدّاتٍ لاستقبالِهِ بالمصابيح، بينما تكون الأُخرَياتُ غيرَ مستعدّاتٍ، فَيُترَكْن، تالِيًا، خارجَ وَلِيمةِ العُرس (مت 1:25-13).

من هنا ترتّل الكنيسة: " هاهو ذا الختن يأتي في نضف الليل، فطوبى للعبد الذي يجده مستيقظًا..."

إبتداءً من عشيّةِ أحد الشّعانين وحتّى عشيّة الثّلاثاء العظيمِ المقدَّس، تَلحَظُ الكنيسةُ الأرثوذكسيّةُ خدمةً خاصّةً تُعرَفُ بِخدمةِ الخَتَن (العريس)، حيثُ نُنشِدُ، في كُلٍّ مِن العشيّاتِ الثّلاث صلاةَ السَّحَرِ الّتي لِليَومِ التّالي.

صُورةُ "الخَتَن" تُشِيرُ جَلِيًّا إلى حميميَّةِ محبّةِ المسيحِ لَنا جميعًا، إِذْ يُقارِنُ الرَّبُّ ملكوتَ اللهِ بِخِدرٍ عُرْسِيّ.

وفي تقليدِنا الآبائيّ أنَّ لهٰذا المَثَلِ علاقةً بالمجيءِ الثّاني للمسيح. وبهٰذا المعنى، يُعَلِّمُنا مَثَلُ العذارى العَشْرِ أنّنا بحاجةٍ إلى السَّهرِ والتأهُّب الرُّوحِيَّين، بِحَيثُ نتمكَّنُ من حفظِ الوصايا وتقبُّلِ بَرَكَةِ الاتّحادِ مَع الله في هٰذه الحياةِ وفي الدّهرِ الآتي.

لذلك حذرتنا الكبيسة في الترنيمة من أن نستغرق في النوم حتى نلقى المسيح.

وبالعودة إلى المثل، نلاحظ أن العاقلات دخلنَ وحدهنَ إلى العرس .وهنا يقوى معني اللقاء والإتحاد بالمسيح، لنسمع في ترتيلة أخرى: " إنني أشاهد خدرك مزينًا يا مخلصي "
الخدر هو المخدع الزوجي، وكلّ نفس مؤمنة تسأل أن تصير عروسًا للمسيح، ولكن هل نحن حقًا نلبس لباس العرس؟

فتكمل الترتيلة:" ولست أمتلك لباسًا للدخول إليه فأبهج حلة نفسي يا مانح النور وخلّصني " كما أتى في مثل عرس ابن الملك (مت1:22-14)

فالنفس المتواضعة تسأل الله أن يلقي عليها الحلّة لتدخل إلى العرس
 

 مسيرة الصلوات:

فبعد أن شاهدنا وشهدنا على إقامة لعازر من بين الأموات ودخول الرّب يسوع إلى أورشليم ليُصلب ويقوم في اليوم الثالث كما سبق وتنبأ وقال لتلاميذه، ندخل مسيرة الجلجة مع الرّب في صلوات وخدم جمالها يفوق الوصف والتعبير.

وفي الحقيقة هو عبور مع السيّد من الموت إلى الحياة، عبور من أورشليم الأرضيّة إلى أورشليم السماويّة، عبور أعلن فيها السيّد الظفر على الموت، كما سبق ورتلّنا في سب لعازر وأحد الشعانين: " أيّها المسيح الإله، لمّا أقمت لعازر من بين الأموات قبل آلامك، حقّقت القيامة العامّة، لأجل ذلك ونحن كالأطفال نحمل علامات الغلبة والظفر، صارخين نحوك يا غالب الموت: أوصنّا في الأعالي، مباركٌ الآتي باسمِ الربّ.

الموضوعُ المركزيُّ هُوَ الاستعداد الدائم لاستقبالِ المسيحِ، الّذي هُوَ العريسُ الحَتمِيُّ لِلبَشَرِيَّةِ جَمعاء.

العِبَرُ والتّرانيمُ والحَوادِثُ المُستَقاةُ من الكتابِ المقدَّس، تُسلِّطُ الضَّوءَ على مظاهِرَ هامَّةٍ مِن تاريخِ الخلاص، وذٰلِكَ عن طريقِ استدعائِها إلى أذهانِنا الوَقائعَ الّتي استَبَقَتِ الآلام، وعن طريقِ إعلانِهِ حتمِيَّةَ المجيءِ وأهمّيَّتَه.

ملاحظة: القراءاتُ الكتابيّةُ الّتي تُتلى في صلواتِ المساءِ في الأسبوعِ العظيمِ مأخوذةٌ مِن سِفرَي الخروج وأيّوب. والسَّببُ في ذٰلكَ واضحٌ، ألا وهوَ أنَّ سِفرَ الخروج يَروي قصَّةَ العُبُورِ الّتي كانت رمزًا لِعُبُورِ الإنسانيَّةِ كُلِّها مِن عُبُوديّةِ الموت إلى الحياةِ الأبديّةِ، عَبرَ تضحيةِ المسيحِ بنفسِه، ثُمَّ قِيامتِه. أمّا في سِفرِ أيّوب، فَلَدَينا خبرةُ التّغلُّبِ على الموتِ بِواسطةِ الصَّبرِ والثّقةِ المطلَقَةِ بالله، من خلالِ قدّيسٍ نموذجِيٍّ لَم يَكُن منَ اليَهُود، تَقَبَّلَ الإعلانَ الإلٰهِيّ، وتمتّعَ برُؤيةِ الله، صائرًا صُورةً مسبَقَةً لآلامِ المسيحِ وقِيامَتِهِ، وَلِكَونِيَّةِ الخَلاص.