دينيّة
11 شباط 2016, 08:05

سيّدة لورد طاهرة التكوين

ريتا كرم
اختارها الله لتكون أمّاً لابنه الوحيد الذي أرادها شريكة له في الفداء، فكانت سفينة الخلاص، شراعها تعاليم يسوع، ووجهتها ملكوت السماء. ولأجل ذلك تجلّت بأبهى حلاها مرّات عديدة في ظهورات دعت خلالها إلى التوبة والصّلاة، كظهورات لورد، البلدة الجنوبيّة الفرنسيّة، التي روت أرضها بمياه الخلاص المقدّسة. ففي الحادي عشر من شباط من العام ألف وثماني مئة وثمانية وخمسين، انبثق نور من مغارة، شعّ منه جمال سيّدة عرفت بالحبل بلا دنس، تلفّها سحابة ذهبيّة ملوّنة، فظهرت عروس السماء بثوبها الأبيض، على رأسها منديل ناصع البياض يتدلّى حتّى قدميها المزينتين بوردتين صفراوتين، وعلى خصرها زنّار أزرق، وفي يدها مسبحتها.

 
تراءت ثمانية عشرة مرّة لبرناديت ابنة الرابعة عشرة، الصادقة في إيمانها والأمينة لورديّتها، فكانت منذ الظهور الأول تتردّد إلى المغارة تضيء الشموع وتقوم بما أوصتها به العذراء قائلة: "إذهبي وقبّلي الأرض توبة عن الخطأة". في ظهورها التاسع لبّت طلب العذراء وشربت من ماء النبع واغتسلت بها، وأكلت من العشب الذي أمامه، وبنعمة إلهية، أطلقت ماء المعجزة أمام حشد كبير أخذ يكبر يوماً بعد يوم ليتردّد إليه اليوم الملايين من المرضى في العالم ليغتسلوا به فيبرأون. وبنيت في الموقع نفسه كنيسة باتت مزاراً عالميّاً، تنفيذاً لوصيّة العذراء في ظهورها الثالث عشر، والتي كشفت في السادس عشر في عيد سيّدة البشارة، عن اسمها قائلة: "أنا الطاهرة التكوين"، لتختم ظهوراتها في عيد سيّدة الكرمل وتطبع في ذهن القديسة الصغيرة صورتها الرائعة الجمال، لتبنى لاحقاً كنيستين جديدتين لا تزالان تستقبلان أعداداً هائلة من المؤمنين الذي يؤدّون في المكان صلوات وتأملات ببركة سيّدة المقام.


اختارت برناديت الدير فصارت من أخوات المحبّة، عملها الصلاة. اعتنت بالمرضى رغم صحّتها الضعيفة، منتظرة السعادة التي وعدتها بها العذراء في العالم الآخر، ذاك العالم الذي دخلت إليه في الخامسة والثلاثين من عمرها، بعد أن خدمت المرضى بمحبّة وفرح وصبر. ومثلها يعمل اليوم كلّ من يعتني بمتألم، فيدعون "وزراء لأجل المرضى" الذين خصّصت لهم الكنيسة، في العام ألف وتسع مئة واثني وتسعين، يوماً عالمياً يُحتفل به مع ذكرى سيّدة لورد، وهو يوم كلّ إنسان، عليل النفس أو الجسد، فالله الذي اختبر الألم، أراد أن يكون الإنسان المتألّم شريكاً له في الفداء كما الطبيب شريكاً له في الشفاء. شفاهم ولا يزال، أرسل تلامذته لمداواتهم باسمه، خصّص لهم سرّاً مقدّساً: سرّ مسحة المرضى، فبآلامهم يتّحدون روحياً بآلامه وموته ويساهمون في خيرات شعب الله. لذا ترى الكنيسة تشجّع المرضى والمتألمين للتجذر بالإيمان والتغذي من كلمة الله وممارسة الصلاة الشخصيّة وأسرار الكنيسة، لأن الله قادر أن يشفي كلّ ضعف فينا. فلنجعله يقترب منّا، ولتطهرّ ماء المعجزة نفوسنا وأجسادنا، فيصبو كلّ إنسان مع يسوع وبشفاعة سيّدة لورد إلى العالم الآخر حيث السعادة الحقيقيّة.