لبنان
10 شباط 2023, 08:50

سويف يطالب في عيد مار مارون بصحوة التّوبة والغفران وتجدّد القلب والفكر والإرادة

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل رئيس أساقفة أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران يوسف سويف بالقدّاس الإلهيّ لمناسبة عيد القدّيس مارون في كنيسة مار مارون- طرابلس،عاونه فيه خادم الرّعيّة المونسنيور نبيه معوّض ولفيف من الكهنة، وخدمته جوقة قاديشا بقيادة الأب الدّكتور يوسف طنّوس، بحضور فعاليّات سياسيّة وعسكريّة ودينيّة وثقافيّة واجتماعيّة وتربويّة وحشد من الرّهبان والرّاهبات ومؤمنين من أبناء المدينة والأبرشيّة والشّمال.

بعد الإنجيل المقدّس، توجّه المطران سويف إلى المؤمنين قائلًا: "في هذا العيد، نرفع الصّلاة بداية إلى الله تعالى حتّى يترأّف بنا ويرحم ضحايا الزّلزال الّذي هزّ منطقتنا ويتلطّف بجميع المتضرّرين جسديًّا ونفسيًّا ومادّيًّا. ومن طرابلس، نحيّي غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي متّحدين معه بالصّلاة، ونوجّه إلى قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس أصدق تحيّات المحبّة ونشكره لأّنّه يحمل لبنان دومًا في فكره وصلاته واهتماماته".

أضاف: "عاش القدّيس مارون، وهو يشهد لمحبّة المسيح، رجاؤنا، يصلّي ويرافق ويسير مع الشّعب الّذي آمن بيسوع مخلّصًا. وهذه المسيرة الكنسيّة تتواصل بروح العائلة، وبخطى جماعيّة أيّ سينودسيّة، متّجهة إلى رؤية وجه الله في وجه كلّ إنسان، وإلى سماع صراخ المتألّمين، من مظالم اللّاعدالة والكبرياء والأنانيّة الّتي تميت الرّوح الإنسانيّة في قلوب البشر. ففي خضمّ المحنة الّتي يمرّ فيها وطننا الحبيب لبنان، تلتزم أبرشيّتنا هذه السّنة بعمق وقناعة وفرح أن تعيش اختبارها الكنسيّ تحت عنوان: نحن شهود الرّجاء أمام تاريخ إنطاكيّ سريانيّ مارونيّ، ثوابته كنيسة مصلّية، جماعة تعلن إيمانها بالصّليب الظّافر، عائلة تفرح بروح التّضامن الاجتماعيّ، مجتمع منفتح ومتفاعل بين كلّ مكوّناته على أسس المحبّة، وشعب ما رضي إلّا أن يعيش في الحرّيّة ويحقّق العدل ويبني السّلام.  

نحن شهود الرّجاء في كنيسة هي أمّ ومعلّمة وتلميذة أيضًا. أّم تجمع أبناءها وتضمّهم إلى قلبها، البعيدين قبل القريبين، تذهب خلف الضّالّ وتضمّد جراح المريض ببلسم الرّوح المحيي والمجدّد، هي كذلك معلّمة تنير القلب وترشد العقل بالكلمة والحقيقة، وهي تلميذة أيضًا لأنّها مدعوّة أن تقرأ علامات الأزمنة بهدي الرّوح فتتعلّم وتأخذ العبرة من التّحوّلات الإنسانيّة والثّقافيّة والاجتماعيّة، لتقود الإنسان في كلّ زمان ومكان، إلى ينابيع ماء الحياة الجديدة. نحن مدعوّون إلى أن نكون شهود الرّجاء في رعايانا وأديارنا وعلى مستوى الأشخاص والكوادر والمؤسّسات بحيث نجعل من كلمة الله مرجعيّتنا المطلقة، مصدر تجدّد الرّجاء في قلب المجتمع البشريّ. يأتي هذا، ثمرة علاقة شخصيّة بيسوع المسيح القائم، يعيشها الفرد وتختبرها الجماعة معلنة بشرى القيامة الّتي تحوّل كلّ اختبارات الموت الإنسانيّة إلى حبّ وحياة.

نحن شهود الرّجاء في كلّ مناطق الأبرشيّة، لاسيّما في طرابلس الفيحاء، مدينة الأخوّة الإنسانيّة والعيش الواحد والعمل المشترك، في إطار التّفاعل الواعي بين المؤسّسة الدّينيّة والمدنيّة والعسكريّة لخير النّاس، والتّضامن معهم في مآسيهم ومختلف ظروف حياتهم، فالشّكر لجميع أحبّائنا وأصدقائنا في الدّاخل والخارج الّذين نلتقي معهم في المسيرة الرّوحيّة والإنسانيّة والوطنيّة. إنّها مبادرات رحمة ومحبّة نقوم بها بكلّ إيمان وقناعة، إلى حين تستقيم الأمور في الدّولة. فلا بديل عن الدّولة الّتي من واجبها أن تؤمّن لجميع المواطنين والمواطنات الحدّ الأدنى من الحاجات الحياتيّة الأساسيّة. أملنا اليوم أن تدخل العائلة اللّبنانيّة بأسرها في ديناميّة الحوار النّاضج والمسؤول لإنقاذ لبنان والإنسان فيه. وهذا لا يتحّقق إلّا بتحمّل المسؤوليّة الوطنيّة والحسّ الإنسانيّ الصّادق، بعيدًا من السّياسات الضّيّقة وعلى أسس حرّيّة الخيارات ضمن الثّوابت الوطنيّة، وبروح ديمقراطيّة لولادة لبنان المواطنة، من أجل استمراريّة رسالته السّامية، انحناء لتضحيات الآباء وتكريمًا لدماء الشّهداء.

نحن شهود الرّجاء أمام حركة تضامنيّة في المجتمع اللّبنانيّ، الّذي يعاني الحرمان والعوز وأدنى مكوّنات العيش اللّائق والكريم، من حقّ في التّعليم والطّبابة والحصول على الدّواء والماء النّظيف، والطّاقة والمسكن الآمن للجميع، لاسيّما إخوتنا الأكثر عوزًا وفقرًا. كأنّ بالوطن هيكلاً يهدم وثقافة تشوّه وهويّة تتبدّل عناصرها المرتكزة على التّنوّع واللّقاء والحوار والحرّيّة، لصون الكرامة الإنسانيّة".

أضاف: "نجدّد إيماننا بقوّة الرّبّ، الّذي ينتصر على كلّ شرّ وحقد وخبث ورياء. نجدّد إيماننا بالرّبّ الّذي جعل من وطننا واحة روحيّة وإنسانيّة تشكّل نموذجًا دينيًّا واجتماعيًّا للعالم بأسره. نؤمن أيضًا بأنّ الرّبّ قادر على جعل من أنقاض الهيكل أبناء لإبراهيم، وممّا تبقّى من مكوّنات الدّولة وطنًا متجدّدًا لجميع أبنائه، لاسيّما للأجيال الصّاعدة، الّتي من حقّها أن تبقى هنا، وتعمل هنا، وتفرح هنا، وتتحمّل مسؤوليّة القيادة على أسس الأخلاق في إدارة الشّأن العامّ والحوكمة السّليمة والشّفافيّة والمحاسبة والقضاء الحرّ. هذه هي الأسس الأخلاقيّة والوطنيّة، الّتي عليها يتجدّد لبنان، في مسيرة صادقة وقرار جريء في تنقية الذّاكرة اللّبنانيّة الجماعيّة."

وأكّد سويف أنّ "الطّريق هي صحوة التّوبة والغفران"، مطالبًا بـ"تجدّد القلب والفكر والإرادة لضمان غد زاهر"، وقال: "كلّ ممارسة بعيدة من هذه القيم لا حياة لها، فلا في منطوق الإيمان ولا في منطق الدّولة الحديثة".

وإختتم عظته قائلاً: "المسألة تسمّى بالقضيّة اللّبنانيّة، الّتي علينا أن نعلنها لذواتنا كعائلة لبنانيّة موحّدة، ونوصلها إلى أصدقائنا في العالم العربيّ والأسرة الدّوليّة. ومن هنا، وجب تغليب مصلحة لبنان العليا لإنقاذ الوطن والمواطن بانتخاب رئيس للجمهوريّة يجدّد الثّقة بلبنان ويعيد له دوره ورسالته. نسأل الله عزّ وجلّ أن يرحمنا ويعضدنا ويثبّتنا في مقاصدنا بشفاعة القدّيس مارون، وأن يحفظ لبنان ويقوده إلى ميناء الخلاص والأمان".

بعد القدّاس، تقبّل سويف والآباء التّهاني بالعيد في قاعة الكنيسة.