سويف: نصلّي على نيّة نجاح زيارة البابا إلى البحرين حتّى تؤتي بثمار روحيّة وإنسانيّة للشّرق الأوسط المجروح
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران سويف عظة جاء فيها:
"في هذا اليوم المبارك نتقدّم منكم جميعًا بالتّمنّيات الحارّة بعيد رئيس الملائكة مار ميخائيل، طالبين من الرّبّ أن ينعم علينا بمواهب روحه القدّوس حتّى نتغلّب على الشّرّ والسّوء فننشر الرّجاء والإيمان والمحبّة.
في هذا الأحد، أحد تقديس البيعة وتجديدها، تبدأ الكنيسة المارونيّة السّنة الطّقسيّة الّتي تتحرّك وفق إيقاع أسبوعيّ، قلبُه ومحورُه هو يوم الأحد، يومُ الرّبّ وتذكار القيامة. ترتكز مسيرة السّنة اللّيتورجيّة في تعاقب الأيّام والأسابيع، على شخص يسوع المسيح وعيش سرّ موته وقيامته انطلاقًا من الميلاد والدّنح، إلى الصّوم والقيامة فالعنصرة والصّليب وكلِّ الأعياد السّيديّة والمريميّة وأعياد الشّهداء والقدّيسين الّتي ترتبط لاهوتيًّا وليتورجيًّا بيوم الأحد أيّ بفصح الرّبّ. فما دورة السّنة بأعيادها وتذكاراتها إلّا حركة تصاعديّة تَدخل فيها الجماعة المؤمنة في اتّحادٍ مع المسيح ومع كلّ إنسان لاسيّما الفقير والمجروح والمتألّم.
نحن مدعوّون هذا العام أن نعيش أزمنة السّنة الطّقسيّة بأبعادها الرّوحيّة والرّعويّة والكنسيّة في إطار المسيرة السّينودسيّة الّتي دعا إليها البابا فرنسيس، والمرتكزة على طبيعة الكنيسة- الشّركة والمشاركة والرّسالة. تكمن الشّركة في عيش ليتورجيا الإفخارستيّا حيث يُشركنا الرّبّ يسوع في فصحه من خلال المائدة المقدّسة. أمّا المشاركة فهي اشتراك الجماعة المؤمنة ليس فقط بالخيرات الرّوحيّة عبر المسيرة الكنسيّة واللّيتورجيّة، بل أيضًا في الخيرات الزّمنيّة الّتي تعبّر عن محبّة الله الّتي تطال قلب الإنسان. ويأتي نداء الرّبّ يسوع، ليُرسل الجماعة فتشهد للوحدة في عالم منقسم وللرّجاء في خضمّ الأزمات فتساهم في نشر السّلام وبناء المحبّة.
نشكر الرّبّ في هذا الأحد المبارك، على الزّيارة الرّسوليّة للبابا فرنسيس إلى البحرين والّتي تتميّز بمشاركة الكنائس والأديان في الصّلاة والحوار، لأجل ترسيخ العيش المشترك واكتشاف جمال الأخوّة الإنسانيّة وغناها. إنّها صورة بهيّة ومتناغمة يحتاجها عالم اليوم في مناطق عديدة، والّذي عِوض أن يتقدّم نحو السّلام والاستقرار والازدهار نراه يعود إلى الوراء في تبنّي منطق العنف والحرب وإلغاء الآخر. فالنّاس مدعوّة أن تعيش الرّحمة والمغفرة وتنهج نهج الحوار والمصالحة وتنقية الذّاكرة لضمان مستقبل الأجيال الصّاعدة. فلنصلّي على نيّة نجاح هذه الزّيارة حتّى تؤتي بثمارٍ روحيّة وإنسانيّة للشّرق الأوسط المجروح والمتألّم من جرّاء العنف والحروب.
فما أجمل أن يلتقي الإنسان مع أخيه الإنسان، في تنوّعٍ ليس فيه خوفٌ من الآخر بل غنى التّلاقي والتّفاعل، للخير المشترك الّذي يهدف أوّلاً وأخيرًا إلى صون كرامة المواطن. هذا هو لبنان، بطبيعته ورسالته، وتمايزه في العيش المشترك والواحد في حياة النّاس اليوميّة، وهذا ما يجب علينا أن نحافظ عليه ونطوّرَه بروح المواطنة والانتماء الرّاسخ الى الوطن الحبيب لبنان. هذه هي هويّتنا اللّبنانيّة المهدّدة بالانحراف عن مسارها الوطنيّ السّليم. تعالوا نتكاتف لإنقاذ الوطن الّذي هو عطيّة الله الثّمينة لجميع اللّبنانيّين.
نعم أيّها الأحبّاء،
أضمّ صوتي إلى أصوات جميع اللّبنانيّات واللّبنانيّين مطالبين القيّمين والمسؤولين في إنجاز الانتخابات الرّئاسيّة ومن بعدها تشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن، رأفة بالمواطنين المقهورين والمظلومين وهم الأكثريّة السّاحقة في الوطن. ومدينتنا الحبيبة طرابلس هي أكبر شاهدٍ على اللّامبالاة أمام معاناة النّاس وهجرة العيال الّتي تفضّل رحلة الموت في البحار عن موتٍ يوميّ تواجهه في حياةٍ غير لائقة وكريمة.
نعم! لبنان يحتاج الى ترميم الثّقة الّتي خسرها أمام أهله وأمام المجتمع الدّوليّ، وكلّنا مسؤولٌ عن إنقاذ الوطن وإعادة بنائه. فلبنان يستحقّ أن يستعيد دوره الرّائد على المستوى الثّقافيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ بانفتاحه وتفاعله مع جميع أصدقائه الّذين ما زالوا يرَون فيه منارةً في هذا الشّرق.
أيّها الأحبّاء، فليكنْ هذا العيد وقفةً صادقةً أمام الله وأمام الذّات، نسأل رحمته ونِعَمَه. فالرّبّ يسير معنا في الطّريق ولن يتخلّى عنّا، هو قوّتنا وملجانا، يباركنا ويقودنا إلى ميناء القيامة بشفاعة العذراء مريم والملاك ميخائيل وجميع الأنبياء والرّسل والشّهداء، له المجد إلى الأبد. آمين".
وبعد القدّاس تبادل المطران سويف التّهنئة بالعيد مع الحاضرين في قاعة الكاتدرائيّة.