لبنان
10 شباط 2022, 07:30

سويف في عيد مار مارون: لا يظنّنّ أحد أن بإمكانه جرّ الوطن إلى ثقافة لا تشبه تاريخه وحاضره

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل رئيس أساقفة أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران يوسف سويف بالقدّاس الإلهيّ لمناسبة عيد القدّيس مارون في كنيسة مار مارون- طرابلس بحضور وزير السّياحة وليد نصّار ممثّلاً رئيس الجمهوريّة ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وحضور قائد الجيش العماد جوزيف عون ممثّلاً بالعميد الرّكن يعقوب معوّض، إضافة إلى فعاليّات نيابيّة وسياسيّة وحزبيّة وبلديّة وأمنيّة وتربويّة وبلديّة واجتماعيّة، فضلاً عن حشد من المؤمنين من أبناء المدينة والأبرشيّة.

بعد الإنجيل المقدّس، توجه سويف إلى المؤمنين سائلاً الله أن يمنّ عليهم جميعًا بشفاعة القدّيس مارون بالسّلام والأمان وراحة البال معتبرًا أنّ "الحاجة اليوم هي لثقافة وروحانيّة القدّيس مارون في خضمّ بشريّةٍ تفقد معنى الحبّ وتشوّه جمال الخلق وبدل أن تنشد الوحدة والتّآخي، تعلن الحرب والانقسامات وتفريق الشّعوب عن بعضها البعض. إنّها أصواتٌ مرفوضةٌ من ذوي الإرادات الصّالحة الّتي عليها أن تتّحد وتعمل معًا لبناء الحبّ ونشر السّلام وتعزيز الحوار بين الثّقافات والأديان وبذلك تشهد لقلب الله الأبويّ محبّ البشر. هذا هو إرث (بيت مارون) الّذي انطلق من إنطاكيا ومنه إلى العالم الواسع، فهلّا حافظنا على هذا الإرث وكنّا أمينين لدعوتنا ورسالتنا؟  

وفي هذا العيد، الدّعوة هي للشّراكة الّتي تتجسّد تعاونًا وتضامنًا واهتمامًا بالإنسان، لاسيّما الضّعيف والمظلوم والمهمّش والمتروك والجائع وكلّ مَن انتُهِكَت حقوقه وكرامته وكَم هم كُثُرٌ في وطننا الحبيب لبنان، وفي معظم بلدان هذا الشّرق المُعَذَّب من جرّاء الحروب الّتي تولّد البؤس والتّهجير، حيث تركت النّاس بيوتها وأرضها وقراها وأوطانها فتشتّتوا في أصقاع الأرض الّتي من حقّهم أن يعودوا إليها.

لذلك توقّفوا أيّها القيّمون عن المُضيّ في هذه المأساة الإنسانيّة والوطنيّة. وتذكّروا أنّ السّلطة تأتي من الشّعب ولخير الشّعب تعود، ومارسوا المسؤوليّة بروح الخدمة والمساواة بين جميع المواطنين دون تمييزٍ دينيّ واجتماعيّ ومناطقيّ. فالسّلطة إذا لم تبغ الخير العامّ تصبح مهانةً لمَن يتولّاها، على مستوى الضّمير والأخلاق، فما ترانا نقول إذا مَثُل الإنسان أمام الله يوم الدّينونة."

كلّنا مسؤولٌ عن استرجاع الوطن لترميمه وبنائه. فتحلّوا بالوعي أيّها المواطنون والمواطنات، واستنتجوا العِبَر. فالمرحلة الآنيّة هي الـ"كايروس" الجديد للبنان، الّذي يتطلّب صحوة ضمير وتنقية ذاكرةٍ جماعيّة باختيار المواطنة ثقافةً ونهجًا. بهذا نحافظ على هذه الوديعة فتُنقَل من جيلٍ الى جيل، ويعود لبنان رسالة ونموذجًا. فلا يظنّنّ أحدٌ أنّ بإمكانه جرّ الوطن إلى ثقافة لا تشبه تاريخَه وحاضرَه".

كما أشار سويف إلى أنّ "لبنان لجميع أبنائه" وقال: "تعالوا ننقذ (نحن) جميعنا هذا الوطن بحوارٍ صادقٍ وقرارٍ واعٍ وخيارات صحيحة ترفض كلّ نوعٍ من أنواع الفساد، صغيرة كانت أم كبيرة. فالبابا فرنسيس يؤكّد أنّ (لا نجاة لِمَن يعمل وحده). المطلوب واضحٌ وبسيط: أخلاقيّاتٌ في التّفكير والأداء، حَوكَمَة سليمةٌ وشفّافةٌ وعادلة، قضاءٌ نزيه، ومحاسبة كلّ مَن ينتهك الخير العامّ. نريد لبنان الحداثة، واحترام الآخر وقبوله، وحوار الثّقافات. نريد لبنان فُرَصَ العمل والإنتاج والازدهار والأمن والأمان، لبنان الفكر والقلم والثّقافة، مجتمعًا يحمي الشّباب من الانزلاق بآفاتٍ وإيديولوجيّات تُسوّقُ من حفنة تُجّارٍ لا يخافون الله فيعبثون بالإنسان ويصطادونه في عمق أزمة الرّغيف.

وأردف المطران سويف "صلاتنا اليوم تُرفَع بشكلٍ خاصّ لأجل لبنان، وفي القلب إيمانٌ ورجاء أنّ الله سيستجيب الى صراخ شعبه، ويتضامن مع وجع كلّ أبٍ وأمٍّ، ويرى بعين الرّأفة القهر الّذي تعيشه كلّ عائلة على مساحة الوطن. فندائي لكم وللشّباب خاصّة في هذا العيد هو ألّا تنجرفوا للكُفر بالوطن والحقد عليه، من جرّاء ضيق هذه الأزمة وما ولّدت من عَوز وبؤس. فلبنان لكم ولكم وحدكم، أنتم الحاضر والغد. حافظوا على هذه الوديعة الإلهيّة والإرث الإنسانيّ، واحموا هويّة التّعدّديّة والوحدة والحرّيّة، ونادوا بلبنان القضيّة ولبنان الرّسالة من أماكن تواجدكم في الدّاخل كنتم أو في الخارج، ووجّهوا عيون قلوبكم نحو أرض الآباء والأجداد كي لا نخسَرها جميعنا كلبنانيّين. فأرضنا هي للزّرع والحوار، وتربتنا تُنتج مواسم الخير والعيش الواحد، ولبناننا سيبقى نموذج اللّقاء ورسالة السّلام والتّفاعل مع المحيط والعالم. نعم لبنان هو حاجة ماسّة للبشريّة بأسرها. مسؤوليّتنا الأخلاقيّة النبيلة هي صونُ نموذجه الحضاريّ في التّعدّديّة.

وإختتم سويف مؤكّدًا أنّ "احتفال اليوم يأتي في إطار دعوة مباركة وجّهها البابا فرنسيس للكنيسة ومن خلالها لكلّ إنسانٍ، لنكتشف روعة السّير معًا في داخل الكنيسة وفي قلب العائلة الإنسانيّة، فبذلك ننمو في التّناغم والانسجام مع فكر الله ومنطقه وكم يحتاج عالمنا اليوم إلى أنقياء قلوبٍ وأيادٍ، وإلى متواضعين ورُحماء وإلى صانعي سلام بالكلمة الّتي تبني، والمبادرة الّتي تخدم بروح الشّركة والشّراكة.

فالقدّيس مارون، كاهنٌ من إنطاكيا، من الإرث السّريانيّ العريق، التقى بيسوع المسيح فتبعه ووجد فيه المعنى الحقيقيّ لحياته الّتي كرّسها له بكلّيّتها فتزيّن بموهبة الصّلاة الّتي تثبّت العلاقة مع الرّبّ وتجدّدها، فتصبح مصدر شفاءٍ للإنسان وتحرّره من الخطيئة، وتشفيه من جراحات النّفس والجسد، وتزيده نضجًا وتواضعًا وإنسانيّة".

بعد القدّاس انتقل الجميع إلى قاعة الكنيسة حيث تبادلوا التّهنئة بالعيد.