سويف في الشّعانين: ليكن صراخ الهوشعنا صلاة عميقة ترتفع لأجل لبنان واللّبنانيّين جميعًا
وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى سويف عظة قال فيها: "نلتقي ككلّ سنة للاحتفال بأحد الشّعانين الّذي يقود إلى الفصح المجيد بعد عيش الأسبوع العظيم. الشّعانين هي الدّخول المباشر إلى الفصح الجديد، حيث يسوع المتجسّد في المغارة يتابع مسيرة التّواضع من بيت لحم ويدخل على الجحش ابن الأتان إلى أورشليم متوّجًا ببهاء الانحناء، ملكًا على مملكة ليست من هذا العالم، معلنًا لملكوت الله، ملكوت المحبّة والغفران، واحة الأخوّة الإنسانيّة، فضيلة الحرّيّة واحترام كرامة الإنسان. هوشعنا للملك الآتي.
بالهوشعنا استقبل الأطفال والنّاس ملك الملوك وسيّد السّادة الّذي أعاد السّلام الحقيقيّ للبشريّة الّتي فقدته، وهي تعيش في الظّلم نتيجة عمل الإنسان وفكره وما يقوم به جرّاء الجهل والخطيئة تجاه ذاته وأخيه في الإنسانيّة فأوصل به إلى الموت. إنّه السّلام الّذي نرجوه كلّ يوم في العديد من المجتمعات الّتي لا زالت تعاني النّزاعات والصّراعات، وهو المنشود على المستوى الاجتماعيّ والحياتيّ حيث الخسارات المادّيّة والبشريّة النّاتجة عن الحروب وحيث أبرياء وعائلات وأطفال يدفعون الثّمن الأكبر من خلال دمار بيوتهم وتهجيرهم. وهذا ما اختبرناه ولا زلنا في منطقتنا وفي أوكرانيا الّتي تعاني مأساة فظيعة. نسأل الرّبّ أن ينير العقول والقلوب فتتوقّف الحروب وتترمّم الذّاكرة البشريّة على قاعدة الغفران لأجل سلام عادل ودائم.
بالهوشعنا! يسوع يدخل الى أورشليم ليحقّق هذا السّلام بجسده وآلامه وتقدمة ذاته. فهو بجهوزيّة تامّة يتألّم بكيانه ويتمّم مشيئة الله الآب الّذي أراد أن يخلّص الإنسانيّة ويحرّرها ويعطيها الحياة، فكانت طريق الجلجلة ودرب الصّليب والألم السّبيل. فلا حياة جديدة في المسيح إلّا من خلال الألم الّذي نشركه بآلامه ونقدّمه ذبيحة، ونحمله في أجسادنا إذ نكمّل بآلامنا ما نقص من آلام يسوع (كولوسي 1: 24). فيتحوّل الألم حياة جديدة في يسوع المسيح، ويجعل منّا شهود القيامة وعلامات إيمان في قلب عالم يتوق الى لمسة شفاء ونفحة رجاء.
بالهوشعنا! ندخل اليوم مع يسوع إلى أورشليم، إلى الفصح الجديد ونعترف أنّ يسوع المسيح هو ابن الله الحيّ ومخلّص العالم. نعم يا ربّ، أنت وحدك قادر أن تنقذنا من هوّة الموت وتنشل وطننا الحبيب لبنان من المحنة الكبرى فتعيده إلى الحياة الجديدة. صلاتنا بهذه الشّعانين هي بألّا نفقد الرّجاء. هوشعنا هي إيماننا وصراخنا ونداؤنا إلى الله ونحو كلّ إنسان. هوشعنا المواطنة في لبنان يحتاج إلى نهج جديد وفكرٍ جديد مبنيّ على التّضامن بين النّاس واحترام حقوق الإنسان وصون كرامة المواطنين. هوشعنا العيش اللّائق والكريم.
هوشعنا الوعي لدى المواطنين والمواطنات وحسن التّمييز وأخذ العبر. هوشعنا الإنماء والعدالة. هوشعنا الأطفال المحرومين من التّربية والدّواء والاستشفاء. هوشعنا لأحلام الشّباب المقهور الّذي له الحقّ أن يبقى في الوطن ويكون نبضه الحيّ. في الشّعانين، نتضرّع مع الأطفال والشّباب والعائلات وكلّ شرائح مجتمعنا حاملين سعف النّخل وأغصان الزّيتون، علامات السّلام، حتّى يملك الرّبّ على قلوبنا ووطننا فيبقى واحة لقاء الحضارات والثّقافات والأديان.
فليكن صراخ الهوشعنا، صلاة عميقة ترتفع لأجل لبنان واللّبنانيّين جميعًا حتّى نعبر في هذا الفصح نحو الحالة الجديدة والمنطق الجديد والفكر الجديد والأداء المتجدّد الّذي يحرّر الوطن من كلّ أنواع العبوديّة فينعم بالحرّيّة والسّلام. آمين".
هذا واحتفل المطران سويف مساءً برتبة الوصول إلى الميناء في رعيّة مار سركيس وباخوس في حرف مزيارة، أشار خلالها إلى أنّ: "السّهر مع المسيح يحوّل ليلنا إلى نهار، وظلمتنا إلى نور، وخطيئتنا إلى نعمة. لأنّ المسيح ابن الله الحيّ هو محوّل التّاريخ والزّمن وهو محوّل البشريّة باسرها إلى بشريّة الخير والحسن والجمال، إلى الأخوّة الإنسانيّة؛ إلى فضيلة اللّقاء والحبّ.
يدوم السّهر مع المسيح بالصّلاة، الصّلاة تقيمنا من وهدة الخطيئة، ففي الصّلاة قيامة، وفي الصّلاة توبة وتجدّد، وفي الصّلاة لقاء فرح بالعريس يسوع. في الصّلاة لقاء الحبّ مع إله الكون ومع الإخوة في الإنسانيّة".
وأنهى قائلاً: "وصلنا إلى الميناء، بعد سفر الصّوم الأربعينيّ وندخل إلى الأسبوع العظيم. فما أجمل السّهر والصّلاة مع المسيح فنكون واحدًا كما أنّ يسوع والآب واحد."