لبنان
12 نيسان 2023, 06:30

سويف: حان لوطننا الحبيب لبنان أن يختبر بعمقٍ فرح الغفران

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه رئيس أساقفة أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران يوسف سويف رسالة العيد في قدّاس القيامة ترأّسه في في كاتدرائيّة الملاك ميخائيل- طرابلس، وعنوانها "فرح القيامة! شهادة الرّجاء!"، وقال:

"من فصحٍ إلى فصحٍ، ومن عيد إلى عيد، ومن قيامة إلى قيامة، أين نحن في الكنيسة المدعوّة لعيش الفرح والانفتاح وشهادة الرّجاء. الفصح هو الحدث المؤسّس لكون جديدٍ وبشريّة متجدّدة دخلت في الحياة الأبديّة.  

القيامة، حدثٌ تاريخيّ يكتمل عندما نقبله في تاريخنا الشّخصيّ والجماعيّ الكنسيّ، وفي تاريخ المجتمع الإنسانيّ الّذي طالته هذه القيامة كيانيًّا ودعاه الله إلى أن ينعم بثمارها وهي الحياة والسّلام. فالقيامة هي الانتصار على الموت بشكلٍ دائم يجمع بين قوّة الله المنتصرة وإرادة الإنسان الّذي يقول نعم للرّبّ ونعم للحياة. القيامة هي حدثٌ يتحقّق بشخص يسوع المسيح، إبن الإنسان وابن الله، كلمته المتجسّد، الّذي يتضامن مع إنسانيّتنا ويبعث فيها الحياة ويجدّدها بالرّجاء. فالإيمان بالقيامة هو العبور من الحدث إلى الشّخص في ديناميّة اللّقاء الشّخصيّ بيسوع الحيّ، يقيم معنا ويحضر في وسطنا ويكسر الخبز معنا ذكرًا لموته وقيامته، أيّ اشتراكًا فعليًّا جماعيًّا وشخصيًّا في الفصح المجيد حول المائدة المقدّسة الّتي توهَب لنا لمغفرة الخطايا والحياة الأبديّة.  

مع المسيح القائم وُلِدت الكنيسة، كنيسة الفرح، كنيسة الانفتاح وكنيسة الرّجاء.

الكنيسةٌ وهي شعبٌ قياميّ، مدعوٌّة في صُلب رسالتها لعيش فرح الإنجيل، البُشرى السّارّة لجميع النّاس. فرحٌ تسبّبه حالة الإنسان الّذي لا يموت أيّ الّذي يحيا دومًا في المسيح الّذي خلّصه. يقودنا الفرح المسيحانيّ الّذي نعيشه الى لقاء النّاس بحبّ واندفاع وبروح انفتاحٍ على الجميع. من هنا نطرح السّؤال، في هذا اليوم الّذي صنعه الرّبّ، حيث دعانا كي نفرح فيه (مز 118: 24)، هل نحن قياميّون فرحون؟ أم أنّنا نقضي العمر في اليأس والإحباط والبكاء على ذواتنا وعلى بيئتنا؟ إبن القيامة هو مَن يفرح بالرّبّ وينشر الفرح الّذي يخرج من قلبه ويظهر على محيّاه وينشره في محيطه. أين نحن من إعلان بشرى القيامة أيّ من مشروع البشارة الّتي انطلقت مع مريم المجدليّة والتّلاميذ والتّلميذات ومع والرّسل جماعة العنصرة الأولى وفي وسطهم العذراء مريم ومع الجماعات المسيحيّة الّتي انطلقت من هذا الشّرق إلى العالم؟ أما زالت البشارة تعنينا؟ وهل نحن مدركون أنّها الثّمرة الأولى للقيامة والنّداء الأساسيّ لكلّ مُعَمّدٍ ومُعَمَّدة أن "إذهبوا وبشّروا كلّ الأمَم" (متّى 28: 19).

الكنيسة- شعبٌ قياميّ هي بطبيعتها منفتحة على جميع النّاس! فما أجمل أن تنفتح الكنيسة على الآخرين وننفتح على بعضنا البعض، من دون أن يذوب الواحد في الآخر، بل أن يلاقي الواحد الآخر. ما أجمل أن يتمّ هذا اللّقاء المحبّ والمجّانيّ والحرّ ويبدأ الحوار حول مسائل الحياة اليوميّة الّتي تهمّ النّاس ويُعنى بها المواطن بشكل مباشر. إنّها القضايا الاجتماعيّة المبنيّة على العدالة والمساواة وعلى صون كرامة الإنسان، وعلى أولويّة الخير العامّ على المصالح الضّيّقة والشّخصيّة والفرديّة والفئويّة. كنيسة تنفتح على كافّة الثّقافات والأديان والشّعوب دون تمييز ولا انغلاق، تغتني من التّعدّديّة الثّقافيّة والدّينيّة الّتي تجعل من الجميع واحدًا في الإخوّة الإنسانيّة. كنيسة الانفتاح تجعلنا نحسن التّمييز ونقرأ بعمقٍ علامات الأزمنة ونختار ما رسمه يسوع لنا في الإنجيل ونهجه أمامنا في الموقف والكلمة والمبادرة. فلا نُجَرَّبنّ بتجربة الفئويّة والانعزال المعاكسة لبشرى القيامة.

الكنيسة- شعبٌ قياميّ يشهد للرّجاء! فمشروع القيامة تترجم بإعلان الشّهادة للرّجاء: أنت هو المسيح ابن الله الحيّ (متّى 16: 16). هذه الشّهادة هي نطقٌ وإعلان للكلمة الّتي تخرج من فمنا، وهي إيمانٌ يعكس ما في قلبنا وهي محبّة نحو الله والإنسان، وهي رحمة وخدمة ومبادرة واهتمام بالإنسان الّذي نلتقيه يوميًّا في طريق الحياة، ومعه نسير في البشارة والشّهادة، في سينودسيّة تعبّر عن عيش المعيّة للوصول إلى القداسة. أمام عمق البشارة والشّهادة، علينا أن نعيد النّظر في العيد وفي كيفيّة أن نحتفل بعيد الأعياد. هل نعيّد بالفرح والحبّ والغفران؟ أم باليأس والبغض وإغلاق القلب أمام أخينا الإنسان الّذي ينتظر المصافحة والمصالحة؟ حان لوطننا الحبيب لبنان أن يختبر بعمقٍ فرح الغفران في مسيرة تنقية الذّاكرة من جراح الحروب والانقسامات، كي يولَد لبنانٌ جديد ثابت في الإيمان بالله، وإذا لم يحصل هذا المسار، فنحن معرّضون دومًا وبسرعة لتجارب الانقسامات والحروب العبثيّة.  

في هذا العيد، ومع العذراء مريم، ككنيسة قياميّة، فرحة منفتحة وملؤها الرّجاء، نصلّي لأجل عالمٍ متجدّد ينبذ الحرب وينشر السّلام فينعم بأفراح القيامة. آمين".