دينيّة
30 تشرين الأول 2024, 13:20

سلام الله

تيلي لوميار/ نورسات
بقلم الأب أنطونيوس مقار إبراهيم راعي الأقباط الكاثوليك في لبنان

 

نردّد في صلواتنا اليوميّة الليتورجيّة منها والشخصيّة قول "البركة والسلام لجميعكم" وهذا يعني أنّنا نؤمن بأنّ كلّ صلاة مستجابة مصحوبة بطلب البركة والسلام.

السلام الحقيقيّ ينبع من سلام المسيح لخلق بشريّة جديدة. بعد أن كانت عتيقة ينتابها الخوف والخزي وصولًا إلى الموت والفناء، تصل إلى مرتبة بشريّة تتجسّد في جوق لا ينتهي من القدّيسين الذين تملؤهم البركة، السالكلين دومًا في درب الحياة الجديدة المتميّزة بالقوّة والشجاعة وعدم الخوف، لذا لنتذكّر، دائمًا، أنّ سلام الربّ يسوع المسيح يختلف تمامًا عن أي سلام بشريّ "السَّلامَ أَستَودِعُكُم وسَلامي أُعْطيكم. لا كما يُعْطيه العالَم" (يوحنذا 14: 27-28).  

حقَّا إنّه سلام المصالحة مع الله بالفداء، الذي حقّقه السيّد المسيح على الصليب، وعبّر عنه بعد القيامة، بظهوره لتلاميذه وهم مجتمعين في العليَّة ليبعث فيهم الطمأنينة والهدوء والسكينة. سلامه هذا يبعث فينا الراحة فلا يجوز لنا، تحت أي ظرف من ظروف الحياة، أن ندع قلبنا يضطرب "لا تخافوا ولا يضطرب قلبكم". نثق أنّ يسوع ملأ حياتنا بسلامه، وهو يطلب منّا أن نعيش اليوم وكلّ يوم بجرأة وثقة في أنّه حاضر فينا ونحن نحيا بروحه، ونفرح برؤيته "قد كلَّمتُكُمْ بهذا ليكونَ لكُمْ فيَّ سلامٌ. في العالَمِ سيكونُ لكُمْ ضيقٌ، ولكن ثِقوا: أنا قد غَلَبتُ العالَمَ" (يوحنّا 16: 33).

إذًا، السلام مع الله الذي نناله منه بالثقة والاتّكال عليه، ليس سلامًا وقتيًّا وعابرًا، إنمَّا هو سلامٌ أبديّ دائم.هذا ما أخبرنا عنه الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية: "فإذْ قد تبَرَّرنا بالإيمانِ لنا سلامٌ مع اللهِ برَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ" (رومية 5: 1). ونردّد في القدّاس الإلهيّ "وصرت لنا وسيطًا لدى الآب والحاجز المتوسّط نقضْته والعداوة القديمة هدمْتها وأصلحت الأرضيّين مع السمائيّين وجعلْت الإثنين واحدًا وأكملْت التدبير بالجسد وعند صعودك إلى السموات جسديًّا، قلت لتلاميذك ورسلك القدّيسين "سلامي أعطيكم سلامي أنا أترك لكم". هذا أيضًا الآن أنعم به علينا يا سيّدنا، وطهّرنا من كلّ دنس ومن كلّ غشّ ومن كلّ رياء...ومن تذكار الشرّ المُلبِس الموت.

لذلك، لم تعد هناك عداوة بيننا وبين الله، "لأنَّهُ هو سلامُنا، الّذي جَعَلَ الِاثنَينِ واحِدًا، ونَقَضَ حائطَ السّياجِ المُتَوَسِّطَ، أيِ العَداوَةَ. مُبطِلًا بجَسَدِهِ ناموسَ الوَصايا في فرائضَ…" (أفسس 2: 14-15).

لنسأل ذواتنا كيف يعطي العالم السلام؟ في الحروب والنزاعات والتي هي من الطبيعيّ أن تنتهي بهزيمة طرف من الأطراف أو بإقامة اتّفاق سلام على أمر معيّن وتاريخنا هو سلسلة لا متناهية من معاهدات السلام التي نقضتها حروب متتالية، فلا سلام حقيقيّ من دون الله الذي بتجسّده جعلنا واحدًا "يجَعَلَ مِنَ الجَماعتَينِ جَماعةً واحِدة"(أفسس ٢، ١٤)، ويزيل العداوة ويقيم المصالحة.  

الدرب للقيام بعمل السلام هذا هو جسده. في الواقع، هو يصالح الأمور جميعها ويُحِلّ السلام بدم صليبه، فـ"طوبى لصانعي السلام فإنّهم أبناء الله يُدعَون". آمين.