العراق
09 آب 2022, 11:15

ساكو: ينبغي التّمييز بين حرّيّة الدّيانة وحرّيّة الضّمير

تيلي لوميار/ نورسات
دعا بطريرك الكلدان الكاردينال لويس روفائيل ساكو إلى التّمييز بين هاتين الحرّيّتين، بخاصّة لما تحملانه من اختلاف في مقاربتهما، وفي هذا السّياق كتب نقلاً عن موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"معظم دول العالم ومن ضمنها لبنان، تحترم الحرّيّة الدّينيّة والمعتقد وحرّيّة الضّمير لأنّها مقدّسة. أمّا في بلدان الشّرق الأوسط فهي تعتمد فقط على حرّيّة الدّين. في الدّستور العراقيّ المادّة 2 الفقرة 24 تنصّ صراحة على أنّ لكلّ فرد حرّيّة الفكر والضّمير والعقيدة، لكن هذا فقط على الورق.

ينبغي التّمييز بين حرّيّة الدّيانة وحرّيّة الضّمير. إنّهما موضوعان مختلفان.

الحرّيّة الدّينيّة، تعني ممارسة الشّعائر الدّينيّة داخل المعابد، أمّا خارجها ثمّة قيود في موضوع التّبشير مثلاً وعدم إدراج التّاريخ المسيحيّ والدّيانات الاُخرى في مناهج المدارس العامّة الّتي تقتصر على ذكر الدّيانة الإسلاميّة وأحيانًا تتضمّن بعض الكتب فقرات مسيئة للدّيانات الاُخرى.

حرّيّة الضّمير أو الوجدان، تعني حرّيّة الفرد في اعتناق الدّين أو المعتقد الّذي يشاء، عن طريق المعرفة والقناعة وليس عن طريق الوراثة التّقليديّة لكي يكون ملتزمًا واعيًا وفاعلاً نشِطًا. وحرّيّة الضّمير تؤمّن حقّ تغيير الدّين. وجاء في شرعة حقوق الإنسان المادّة 18 و6، أنّ لكلذ شخص الحقّ في أن يؤمن بما يشاء، ويرفض ما لا يقتنع به.

للممارسة الدّينيّة قيمة عندما تنبع عن الحرّيّة الكاملة، والقناعة الثّابتة، وليس عن إكراه. في ذلك يقول القرآن “إنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين" (سورة القصص؛ آية 56). الدّين يُعرَض ولا يُفرَض. الإكراه هو اعتبار الفرد قاصرًا، لذا يُفرض عليه دينه بالوراثة، ولا يجرؤ على الخروج منه. إنّ الإكراه ينسف كلّ مبادئ الحرّيّة والكرامة.  

الدّين إيمان وقناعة يختاره الفرد عن وعي ويرتاح له، ويلتزم به بحماسة. ويتقاطع مبدأ الحرّيّة مع كلّ أشكال الإكراه.

الحرّيّة الفرديّة مُصانة في المسيحيّة. إنّها علاقة روحيّة وشأن بين الفرد وربِّه. يولد الإنسان حرًّا وقيمته في اختيار قراره بوعي ومعرفة والالتزام به. لا توجد في المسيحيّة ردّة، أيّ إجبار شخص غيَّر دينه بالعودة إليه أو بالقتل...

في مؤتمر عن الحرّيّة الدّينيّة عقد في الفترة الأخيرة، شارك به وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن، إلى جانب سفير الحرّيّة الدّينيّة الدّوليّة رشاد حسين، تمّ التّأكيد على أنّ: "احترام الحرّيّة الدّينيّة ليس فقط من أعمق القيم، وحقًّا إنسانيًّا عالميًّا، إنّما أيضًا أولويّة حيويّة…، وبالتّالي يجب علينا أن نفعل المزيد لمكافحة أشكال الكراهيّة المتزايدة".

الوضع في بلدان الشّرق الأوسط يحتاج إلى الانفتاح والخروج من الموروث الدّينيّ التّقليديّ (غير العقائديّ) وسَنّ تشريعات جديدة وإصلاح القوانين القديمة الّتي تتعارض مع الواقع المعاش. هناك محاولات في تونس وغيرها في هذا الصّدد.

في لقاء خاصّ قبل عدّة أسابيع أجرته قناة الشّرقيّة معي، أشرت إلى الحرّيّة الدّينيّة حيث أجبر تنظيم القاعدة  بعض المسيحيّين على اعتناق الإسلام، من دون تعليم ولا قناعة. وحاولتُ أن أعالج الموضوع مع السّلطات الحكوميّة فلم افلح. قلتُ في اللّقاء المسجَّل: لماذا يمكن للمسيحيّ أن يُغيّر دينه ويُحرم غيره من التّحوّل إلى دين آخر. وتطرّقتُ أيضًا إلى موضوع الرّدّة في الموروث الإسلاميّ.. قلتُ إنّ المسيحيّة تحترم حرّيّة الضّمير، وكرّرتُ: من يريد أن يصير مسلمًا فهو حرّ، لكن بالمقابل يجب منح الحقّ أيضًا لغير المسيحيّ في إختيار دينه.

إقتطع الحوار وشوِّهَ، بحيث اعتمدت إحدى النّائبات "المسيحيّات!" قبل أيّام على قناة الشّرقيّة هذه العبارة المُقتطعة من سياق الحديث بطريقة غير نزيهة لانتقادي، وكأنّها أكثر حرصًا على المسيحيّة منّي. ليسامحها الله ويمنحها الشّجاعة الكافية لكي تراجع ضميرها وتعود إلى أخلاقها المسيحيّة. فللحرّيّة قيمة لمن يلتزم بالحقيقة."