العراق
27 تشرين الأول 2022, 12:30

ساكو: نؤمن بكنيسة واحدة، مقدّسة، جامعة، رسوليّة

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة بدء زمن تقديس الكنيسة في اللّيتورجيا الكلدانيّة، كتب بطريرك الكلدان مار لويس روفائيل ساكو مقالاً تحدّث فيه عن هذا الزّمن، وجاء فيه بحسب إعلام البطريركيّة:

"أكتب هذا المقال  بمناسبة بدء زمن تقديس الكنيسة (الأحد30 تشرين الأوّل)، بحسب اللّيتورجيا الكلدانيّة، لمساعدة المؤمنين على معرفة أعمق لمفهوم الكنيسة، وتحمّل مسؤوليّاتهم في مسيرتها نحو السّينوداليّة الّتي دعا إليها البابا فرنسيس، لعيش فرح الإنجيل والشّهادة له. السّينودس والسّينوداليّة بعد جوهريّ في طبيعة الكنيسة، لذلك كلُّ شعب الله مدعوّ للانضمام إلى هذه المسيرة  التّجديديّة الدّاخليّة.

الكنيسة ليست البناية، إنّما هي جماعة المؤمنين الملتَّفة حول المسيح، والمُصَمِّمَة على اتّباعه. البناية ترمز إلى حضور المسيحيّين للاحتفال بإيمانهم، وصلاتهم، والتّعبير عن وحدة البيت.

لفظة الكنيسة تأتي من كنوشتا ܟܢܘܫܬܐ أيّ التّجمّع (المجمع)، ومنها اللّفظة الأجنبيّة  Ecclesia. أمّا تسميتها ܥܕܬܐ بالسّريانيّة– الكلدانيّة تعني الاحتفال بالصّلاة وتَعْيِّد من نحتفل به، وكلمة البيعة العربيّة تأتي من السّريانيّة ܒܥܬܐ– البيضة لأنّ منظر قبّة الكنيسة بيضويّ!

المسيح مؤسّس الكنيسة

المسيح نفسُه أسّس الكنيسة- الجماعة لديمومة رسالته، من خلال التّعليم والتّواصل والانفتاح والتّفاعل والمواظبة والشّهادة بحسب كلِّ زمانٍ ومكان. الكنيسة تعتمد التّنوّع المرتبط بعطايا الله المتعدّدة. وتسير(لا تتوقّف) من خلال حمل الإيمان بالمسيح، والتّبشير، ومنح المعموديّة باسم يسوع ومغفرة الخطايا (أعمال2/41)، والاحتفال بالأسرار. ولدت الكنيسة حسب الطّقس الكلدانيّ في المعموديّة (حوذرا 3 ص 408 و409).

نجد في الإنجيل وأعمال الرّسل إشارات إلى رغبة يسوع  في تأسيس الكنيسة من خلال الأمثال واختيارات وتسميات.

في مثل حبّة الخردل يُشير يسوع إلى الكنيسة "ملكوت الله" ( مرقس 4/31). حبّة صغيرة،  لكنّها قادرة على النّموّ السّريع والانتشار. شعب جديد يتكوّن ويكبر وينتشر. كذلك في مثل الخميرة الّتي  تخمّر العجينة كلّها أيّ البشريّة (متّى 13/33-35)، ومثل الملح الّذي يعطي الطّعم (متّى 5/13-14)، ومثل العرس (متّى 22/1-9)، أتون من المشرق والمغرب إشارة إلى أنّ الكنيسة فضاء مفتوح على كلّ من يقبل رسالة المحبّة والرّجاء.

إختيار 12 رسولاً على أساس 12 سِبطًا كانوا يُشكِّلون الشّعب المختار، إشارة إلى ولادة  شعب جديد، يحمل رسالة جديدة، مفادها أنّ الله أبٌ محبٌّ ورحومٌ، والبشر أولاده، عليهم أن يعيشوا كإخوة وأخوات في غاية الفرح والسّعادة. كذلك اختيار السّبعين (عند لوقا 10/3 هم 72) تلميذًا، مثل سبعين Septante شيخًا في إسرائيل، للتّبشير إلى جانب الرّسل. التّعليم- التّبشير جزء أساسيّ للكنيسة وينبغي أن تعطى له الأولويّة، إلى جانب الرّعايا الصّحّيّة والاجتماعيّة، أيّ خدمة المحبّة.

أتمنّى أن تستعيد الكنائس الشّرقيّة حماسها في التّبشير مثلما فعلت كنيسة المشرق في القرون الوسطى حيث وصل تبشيرها بالإنجيل إلى الصّين!

الكنيسة ولدت بفعل الرّوح القدس كما ولد يسوع بقدرة الرّوح القدس. والألسنة النّاريّة في العنصرة يوم حلول الرّوح القدس، إشارة إلى عطيّة الحقيقة والصّدقيّة والقوّة للرّسل لينطلقوا إلى التّبشير، لذا نشاهد بطرس يقف  من دون خوف، ويُعلن بصوت مرتفع (أعمال 2/14).

حلول الرّوح القدس يمنح نعمة الوحدة، ويدعم التّنوّع (شعوب وعادات وطقوس ولغات وثقافات مختلفة). نسيم الرّوح القدس يجمعهم ويوحّدهم في لغة واحدة، هي لغة الإيمان والمحبّة والتّفاهم، "وكانوا قلبًا واحدًا" (أعمال 4/32).  الرّوح القدس لايزال حاضرًا في الكنيسة، وعاملاً فيها، لذا إنّها لا تخاف، فأبواب الجحيم لن تقوى عليها (متّى 16/18).

في تراتيل زمن تقديس الكنيسة، توصف الكنيسة بعروس المسيح": "أيّها الرّبّ ها هي ذي كنيستك الّتي خلّصتها بموتك على الصّليب، ورعيّتك الّتي افتديتها بدمك الثّمين، تقرّب لك أيّها الكاهن الأعظم آيات الشّكر بإيمان..، كعروس منتبهة…" (حوذرا 3 ص 394)، و"الكنيسة عروس المسيح خلّصها من الضّلال بدمه، ووعدها بالقيامة والحياة والسّعادة الّتي لا تزول. فأعدّي نفسك له بنقاوة، وردّي له الجميل بالشّكر والإيمان الحقيقيّ" (حوذرا 3 ص 391).  

الكنيسة في أعمال الرّسل تنمو كلّ يوم، وتتطوّر كجماعة جديدة وقوّة جديدة بالبقاء معًا ( لشّركة والمشاركة) وعيش الإيمان والمحبّة (أعمال 4/ 32). لهذا الهدف اختار الرّسل الشّمامسة السّبعة للخدمة.

دور بطرس

إختار يسوع بطرس رأسًا وراعيًا للكنيسة (يوحنّا 21/15). والكنيسة يقودها مجمع الرّسل برئاسة بطرس الّذي سمّاه الصّخرة لإيمانه العظيم الّذي عبّر عنه بقوله: "أنت المسيح ابن الله الحيّ" (متّى 16/16). فهم بطرس دوره منذ البداية كما يروي سفر أعمال الرّسل لذا ترأّس أوّل مجمع للرّسل (15/7). في ترتيلة كلدانيّة para-liturgical  ܐܡܪ ܠܝ ܥܕܬܐ ܐܝܟܐ.. يسأل يسوع الكنيسة: أين أبنيك، أعلى الشّمس، القمر، الكواكب، الجبل، فجاء ردّها  قاطعًا: على بطرس، نعم على بطرس..

 

صفات الكنيسة  

1. واحدة

أسّس المسيح كنيسة واحدة، وليس عدّة كنائس. وعلى الكنيسة أن تعكس وحدتها المنظورة من خلال قانون إيمانها، وقبولها للكتاب المقدّس، وصلاتها واحتفالها بالإفخارستيّا والكهنوت وبقيّة الأسرار… تقول ترتيلة كلدانيّة في الأحد الأوّل من زمن تقديس الكنيسة:

"كنزُ سماويُّ تحمله كنيستك، أيّها المسيح المخلّص فيها الأسرارُ sacraments ورموزٌ والكتاب المقدّس، والصّليب، وأيقونة بشريّتك البهيّة.." (حوذرا 3 ص 391).

الوحدة لا تعني النّمط الواحد، لكن قبول تنوّع الشّعوب والبلدان والثّقافات واللّيتورجيا.. الوحدة تعني ما هو واحد وفريدُ وأصيل، أيّ ما يشكّل كلّاً كاملاً في نوعه. والتّنوّع لا يتقاطع مع الوحدة كما يذكر بولس 1 قورنثية 1/11-13. هذا الاشتياق إلى استعادة  الوحدة تعمل من أجلها اليوم الحركة المسكونيّة بين الكنائس. سنبقى منقسمين إذا استمرّينا نبحث عن أشيائنا الخاصّة… وسيبقى الشّقاق قائمًا كلّما ابتعد المسيحيّون عن المسيح وعن بعضهم (رومية 16/ 17-27).

2. مقدّسة

الكنيسة مقدّسة لأنّ مؤسّسها قدّوس. المؤسّسة مقدّسة وليس الأشخاص (المؤمنون)، لكن هذه القدسيّة مرتبطة أيضًا بقداسة المؤمنين. أحبّها المسيح كعروسه وأعطاها ذاته. إنّها مقدّسة عبر النّعم الّتي يمنحها إيّاها. يسوع والكنيسة لا ينفصلان. في هذه الآحاد الأربعة لزمن تقديس الكنيسة  تُشير معظم التّراتيل والصّلوات إلى العلاقة الحميميّة بين المسيح والكنيسة. هذه العلاقة توصف بالعرس الرّوحيّ. وتعدّد التّراتيل مراسيم الخطوبة والزّفاف: الحلّة والتّاج والزّينة والخدر والمهر والوليمة. هذه الرّمزيّة  تعبّر عنها ترتيلة  ܐܘܕܝ ܐܘܥܕܬܐܡܠܟܬܐ.. "أيّتها الكنيسة الملكة، اشكري ابن الملك الّذي خطبك، وأدخلك إلى خدره، ومنحك الصّداق- المهر من الدّم الّذي جرى من جنبه، ووشحك حلّة النّور الجميلة..، وتوّجك بإكليل من الأمجاد،  وعطّرك ببخور الطّيب، وعظّم جلالك بالورود وشقائق النّعمان.. فاسجدي له وهلّلي له المجد" (حوذرا 3 ص 430). وترتيلة ܚܠܘܠܐܪܒܐܥܒܕܠܗ "عرسًا عظيمًا أعدَّ ابن الله لكنيسته الّتي خطبها.. ودعا الأنبياء والرّسل والملافنة والرّعاة إلى يوم الوليمة" (حوذرا 3  ص  432). نجد هذه المفردات نفسها مستخدمة في عيد  انتقال العذراء مريم إلى مجد السّماء.. والكنيسة مدعوّة إلى أن تنتقل هي أيضًا في نهاية هذه الآحاد إلى حالة المجد..

3. جامعة

الكنيسة منذ تأسيسها جامعة وليست فئويّة ولا طائفيّة، حتّى الكنيسة المحلّيّة هي جامعة. للكنيسة نظرة شموليّة في توجّهها ونشاطاتها، قال يسوع: "اذهبوا إلى العالم أجمع و اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلّها" (مرقس 16/15). التّبشير هو أحد العناصر الأساسيّة للكنيسة منذ نشأتها، فهي منفتحة على جميع الشّعوب واللّغات والثّقافات.

من المؤسف أنّ كنائسنا الشّرقيّة فقدت بُعْدَ التّبشير بسبب القيود الّتي فرضتها الدّولة الإسلاميّة على التّبشير، والّتي لا تزال قائمة ممّا تشكّل تمييزًا. ينبغي احترام حرّيّة الضّمير لكلّ شخص في اختيار دينه ومذهبه كما جاء في شرعة حقوق الإنسان، فالعالم تغيّر وهذا الموروث التّقليديّ ينبغي أن يُلغى كما ألغي في الدّيانات الأخرى.

4. رسوليّة

رسوليّة، لأنّها قامت على الرّسل الّذين اختارهم يسوع، ونَشّأهم، ودرّبهم، وعلّمهم، وأعطاهم السّلطان.. وبعد موتهم، استمرّ التّواتر الرّسوليّ من خلال الأساقفة خلفائهم، وأيضًا من خلال خليفة بطرس، ومعاونيهم  من الكهنة والشّمامسة والمكرّسين والمكرّسات. لكلّ المؤمنين والمؤمنات فيها  كامل العضويّة. عليهم تعزيز علاقة وثيقة مع الكنيسة من خلال قيام كلّ واحد بدوره فيها، وأن يحبّوها مثلما أحبّها المسيح، ويخدموها ويبذلوا جهودهم لتقدّمها.

معنى زمن تقديس الكنيسة

نظّمت السّنة الطّقسيّة الكلدانيّة على محور "تدبير الخلاص ܡܕܒܪܢܘܬܐoikonomia " حتّى يَنْصَبُّ اهتمام المؤمنين على مدار السّنة، للتّأمُّل في محطّات حياة المسيح، يأخذون منه ويُضيفونَه إلى ما هم عليه، كي يتحوّلوا تدريجيًّا إليه فيكونوا صورة له.

زمن تقديس الكنيسة: زمن دخول الكنيسة إلى مجد ملكوت المسيح. قوامه أربعة آحاد. التّقديس عنوان هذا الزّمن وختام السّنة الطّقسيّة. والتّدبير سياق تصوّفيّ وبرنامج تنشئة على المواضيع الأساسيّة لإيمان الكنيسة، ووعيها بسرّ دعوتها. وتوجّه صلاتها ومسيرتها،  يهدف إلى شدّ المؤمنين إلى المسيح، وتقديسهم من خلال تصويب نظرهم  إليه لأنّه "أرض ميعادهم".