ساكو متأمّلاً في عيد الصّعود: نحن بنات وأبناء الله
"نولدُ بكلِّ تأكيدٍ من والدَينا، لكن نولدُ ايضًا من الله: "لأنّك أنت اقتنيتَ كُلِّيتي، ونسجتني في بطن أمّي" (مزمور 139/13)، وبالتّالي نحن أخوة وأخوات، علينا أن نؤنسن أنفسنا لنعيش بسلام. لقد صبَّت خطابات البابا فرنسيس خلال زيارته للعراق (5- 8 آذار 2021) على تعزيز قيم الأُخوّة واحترام التّنوّع.
بالإيمان واقتبال سرِّ المعموديّة ننال الرّوح القدس، ونَعْبر بالتّالي إلى مستوى آخر من الولادة، إلى الولادة الرّوحيّة لنصبح بنات وأبناء الله: "هذا الرّوح نفسُه يشهد بأنّنا أبناء الله" (رومية8/17). نصبح أبناء الله في ابنه يسوع، مركز حياتنا المسيحيّة، لكي نجسّد ذلك في أعمالنا وسلوكنا.
هذا العبور مرتبطٌ بالنّموّ الرّوحيّ عبر علاقة وجدانيّة مدهشة مع الله، مِمَّا يُساعدنا على أنسنة ذاتنا لكي نعيش متناغمين مع أنفسنا، لأنّ من دونها نبقى منقسمين في داخلنا وفي كنائسنا. هذا النّموّ الرّوحيّ هو سبب سلام وسعادة لا حدّ لهما. بهذه الرّوحيّة نرى الأشياءَ بشكل آخر، ونصلّي بشكل مختلف، ونكتشف المعنى العميق لدى قراءتنا للكتاب المقدّس.
هذه البنوّة الرّوحيّة تتطلّب الثّقة والحبّ والفرح وليس شيئًا آخر. فيها يقود روح الله حياتنا بشكل صحيح، ويساعدنا على التّقدّم بهدوء وارتياح عبر التّخلّي عن الذّات. وإعطائها له وحده ليملأها. عندها نختبر حضور الله فينا بطريقة رائعة، نُزهر بالنّعمة الّتي يُفيضها علينا. إلهنا يغدو إلهًا شخصيًّا. معه لن نشعر بالفراغ والضّجر.
هذه البنوّة ليست شكليّة عن طريق تطبيق مجموعة أخلاقيّات من باب الواجب على مثال الابن الكبير الضّالّ في إنجيل لوقا (فصل 15) الّذي افتقر إلى القلب والرّوح! ولا عن طريق ممارسة بعض أفعال زهد وإماتات متقطّعة. هذه البنوّة الرّوحيّة تخضر وتنمو عن طريق الارتباط الوجوديّ بالله، والوفاء له عبر عيش السّرِّ الفصحيّ، أيّ التّخلّي "الزّهد" في كامل الحياة.
في حال سقوطنا في الخطيئة، وهذا يحصل بسبب ضعفنا والضّغوطات الممارسة علينا، يُنهضنا الله ويَقبلنا من جديد. إنّه يُعيد إلينا بنوّتَنا كما يُفهم من قصة الابن الصّغير الضّالّ (لوقا 15) الّذي شعر بالحزن والكآبة بابتعاده عن أبيه. ولمّا قرَّر العودة، استقبله أبوه في الأحضان. لم يتركه يعتذر، بل منحه فرصة اقتناء قلب جديد وروح جديد وكلِّ شيء جديد لنقرأ بتمعّن رمز الحلّة والخاتم والأحذية والوليمة. الأب هنا يشير إلى الله أبينا الّذي يُحبّنا. محبّته تُغيّر فكرنا وقلبنا.
لا أحد كامل من يدّعي الكمال ناقص (يعاني من الانفصام!) هذا النّموّ الرّوحيّ يجعلنا نقبل ذاتنا بأوهامها وميولها وتناقضاتها وتمزّقاتها وجروحاتها وخطاياها- الّتي هي إهانة لنا وليس لله الّذي يعيننا على تخطّي الكثير منها، كما فعل الابن الضّالّ. فالله ينتظر أن يرانا نولد من جديد بنات وأبناء له.
صورة الأب الحنون وابنيه الضّالَّين (لوقا 15)
مشكلتنا على الأغلب هي في داخلنا، في قلبنا وعلاقتنا ومواقفنا. العلاج هو أن ننزل إلى كياننا الباطنيّ ونُصحّح المسيرة، مصلّين بإيقاع مع صلاة يسوع- صلاة الأبناء: "أبانا الّذي". الله يريد أن نكون أبناء له على أيقونة ابنه يسوع، أيّ أن نحقّق قدر الإمكان ما كان يسوع عليه، بتوجّهنا كلّيًّا إليه، متخلّين عن تخيّلاتنا والبحث عن مكافآت وتعويضات ومساعدات خصوصًا عندما تسوء أوضاعنا (صلاة مصلحة).
علينا أن نُغيِّر الذّهنيَّة لتكون حياتُنا بكلِّ تفاصيلِها صلاة مستدامة. قد نحتاج أحيانًا كثيرة إلى صلاة تأمّليّة صامتة، شبيهة بصلاة تسليم الذّات كما فعل شارل ده فوكو الّذي أعلنه البابا فرنسيس قدّيسًا يوم الإثنين 3 أيّار 2021."
وأنهى البطريرك ساكو تأمّله بصلاة تسليم الذّات، جاء فيها:
"أبتِ… إنّي أسلّم لك ذاتي، فأفعل بي ما تشاء،
ومهما فعلت بي فأنا شاكر لك.
إنّي مستعدّ لكلّ شيء، وأرتضي بكلّ شيء.
ليس لي رغبة أخرى يا إلهي،
سوى أن تكمُل إرادتُك فيّ وفي جميع خلائقك.
إنّي أستودع روحي بين يديك،
وأهبها لك يا إلهي، بكلّ ما في قلبي من الحبّ،
لأنّي أحبّك، ولأنّ الحبّ يتطلّب منّي أن أهب نفسي،
أن أودّعها بين يديك، من دون مقياس،
وبثقة لا حدّ لها،
لأنّك أبي."