ساكو: كلّ مسيحيّ مدعوّ إلى السّير بروح الرّجاء
وفي التّفاصيل، قال ساكو بحسب إعلام البطريركيّة: "الرّهبانيّات كحركات نبويّة، انسحب أعضاؤها من العالم لكي يتعلّموا أكثر عن المسيح، وأن يحاكوه بطريقة جذرية. حالة التّذمر والتّشكّي والخمول لا تنفع، لأنّ ليس فيها رجاء. المسيحيّ بالمعموديّة مدعوٌ إلى السّير بروح الرّجاء، من خلال المشاركة والشّراكة والوحدة. هذه المسيرة تحتاج إلى الوعي والتّواصل مع الكنيسة والتّكاثف بالرّجاء.
كلّ مسيحيّ مدعوٌ إلى السّير بروح الرّجاء، خصوصًا في هذه الظّروف الصّعبة حيث تباع المبادئ وتتحكّم المصالح في كلّ شيء، وأن ينفتح على بشرى الرّجاء مثل الرّعاة الّذين اتّبعوا إعلان الملائكة ليلة الميلاد وساروا لزيارة الطّفل يسوع: "المجد لله في العلى، وعلى الأرض السّلام، والرّجاء [الخير] للبشر" (لوقا2/14). الرّجاء موقف إيمانيٌّ روحيّ على مثال أبينا إبراهيم الّذي "آمن على خلافِ الرّجاء، وصار أبًا لأمم كثيرة" (رومية 4/18). نفس الرّسالة إلى رومية تقول كلامًا رائعًا عن الرّجاء: "نَفْتَخِرُ بِالرّجاءِ لِمَجْدِ الله، لا بل نَفتَخِرُ بِشَدائِدِنا نَفْسِها، لِعِلمِنا أَنَّ الشِّّدَّةَ تَلِدُ الثَّباتَ، والثَّباتَ يَلِدُ فَضيلةَ الاِختِبار، وفَضيلةَ الاِختِبارِ تَلِدُ الرَّجاء، والرَّجاءَ لا يُخَيِّبُ صاحِبَه،َ لأَنَّ مَحَبَّةَ اللّه أُفيضَت في قُلوبِنا بِالرُّوحَ القُدُسِ الَّذي وُهِبَ لَنا" (رومية 5/2-5).
الرّجاء يعني المستقبل
الكلام عن الرّجاء كلامٌ عن المستقبل، ففي قلبِ كلِّ إنسان توجد رغبة، أمل بالتّغيير نحو الأفضل، نحو الخير. بالسّريانيّة الرّجاء هو استبشار بالخير: ܣܒܪܐ ܣܘܒܪܐ ܣܒܪܬܐ: الّرجاء، الاستبشار والبشرى، إنّه نفس الجذر للكلمات الثّلاث.
الأمل بشريٌّ، يُمكنُ أن يُخَيِّب! أمّا الرّجاء فإلهيٌّ لا يُخَيِّب، لأنّه ينبع من الإيمان بالله وبمحبّته لنا، ويتحقّق حتّى عندما نخطئ لأن الله برحمته الواسعة يُطوِّل بإله علينا، نحن الّذين نعدّ أنفسنا بناته وأبناءه. رجاؤنا هو أن نفتح له قلوبنا ونتّجه صوب الخير وليس صوب الشّرّ. والرّسالة إلى أفسس تدعو الله: "أن ينير قلوبكم لتُدركوا ما هو الرّجاء" (1/18).
بالرّجاء يمكن أن يتحوّل كلُّ ألم إلى الخلاص. هذا ما تجسّده العديد من المزامير الّتي نرتّلها يوميًّا: "فإِنّك أَنت أَيُّها السّيّدُ رَجائي، وأَنت أَيُّها الرّّب مُنذ صِبايَ مُعتمَدي" (مزمور 71/5)؛ "إِلى اللّهِ وَحدَه اْطمَئِنِّي يا نَفْسي فإِنَّ مِنه رَجائي" (62/5)؛ "أَنتَ سِتْري وتُرْسي وكلِمَتُكَ رَجائي" (119/114). لنتمسّك بهذا الرّجاء ولنثق به. يقول إبراهيم النّثفري (القرن السّادس): "إنسَ نفسَكَ أمام الله، ففيه تجدُ الرّاحة. فالرّجاء يجعلُكَ أقوى" (ساكو آباؤنا السّريان ص 251).
الرّجاء ضّد كلّ رجاء
المؤمن "يرجو ضدّ كلّ رجاء" (رومية 4/ 18). فضيلة الرّجاء هي ضدّ كلّ الآمال الزّائفة الّتي تُغرينا وتشغلنا عن مواجهة الشّرّ، وتبعدنا عن العالم الحقيقيّ، حيث ينتظرنا الله. كيف يمكنه أن ينقذنا إذا تعلّقنا بهذه الآمال الفارغة والتّعزيات البشريّة؟ رفض هذه الآمال الزّائفة هو بالفعل عمل الرّجاء. الرّجاء نعمة متميّزة، تحثّنا على بذل الجهود لتذليل الصّعوبات الحاليّة الّتي نواجهها. يقول بولس الرّسول: "أستطيع كلّ شيء في المسيح الّذي يقوّيني" (فيليبّي 4/ 13).
المسيح رجاؤنا
لم يترك الله البشريّة يائسة. فهو يعمل من أجل أن يتحوّل كلّ عسر إلى يسر مهما طال أمده. أذكر هنا رجاء ابراهيم والآباء والأنبياء، وأخيرًا في ملء الزّمن اكتمل الرّجاء في المسيح مخلّصنا. إنّه يسير معنا إلى النّهاية "أكون معكم". لذا علينا أن نثق به ونتّكل عليه.
المسيح هو بشرى الرّجاء للبشريّة جمعاء: "فقَد سَمِعتُم بِهذا الرَّجاءِ في كَلِمَةِ الحَقّ، أَيّ في البِشارةِ الَّتي وَصَلَت إِلَيكم" (كولوسي 1/5-6). و"المسيح مُؤتَمَنٌ على بَيتِه لِكَونِه ابنًا، ونَحنُ بَيتُه (إخوته)، إِنِ احتَفَظْنا بِالثِّقَةِ وفَخْرِ الرَّجاء" (عبرانيّون 3/6).
الصّليب الفارغ عربون رجائنا
صليب المسيح الفارغ في كنائسنا الكلدانيّة، رمزٌ للصّليب الممجّد، لأنّ المصلوب عليه (المسيح) قام. وهو عربون رجائنا. القيامة كلمة رجاء لنا، وعلينا أن نكون شهودًا للقبر الفارغ. كلمة الرّجاء هي غلبة يسوع على الموت. فلتبق عيوننا شاخصة عليه، لنستمدّ منه الرّجاء: "فإِذا كُنَّا نَتعَبُ ونُجاهِد فلأَنَّنا جَعَلْنا رَجاءَنا في اللهِ الحَيّ مُخلِّصِ النَّاسِ أَجمَعين ولاسِيَّما المُؤمِنين" (1 طيمثاوس 4/10).
الرّجاء هو بوعد حضور الله معنا. انصتوا إلى وعده لإرميا النّبيّ: "فإِنِّي سأكون مَعَكَ لِأُنقِذَكَ" (إرميا 1/8). وقول يسوع "أنا معكم كلّ الأيّام" (متّى 28/ 20).
الرّجاء بانتصار الصّليب يتحقّق، شيئًا فشيئًا، وليس دفعة واحدة. لذلك علينا أن نتعامل مع الصّعوبات الّتي نواجهها برجاء، ونقرأوها كعلامات أزمنة. الله يريد أن نلتقيه في العالم الحقيقيّ وليس الخياليّ.
رجاء المسيحيّ والكنيسة هو رجاء الثّقة والفرح (رومية 12/12) حتّى في الألم، لأنّ المجد المنتظر عظيم (2 قونثية4/17). الرّجاء يعني عدم الخوف من رؤية الواقع كما هو بتناقضاته وصعوباته.
نظرتنا الإيمانيّة ينبغي أن تتّسم بالإيجابيّة، فإنّ الله في هذا الوقت المربك، يدعونا إلى إظهار إيماننا والمثابرة على محبّتنا والتّمسّك برجائنا بصبر كما يدعو مار بولس: "كونوا فرحين في الرّجاء" (رومية 12/ 12).
لنا مثال آخر لهذا الرّجاء في أمّنا مريم أمّ الرّجاء. إنّها واقفة تحت الصّليب وتنظر إلى ابنها المصلوب برجاء، وليست منهارة ويائسة، بل واثقة. لنتمثّل بها.
الرّجاء بالحياة الأبديّة
الحياة ليست أكلًا وشربًا وإنجابًا، إنّما للحياة على الأرض بعدٌ آخر. الرّجاء هو الإيمان بالحياة الأبديّة. والحياة الأبديّة مشاركة سعيدة في حياة الله. تقول الرّسالة إلى تيطس: "مِن بولُسَ عَبدِ اللهِ ورَسولِ المسيحِ يسوعِ لِيَهدِيَ الَّذينَ اختَارَهُمُ الله إِلى الإِيمانِ ومَعرِفَةِ الحَقِّ المُوافِقَةِ لِلتَّقْوى مِن أَجْلِ رَجاءِ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتي وَعَدَ اللهُ بِها مُنذُ الأَزَل" ( 1/1-2).
الحياة الأبديّة تبدأ منذ الآن وتستمرّ إلى الأبد، وليست بعد موتنا. بموتنا نبلغ "الملء" إذا عشنا إيماننا بأمانة وفرح. في ترنيمة صلاة الآحاد نرتّل: "على رجاء الحياة الأبديّة، لنقد قارب رجائنا بالحبّ والإيمان إلى ميناء الفرح" (الصّلاة الرّسميّة حوذرا 1 ص 36).
الرّجاء يجعلنا قادرين على القيام بالأفعال الأبديّة. هذه الأفعال لها ثمار أبديّة، لأنّها نابعة عن الحبّ. الموت يبطل الإبمان والرّجاء أمام معاينة الله ووحدها المحبّة تبقى (1 كورنتس 13/13).
يقول قورش الرّهاوي (القرن السّادس): "هذا التّحوّل يحصل بالرّجاء في المسيح" (ساكو آباؤنا السّريان ص 261) و"لنا الرّجاء بأنّنا نقوم معه بعدما نموت" (ساكو آباؤنا السّريان ص 264).
أمّا نرساي الملفان (القرن الخامس) فيقول: "بموته نال البشر الرّجاء المفرح بحياة خالدة" (مقالة 24/22).
لذا الرّجاء يحثّ على الصّلاة لتساعدنا على الاستمرار في الرّجاء، وفي المحبّة الأخويّة (1 بطرس 4/7-8، ويعقوب 5/8-9). الصّلاة مصدر الرّجاء الّذي يزرع فينا الفرح. مثال الشّهداء والقدّيسين الّذين كانوا فرحين بموتهم- قربانهم، لكن أيضًا لا ننسى كلّ الّذين عاشوا وحقّقوا خيرًا كبيرًا للبشريّة.
للمكرّسين
يقول شمعون ده طيبوثيه (القرن السّادس): "منذ أن تبدأ حياتك في الصّومعة، إسع في تغيير العادات الطّبيعيّة الّتي نشأت عليها بحياة جديدة، أيّ ابدأ العمل بالعمل، والمعرفة بالمعرفة، والرّجاء بالرّجاء (خطاب في الصّومعة رقم38). أمّا اسحق النّينوي فيؤكّد أنّ: "المكرّس يتحسَّن باقترابه من الله، ويثبُت على الرّجاء العتيد، حينئذٍ يُبتَلَعُ (الخوفُ) بالمحبّة (السّيرة الكاملة ص 429-430). ويشدّد على أنّ على الرّاهب أن يعيش في اليقظة والرّجاء والانتظار.
كيف نعيش الرّجاء في سنة اليوبيل؟
شعار اليوبيل هو الرّجاء. وفتح الباب المقدّس هو بدء زمن الرّجاء. وأولى علامات الرّجاء هو السّلام في العالم، اختاره البابا فرنسيس لحاجة عالمنا إلى الرّجاء.
الرّجاء يحمل لنا العزاء ويدفع كلَّ شيء إلى الأمام، لذلك لنُبقِ شعلته مضاءة في داخلنا، ونحمل نوره في ظلام عالمٍ، مشوّش، ومنقسمٍ وجريح!
نحن مدعوّون لاكتشاف كلّ يوم آفاق الرّجاء في ظروفنا الصّعبة وشعورنا بالخوف من المستقبل. على رعاة الكنيسة إحياء روحانيّة الرّجاء من خلال وعظاتهم ورفع معنويّات النّاس المحبطة. كما على الرّهبانيّات (المكرّسون والمكرّسات) فعل الشّيء نفسه من خلال نشاطاتهم المتعدّدة، ليطبّقوا (فصل 25/ 31-46) من إنجيل متّى: كنت فقيرًا، مريضًا غريبًا "الحَقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئًا مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه" (متّى 25/40).
المحبّة تجاه الفقراء (بيوت الرّعاية) والأيتام (المياتم) والآرامل، وتدريب الشّباب (المدارس) على الرّجاء من أجل السّلام والعيش المشترك، وتفكيك خطاب الكراهيّة، والمسنّين الّذين تحوّلوا من منتجين إلى مستهلكين (حاليًّا عمر الإنسان أطول بسبب وجود العناية الصّحّيّة)، والمهاجرين والعائلات الّتي تعيش نوعًا من التّفكّك، والتّشجيع على الإنجاب لتعود الحياة إلى عنفوانها، والاهتمام بنظافة البيئة. هذا ما دعا إليه البابا فرنسيس قبل أسابيع. الرّجاء مرساتنا كما هي للباخرة. لنعش هذا الرّجاء في الصّلاة إلى الله لكي يساعدنا على الاستمرار في الرّجاء في تفاصيل حياتنا اليوميّة.
أقترح عليكم أن تبحثوا في العهد الجديد خصوصًا رسائل بولس عن كلمة الرّجاء، اجمعوها وتأمّلوا بها خلال سنة اليوبيل".
وفي الختام، رفع المشاركون الصّلاة من أجل شفاء البابا فرنسيس.