أوروبا
26 تشرين الأول 2022, 08:45

ساكو في مؤتمر "صرخة السّلام": العيش معًا درس الوباء

تيلي لوميار/ نورسات
"لبناء السّلام، علينا تعزيز التّنوّع الثّقافيّ والدّينيّ، والتّقارب والتّضامن وجهود جميع البلدان والأديان"، هذا ما دعا إليه بطريرك الكلدان مار لويس روفائيل ساكو في كلمة ألقاها تحت عنوان "العيش معًا: درس الوباء" في مؤتمر "صرخة السّلام" في روما، والّذي نظّمته جماعة سانت إيجيديو، لافتًا إلى أنّ السّلام لا يمكن أن يتحقّق بدون الاحترام والمحبّة والأخوّة والتّضامن.

وفي تفاصيل كلمته، قال ساكو بحسب إعلام البطريركيّة الرّسميّ:

"إسمحوا لي أن أشكر جماعة سانت إيجيديو Sant’Egidio على هذا الاجتماع من أجل السّلام بعنوان "صرخة السّلام" هو صرخة أمل للبشريّة في الوطن، لاسيّما في وضع عالميّ مثلما هو اليوم ممّا يشكّل مصدر قلق كبير. لنأخذ، على سبيل المثال، الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فضلاً عن التّوتّرات الشّديدة والصّراعات الفوضويّة الّتي نشهدها في الشّرق الأوسط، والّتي هي أيضًا مرعبة. فإنّ عدد القتلى والجرحى مرتفع، والعديد من المدارس والجامعات أغلقت أبوابها، وحياة المواطنين الأبرياء هي شبه مشلولة. إنّهم يعيشون في حالة من الذّعر ولا يعرفون ما سيأتي به الغد، وهذا حقًّا أمر رهيب!

لبناء السّلام، علينا تعزيز التّنوّع الثّقافيّ والدّينيّ، والتّقارب والتّضامن وجهود جميع البلدان والأديان لدرء الخطر المباشر للوباء! هذا ما تعلّمناه بشأن الوحدة الدّوليّة في ظروف الوباء، بهذه الوحدة الدّوليّة عينها، يجب التّحرّك لوضع حدّ للحرب السّخيفة بين روسيا وأوكرانيا، والشّيء عينه بالنّسبة للحروب الأخرى. فلنا أن نختار الحوار الدّبلوماسيّ والسّلام لحلّ المشاكل وليس استخم السّلاح.

ذلك أنّ السّلام لا يمكن أن يتحقّق بدون الاحترام والمحبّة والأخوّة، وكذلك تضامن كافّة الأفراد والشّعوب، والعمل من أجل الأمن والرّفاه العامّ للجميع.

السّلام، في الواقع، هو عمليّة تثقيفيّة. للبلوغ إليه، ينبغي تدريب النّفس والمضيّ في التّنشئة الذّاتيّة. لا شكّ أنّ السّلام هو أيضًا تحدٍّ، لكن اختلافاتنا في الوقت عينه، وكلّ ما يبدو أنّه تفرّقنا، من شأن كلّ هذا، أن يجعلنا مكمّلين بعضنا البعض. ذلك أنّ لكلّ منّا ومن بلداننا موهبة يفيد بها المجتمع ككلّ.

إنّنا نعيش في عالم جديد يلزمنا على القبول بإبراز أهمّيّة التّنوّع وبما يتماشى مع النّهج العالميّ الّذي يتطلّع إلى المساواة في حقوق الإنسان واحترام حرّيّة فرد وكرامته.

بناءً على هذه الاختلافات، وعلى أوجه التّكامل هذه، فإنّنا نعتمد بشكل طبيعيّ على بعضنا البعض: عندما أعلم أنّني بحاجة إلى جاري، فإنّي أعطي له مزيدًا من الاهتمام بما يعزّز العيش بسلام معه. يتعيّن علينا اليوم ، أن نخرج من ذواتنا للعمل بطريقة بسيطة وملموسة، بأجواء الصّداقة، لبناء السّلام: "طوبى لصانعي السّلام!" يقول يسوع (مت 5، 8).

لبناء السّلام في مجتمعاتنا، فإنّ تطوير المواطنة الحقيقيّة شرط ضروريّ للتّعايش المتناغم. هذا ما يفسّر أنّ أولئك الّذين يغادرون بلادهم للمجيء إلى الغرب يطالبون بالحقوق والكرامة. والحال يتمّ التّعايش على عدّة مستويات:

- على الصّعيد الدّيني، نؤمن جميعًا بإله واحد، حتّى لو اختلفت تعابيرنا.

- إجتماعيًّا، نحن جميعًا إخوة تحت مظلّة الإنسانيّة.

- من النّاحية السّياسيّة، نحن جميعًا مواطنون على نفس الكوكب.

ومع ذلك، فقد شوّه التّطرّف الدّينيّ التّعايش، وأدّى التّعصّب السّياسيّ إلى هدم الفسيفساء البشريّة، ودمّر الفساد المجتمع… ما نحتاجه هو تعليم قويّ بشأن التّنوّع كثروة. لا حرج في "أن تكون ما أنت عليه"، ولكن المهمّ هو العيش بسلام والتّعاون مع الآخرين، واحترام وتكريم الصّالح العامّ.

قبل كلّ شيء، لا يقتصر دور المؤسّسات التّعليميّة على توفير التّعليم للتّمكّن من العثور على عمل، بل تدريب الأجيال الجديدة على الانفتاح واحترام التّنوّع والتّعدّديّة وتعزيز التّضامن والتّعايش، وذلك من خلال:

- تنمية قدرات الطّلّاب عن طريق الحوار الصّادق والصّداقة.

- تعزيز المصالحة والتّضامن بين مختلف الشّعوب والأديان والثّقافات من أجل تحقيق السّلام والازدهار لجميع المواطنين، كما أكّد البابا فرنسيس خلال زيارته للعراق في آذار 2021، وهذا التّعليم هو أساس التّعايش، لأنّ النّزاعات القائمة، الانقسامات والعوائق هي نتيجة الجهل والثّقافة الأحاديّة والأنانيّة والمصلحة الذّاتيّة.

على ضوء هذه الرّؤية، أدعو جميع الغربيّين والشّرقيّين إلى مراجعة تقاليدهم الموروثة بعقل متفتّح، لتغييرها وإزالة أيّ تعبير عن الأصوليّة والكراهيّة وعدم الاحترام، والتّكيّف مع الواقع الحاليّ والتّنوّع الاجتماعيّ. علاوة على ذلك، ينبغي أن نعمل بجدّ لبناء نموذج مدنيّ وديمقراطيّ يقوم على المواطنة وليس على نظام طائفيّ "تقسيميّ".

وأخيرًا، فإنّ بناء السّلام في مجتمعاتنا، يقتضي تطوير المواطنة الحقيقيّة كشرط ضروريّ للمستقبل".