العراق
18 كانون الأول 2019, 06:00

ساكو في رسالة الميلاد: أدعو المسؤولين للبحث عن مبادرة إنقاذ فاعلة برؤية جديدة

تيلي لوميار/ نورسات
نشر موقع بطريركيّة الكلدان رسالة عيد الميلاد للبطريرك مار لويس روفائيل ساكو، جاء فيها:

"من المؤسف جدًّاّ أن يُوافيَنا عيدُ الميلاد هذا العام أيضًا، في ظروف ٍصعبة ومقلقة. فلا تَزالُ جراحُ تنظيمِ الدّولة الإسلاميَّة (داعش) مفتوحةً، والقهرُ والفقرُ والبطالةُ وسوءُ الخدمات سائدًا، ممّا دفع آلافَ الأشخاصِ، وبخاصّةٍ الشّباب للخروج في تظاهراتٍ سلميّةٍ كبيرةٍ، تُطالب بالحرّيّة وحقّ العيش الكريم، وبوطنٍ مستقلٍّ، آمنٍ وقويّ، لكن هذا الحلم منذ 2003 حتّى الآن، لم يتحقّق بالرّغم من عدد القتلى الكبير والآف الجرحى، وبقي الحزن والقلق في القلوب. من المؤسف أنّ العراقيّين، عجزوا عن إيجاد سبيل فعّال لوضع البلاد على المسار السّليم، والقضاء على الطّائفيّة والفساد، والإثراء غير المشروع، والاستحواذ على الأملاك العامّة والخاصّة، رغمَ النّداءات العديدة من الخارج والداخل.

رسالةُ الميلاد كانت ولا تزال رسالة المسيحالثّائر،في كلِّ مراحلِها من أجل الحياة والسّلام والعدالة والكرامة والأخوّة والمحبّة: "المَجدُ لله في العُلى، وفي الأرضِ السَّلامُ لِلحائزينَ رِضاهُ" (لوقا 2: 14). المسيح ولد حتّى نولد فيه ومعه لحياة جديدة، ولادةٌ جديدةٌ للنّاس أجمعين، من خلال المفاهيم الرّوحيّة والأخلاقيّة الّتي حملتها. يولد المسيح فينا عندما تعتمر المحبةُّ والرّحمةُ قلوبَنا، ونختارُ الخير والأخوّة والألفة، ونتخطّى الشّرَّ والعداء، فننال فرحَ السّلام. يقول الرّسول بولس:"ظَهَرَت نِعمَةُ الله، يَنبوعِ الخَلاصِ لِجَميعِ النَّاس، وهي تُعَلِّمُنا أن نَنبِذَ الكُفْرَ وشَهَواتِ الدُّنْيا لِنَعيشَ في هذا الدَّهْرِ بِرَزانةٍ وعَدلٍ وتَقْوى" (تيطس 2: 11-12).

أخواتي، إخوتي،

لنتأمّل مليئًا برسالةِ المسيح، ولنجسّدها في هذا المشرق المتألّم، كما جسّدها هو. فميلادُه إعلانٌ مبهجٌ لمسيرة حياةٍ متناغمةٍ وسعيدةٍ على دربه، درب المحبّة والأخوّة، والسّلام والوئام والفرح، دربٌ يجعل الإنسان أكثرَ إنسانيّةً وكرامةً.

نعيش اليوم الحزن، ونبحث عن رجاءٍ يُعزّينا أمام ما يحدث في بغداد والمحافظات الأخرى من تصاعدٍ في وتيرةِ العنفِ، وتزايدٍ مخيفٍ في عددِ القتلى والجرحى. ولا أحد يعرف إلى أين تتّجه بلادنا المنكوبة. لذا أدعو جميع المسؤولين السّياسيّين والأمنيّين، إلى الأخذ بنظرِ الاعتبار خطورةَ الأوضاع والإصغاء لصوت أولادهم في هذه الأرض المباركة، أرض إبراهيم الخليل، صوتِ من قضَى منهم، ومن لا يزالون معرَّضين للظّلم والبؤس والإهانة. وأناشدهم تفادي الحلّ العسكريّ غير الحضاريّ والّذي سيخلِّف مزيدًا من القتلى والجرحى، وبدل ذلك أدعوهم للبحث عن مُبادَرةِ إنقاذ فاعلة برؤية جديدة، تأتي بحجم الأزمة، من خلال حوار الشّجعان مع المتظاهرين، لتحقيق مشروعٍ وطنيٍّ شامل، يكون بمثابةِ خشبةِ الخلاص، يُرضي الله، ويُنقذ البلاد، ويُسعد العراقيّين.

وأتوجّه بهذه المناسبة إلى أساقفتنا وكهنتِنا، وبخاصّةٍ الّذين يخدمونَ في العراق، ليعبِّروا عن قرب الكنيسة من العراقيّين، مسيحيّين ومسلمين وآخرين، في هذه الظّروف الحسّاسة والمؤلمة. أدعوهم إلى مرافقتهم إنسانيًّا وروحيًّا، والانتباه إلى حاجاتهم بعناية متميّزة على مثال المسيح. تكريسُنا هو نهجُ حياة نشارك المسيح أسلوبَه بحماسة. يقينا أنّ الله سوف يُحاسبنا على محبّتنا للآخرين وطيبتنا وخدمتنا لهم، هذا ما يتطابق مع ما ننشده في قدّاس ليلة الميلاد: عندما نسقي عطشانًاً كأس ماء * عندما نكسي عريانًا ثوب حب * عندما نجفّف الدّموع من العيون * عندما نملأ القلوب بالرّجاء * نكون في الميلاد. عندما اُقَبِّل رفيقي دونَ غش * عندما تموت فيَّ روح الانتقام * عندما يزول من قلبي الجفاء * عندما تذوب نفسي في كيان الله * أكون في الميلاد. (الترتيلة مستلهمة من إنجيل متّى 25: 35-36).

في الختام، أعرِب عن قربي من العراقيّين جميعًا، وأعبّرعن تعازي ومشاعرالتّضامن، مع عائلات الضّحايا والجرحى والمعاقين من المتظاهرين وقوّات الأمن، متمنّيًا الشّفاء العاجل للجرحى.

أسأل الله تعالى أن يمنحَنا جميعًا سلام الميلاد وفرحه. كلَّ عام وأنتم والعراق بخير".