العراق
21 كانون الثاني 2025, 12:15

ساكو في أسبوع الصّلاة من أجل الوحدة: المطلوب هو التّعاون المشترك

تيلي لوميار/ نورسات
في أسبوع الصلّاة من أجل وحدة المسيحيّين، يشير بطريرك الكلدان الكاردينال لويس روفائيل ساكو إلى أنّ "أسبوع الوحدة هو احتفال بها وليس افتقادها"، لافتًا إلى أنّ "المطلوب هو التّعاون المشترك".

ولفت ساكو إلى هذه الحاجة في مقال جديد نشر نصّه إعلام البطريركيّة الرّسمي، وقد كتب فيه:

"كما في كلّ عام، يحلّ في مطلع السّنة أسبوع الصّلاة (18-25 كانون الثّاني) من أجل الوحدة المسيحيّة المسكونيّة، باعتقاد أنّها غير موجودة، لذا ينبغي الصّلاة من أجل تحقيقها.

هذه جملة أفكار نتعمّق بها في كلّ ما يوحّدنا مع المزيد من الحاجة الملحَّة إلى التّعاون المشترك.

أفكار غير دقيقة عن الوحدة

الوحدة ليست ذوبان الكنائس في كنيسة واحدة، وإدارة واحدة كما يتوهّم البعض. من غير المعقول أن تصبح الكنائس المختلفة نَسَقًا واحدًا، منصهرة الواحدة في الأخرى. ذلك أنّ لكلّ كنيسة تاريخها وهويّتها وقدّيسوها وشهداؤها، وتقاليدها وطقوسها وقوانينها ولغتها والكاريزما الخاصّ بها. كما أنّ لكلّ كنيسة رئيسها الّذي يضمن وحدتها وحيويّتها، وسينودسها لاتّخاذ القرارات الكبرى. أعتقد ينبغي احترام هذا الواقع الكنسيّ التّاريخيّ والمحافظة عليه. وبدل الحديث عن الاختلافات، تجدر الإشارة بالأحرى إلى التّنوّع، الّذي ليس خلافًا، بل هو غنى مطلوب.

التّفكير بوحدة "انصهار" هو حلم، لا أتصوّر أنّه سيحصل، فعقليّة الاقتناص انتهت بفضل وعي الكنائس بهويَّتها وانفتاحها؛ إنّما يجدر أن نحلم بأن يتَّحد فرعا الكنيسة الواحدة بحوار شجاع ورؤية واضحة يُجمِع عليها الطّرفان.

الوحدة موجودة في الجوهر

الوحدة في الإيمان. الكنيسة الكاثوليكيّة وكلّ الكنائس الأرثوذكسيّة تعلن في صلاتها نفس قانون الإيمان (نؤمن بإله واحد…)، قانون مجمع نيقية (سنة 325) وقسطنطينيّة الأوّل (381). وهذا العام نحتقل بالذّكرى 1700 لانعقاد مجمع نيقية.

الوحدة المؤسِّسِة موجودة أيضًا. بكونها تقوم على التّواتر الرّسوليّ، أيّ مؤسّسها أحد الرّسل: روما، القدس، أنطاكيا، إسكندريّة، القسطنطينيّة، كنيسة المشرق.

هذه الوحدة تقوم على الاحتفال بالأسرار السّبعة خصوصًا بين الكنائس الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة. فبحسب وصف البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني: المسيحيّة تتنفّس برئتين كاثوليكيّة وأرثوذكسيّة.

الكنائس الرّسوليّة والجماعات الكنسيّة

أمّا خارج الكنائس الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة، في المسيحيّة، ثمّة كنائس انبثقت عن الحركة الإصلاحيّة قبل قرون، وتحمل في بعضها بذور تجزئتها إلى مئات من المسمّيات، ولها الفضل في انبثاق أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين في مطلع القرن العشرين. وكان القسّيس الإنجيليّ بول واتسون– أوّل مٓن بدأ بثمانية أيّام من أجل وحدة المسيحيّين، احتفل بها لأوّل مرّة من 18 إلى 25 كانون الثّاني 1908. هذا المسار نحو الوحدة المسيحيّة يعدّ العبور إلى الضّفّة، كما وصفه البابا بندكتوس.

الإعتراف المتبادل بين الكنائس الرّسوليّة

الكنائس الرّسوليّة الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة قد اعترفت رسميًّا ببعضها البعض. ومن المُلفت بارتياح إلى أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة أقدمت على إدراج الشّهداء المصريّين الأقباط الواحد والعشرين، الّذين ذبحوا في ليبيا عام 2015 في تقويمها اللّيتورجيّ، وكذلك أدرجت القدّيس اسحق النّينوىّ (القرن السّابع) أحد روحانيّي كنيسة المشرق العِظام.

الوحدة المطلوبة هي في العمل المشترك

كنائسنا الرّسوليّة مدعوّة إلى استعادة الثّقة والشّجاعة لاكتشاف كلّ يوم آفاق العمل المسكونيّ المشترك لاسيّما في ظروفنا الصّعبة. هذا التّعاون تعبير عمليّ للوحدة. إنّه يوطّد العلاقات ويخلق التّقارب. الثّقة تحتاج إلى أفعال.

أشكال التّعاون

تشكيل لجان مشتركة للبحث العلميّ في الكتاب المقدّس واللّاهوت واللّيتورجيا، وكتب التّعليم المسيحيّ وإصدارها بلغة معاصرة مفهومة الخ.

تنظيم لقاءات صلاة مشتركة وندوات حول مواضيع تهمّ الجميع.

تبادل الخبرات الرّوحيّة وتنشئة الإكليروس وإعداد جيل جديد مؤمن بالعمل الجماعيّ.

توحيد الموقف والخطاب خصوصًا في عالم مشوَّش غير مبالٍ بالأخلاق.

على الكنائس المختلفة أن تسعى بقوّة للدّفاع عن: العدالة والمساواة، والمواطنة الشّاملة، وتحقيق السّلام والاستقرار، والتّنديد بالظّلم والفساد والفقر والجهل والمرض، وصناعة الأسلحة لخلق الحروب، وتفكيك خطاب التّطرّف والكراهيّة، المحافظة على نظافة البيئة لتجنُّب الكوارث المحدقة بكوكبنا. هذا التّعاون ترسيخ للتّماسك الاجتماعيّ والسّلم الأهليّ.

أليس هذا برنامج رسالة المسيح الّذي أعلنه في مجمع النّاصرة؟: "روح الرّبّ عليّ، لأنّه مسحني لأبشِّر المساكين، وأرسلني لأشفي المنكسري القلوب، وأنادي للمسبيّين بالإفراج، وللعميان بالبصر، وبتخلية المأسورين، وأعلن سنة رضا (يوبيل) عند الرّبّ" (لوقا 4/ 18). إنّه برنامج العهد الجديد الّذي يتعيّن على الكنيسة والمسيحيّين تطبيقه في واقعهم، ليخفّفوا عن الظّلم والفقر والمرض والمطالبة باحترام حرّيّة النّاس وكرامتهم.

شاهدنا بفرح هذه الوحدة في كنائس سوريا بعد مجيء إثر مخاوف النّاس وقلقهم بتغيير الإدارة، فراحت تطالب بنظام مدنيّ قائم على المواطنة الشّاملة يضمن حقوق المواطنين ويحترم دياناتهم وحرّيّتهم وكرامتهم.  

هكذا تكون الكنائس شاهدة لهذه الوحدة وهذا الرّجاء."