العراق
07 نيسان 2023, 20:19

ساكو: اليوم في جمعة الآلام نتعلّم أن نستودع ذاتنا مثل يسوع بين يدي الله بمحبة وثقة

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك بابل للكلدان الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو صلاة الجمعة العظيمة في كاتدرائية مار يوسف في الكرادة، وألقى عظة قال فيها:

"يوم أمس، كشف لنا غسل يسوع لأرجل التّلاميذ في خميس الفصح، عن التجاوب مع حبّهم العظيم: الأمانة والخدمة من جهة، والكذب والخيانة والغدر من جهة اُخرى.

بطرس يرفض في البداية غسل رجليه، ثم يندم ويقبل ويتحمَّس ويرافقه في موته. أمّا يهوذا فراح يعجِّل ساعة موته من أجل الحصول على شيء من المال، بالرّغم من مبادرة يسوع بإعطائه لقمة الخبز علامة الصّداقة والمشاركة. هذا المشهد حاضر في مجتمعنا العراقيّ والمسيحيّ. خيانة الأمانة والوطن في سبيل المصالح الخاصّة والفئويّة … والخيانة الزّوجيّة!! النّتيجة: الأمين يَخلُص والخائن ينتهي. يهوذا ينتحر، وبطرس يتحتّم عليه أن يجاهرَ بإيمانه وحبّه قبل أن يمنحه يسوع الثّقة ويعهَد إليه مهمّة رعاية الكنيسة – الجماعة. الخائن لن يعيش، بل ينتهي جسديًّا ومعنويًّا، الأمين يتألّم ويعاني، لكنه بركة وتبقى صورته خالدة…

اليوم: في جمعة الآلام نتعلّم أن نستودع ذاتنا مثل يسوع بين يدي الله بمحبّة وثقة

“فأَمسَكوا يسوع، فخَرَجَ حامِلاً صَليبَه إِلى المَكانِ الَّذي يُقالُ لَه مَكانَ الجُمجُمة، ويقالُ لهُ بِالعِبرِيَّةِ جُلْجُثَة. فَصَلبوهُ فيه، وصَلَبوا معَه آخَرَين، كُلٌّ مِنهُما في جِهَة، وبَينَهما يسوع” (يوحنا 19/ 17-18). علينا أن نقرأ هذه الأحداث في جوّ من الخشوع والصّلاة والسّكينة… يسوع يسير نحو موته بصورة واعية: “الرّاعي الصالح يتخلّى عن حياته لأجل خرافه”. الجملة تتكرر ثلاث مرات (يوحنا 10/ 11 و 18).

دُهِنَ يسوع بالطيب في بيت عنيا قبل الفصح بستة أيام، مقدمة إحتفاليّة نحو القيامة والمجد، بالرّغم من الظّلم الشّنيع الطّاغي في عمليّة الصّلب. يسوع الذي تعرَّض للخيانة والصّلب تبدأ ملامح قيامته ومجده بالظّهور. صلبه بين إثنين، أيّ في المركز هو مكان الشّرف. والرُقعة المعلّقة فوق الصّليب المكتوب عليها: “هذا مَلِكُ اليَهود” (يوحنا 19/ 19) هي دليل على ذلك. والكتابة باللّاتينية واليونانيّة والعبريّة – الآراميّة أيّ بلغات العالم آنذاك، تشيرُ الى انه مَلِكُ البشريّة كلّها. هذه الكتابة نبويّة وإعلان ملوكيّ، وعلى الجميع أن يعرفوا ذلك… وبيلاطس عندما قدّمه لليَهود قال كلامًا رسميًّا: “ها هُوَذا الرَّجُل”! (يوحنا 19/ 5) أيّ الرّجل الكامل.

إستاء رؤساء الكهنة من هذه الشّموليّة، لكنّ بيلاطس أصرَّ على إبقاء العبارة “ما كُتِبَ قد كُتِب” (يوحنا 19/ 22). فيسوع المسيح هو مَلِك، لكن من مستوى آخر كما يعلن نثنائيل: “راِّيي، أَنتَ ابنُ الله، أَنتَ مَلِكُ إِسرائيل” (يوحنا 1/ 49). وهذا يتماشى تمامًا مع ما قاله الملاك في البشارة: “سَيكونُ عَظيمًا وَابنَ العَلِيِّ يُدعى، وَيُوليه الرَّبُّ الإِلهُ عَرشَ أَبيه داود، ويَملِكُ على بَيتِ يَعقوبَ أَبَدَ الدَّهر، وَلَن يَكونَ لِمُلكِه نِهاية” (لوقا1/ 31- 33).

يسوع يُعلَن ملكاً بالصّليب الذي هو صليب القيامة (الصّليب الممجَّد)، صليب فارغ، من دون جسد كما في كنائسنا الكلدانيّة. هناك وعي عام يعبّر عنه إنجيل يوحنا بأن موتَ يسوع هو تعبير عن حبّ عظيم، وأن محبّة الله سوف تَغلب في النّهاية. الحبّ يتجلّى عِبر الآلام. هذا الإيمان يمنح المؤمنين الثّقة بأن يسوعَ المصلوب لم يُهزَم ولم ينتهِ، بل هو مُنتصرٌ على الشَرّ، ويمدُّ يده لكل إنسان ليُخرِجَه من الشَرّ والخطيئة. هذا يتم عندما يصبح اتّباع يسوع موضوع حبّ حتّى العمق والنّهاية.

هناك مشهد خاصّ بيوحنا: وجود مريم والتّلميذ الحبيب إلى جانبها تحت الصّليب. يقول يسوع لمريم: “هذا ابنُكِ وللتّلميذ هذه اُمُّكَ، ومن تلكَ السّاعِة أخذها التّلميذ إلى بيتِه” (يوحنا 19/ 26-27).

لا يريد يسوع ان تبقى اُمّه وحيدة، بل بمبادرة مليئة بالحبّ والحنان والشّكران يعهدها إلى يوحنا. مريم صورة الكنيسة هي اُمّ المؤمنين الذين يمثّلهم التّلميذ الحبيب. يوحَنا في هذه اللّحظة يمثّل كلّ واحدٍ منّا وكلّ البشريّة. يريد يسوع من مريم أن تبدأ اُمومة جديدة وصِلَة جديدة مع تلاميذه (الكنيسة). يقول اوريجانس(253+) أحد أباء الكنيسة: “لا أحد يستطيع فهم إنجيل يوحنا، اذا لم يكن قد إرتمى على صدر يسوع، وقبِل مريم اُمّاً له”. يسوع يصلي: يا رب بين يديك استودع روحي.. “كلُّ شي قد تم” (يوحنا 19/ 30).