العراق
19 نيسان 2023, 13:50

ساكو: الأسقف الأب الحنون والمدبّر الحكيم

تيلي لوميار/ نورسات
عن دور الأسقف في الكنيسة وعلاقته مع الكهنة وأبناء أبرشيّته، تحدّث بطريرك الكلدان مار لويس روفائيل ساكو في مقال نشره موقع البطريركيّة الرّسميّ، استهلّه ذاكرًا أنّه "يُفترض أن تكون العلاقة في الكنيسة مختلفة عن العلاقات الأخرى، بكونها مبنيّة على أولويّة المحبّة والخدمة، علاقة روحيّة وليست نفعيّة. الكنيسة خادمة ومنفتحة، ترتبط بالنّاس ارتباطًا وثيقًا، وتتواصل معهم وتهتمّ بهم. في الكنيسة الجميع ملتزمون ببعضهم."

وتابع ساكو كاتبًا: "الأسقف: ܐܦܣܩܘܦܐ- Episcopus، لفظة يونانيّة تعني السّاهر على "التّعليم الصّحيح"، لكن تبقى لفظة "الأب" هي المفضَّلة.

يُعدّ الأسقف أبًا “ܐܒܘܢ" وهكذا الكاهن الّذي ندعوه "أبونا". علاقة الأسقف مع كهنته وأبناء أبرشيّته، علاقة اُبوّة، علاقة عائليّة عاطفيّة، وليست شراكة عمل إداريّة وقانونيّة واجتماعيّة. هذه العلاقة الحميمة هي نهج الإنجيل، تجعل الجميع يشعرون بالجوّ العائليّ من خلال حضور الأسقف (والكاهن في الرّعيّة) بينهم، والتّعرّف عليهم عن كَثَب، وليس عن طريق "القال والقيل". مهمّ جدًّا الإصغاء إليهم ومشاركته همومهم وآمالهم، واقتسام المهام وتوفير الفرص، ما يعطي معنى لكهنوته، وإلّا سيطفو في عالمٍ لا قلب له. الأسقف هو اُسقف المعيَّة بروابط عائليّة وصداقة روحيّة واعية وملتزمة. إنّه رفيق الرّسالة أيضًا. يؤمن بمواهب الآخرين ويحترمها ويحتضنها ويستثمرها. ومن دون علاقة صادقة تعترف بالآخر، وتقبله كأخ وشريك، لن نقدر أن نكبر من دون هذه البيئة: "اقتَدوا بِاللهِ كَأَبْناءٍ أَحبّاءَ، وَسِيروا في المَحَبَّةِ سيرَةَ المَسيحِ الّذي أَحَبَّنا، وَضَحَّى بِنَفْسِهِ مِنْ أَجْلِنا، قُرْبانًا وَذَبيحةً للهِ طيّبة َ الرّائحة" (أفسس 5/1-2).

يتعيَّن على الأسقف أن يكون واضحًا وصادقًا منذ البداية، وعدم إفساح المجال أمام عقليّة "الشّائعات" المنتشرة في مجتمعنا، والّتي تخلق مشاكل متنوّعة. عليه معرفة حقيقة الأشخاص عن كثَب. من المؤكّد سوف يكتشف باندهاش أمثلة رائعة، لكن عليه أيضًا أن يكون حذرًا من المتملّقين والأصوليّين…

ثمّة حاجة لبناء علاقات إنسانيّة وروحيّة متوازية وسليمة. على الأسقف أن يفكّر بالأبوّة والكاهن على حدّ سواء، بعيدًا عن السّلطة– الزّعامة– السّيطرة، والمكاسب المادّيّة الّتي تُعطّل العلاقة، بل بروح الخدمة السّخيّة والتّوجيه السّليم والبساطة والبشاشة يعزّز الثّقة المتبادلة ويُسهّل تحمّل أعباء المسؤوليّة بشكل أدقّ وأعمق. ومن جانب الكهنة يجب احترام أسقفهم (الأب)، والإصغاء إلى توجيهاته والحوار معه، والتّعبير له عن عواطفهم ومحبّتهم.

لا ينبغي أن يضيّع الأسقف وقته في التّفكير بنفسه "الهلوسة بالنّفس" وسلطته، بل عليه أن يتوجّه دومًا في تعامله إلى استلهام نور أبوّة الله غير المشروطة، الله المُحِبّ و"رَحمَتُه مِن جيلٍ إِلى جيل" (لوقا 1/ 50)، وأن يُجسِّدها باتّحاده مع الابن يسوع المسيح، وأن يعكس حوله وجود الله وحضوره. لنضع أنفسنا في مدرسة يسوع ولنتعلّم منه الصّلاة والعمل والتّأمّل عميقًا بمعنى كهنوتنا.

تبقى الكنيسة (الجماعة) خيرًا كبيرًا للمجتمع بمحبّتها المتجرّدة وخدمتها، وصوتها النّبويّ… إنّ القيم الإنجيليّة ليست أفكارًا نظريّة، بل هي مشروع وجوديّ أساسيّ، نتربّى عليه ونطبّقه في حياتنا اليوميّة. رمز الصّليب الّذي يحمله الأسقف والعكّاز الّذي يمسك به يعكسان برنامج خدمته ومحبّته والتزامه.

من المؤكّد أنّ ليس بيننا أحدٌ كامل، فالكمال لله وحده، لكن الخبرة (الزّمن) والرّوحيّة العميقة والحكمة والمرونة والثّقافة المستدامة وتقاسم الحياة، تساعدنا كثيرًا على النّضج والتّعلّم والتّغيير والتّقدّم.

لنصلِّ في أجواء القيامة هذه من أجل بعضنا البعض."