سوريا
24 تشرين الثاني 2020, 08:50

زيدل ودّعت الإكسرخوس عوّاد، وهذا ما قاله البطريرك يونان في تأبينه!

تيلي لوميار/ نورسات
ودّعت كنيسة سيّدة النّجاة- زيدل- حمص، ظهر السّبت، الأكسرخوس الرّسوليّ السّابق على فنزويلا للسّريان الكاثوليك المثلّث الرّحمات إيوانيس لويس عوّاد، في جنّاز ترأّس رئيس أساقفة حلب ديونيسيوس أنطوان شهدا، بتكليف من البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان الّذي لم يحضر بسبب تفشّي كورونا، وقد ألقى بإسمه كلمة تأبينيّة قال فيها:

"صاحبَ السيادة أخانا المطران مار ديونوسيوس أنطوان شهدا الجزيل الاحترام، رئيس أساقفة أبرشيّة حلب، والّذي يترأّس باسمنا هذه الرّتبة، صاحبَ السّيادة أخانا مار غريغوريوس الياس طبي الجزيل الاحترام، رئيس أساقفة أبرشيّة دمشق السّابق، صاحبَ السّيادة أخانا المطران مار يوحنّا جهاد بطّاح الجزيل الاحترام، رئيس أساقفة أبرشيّة دمشق أصحابَ السّيادة الإخوة المطارنة ورؤساء الكنائس الشّقيقة في حمص، الآباءَ الكهنة والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات والمؤمنين في رعيّة زيدل المباركة، وفي أبرشيّة حمص وحماة والنّبك العزيزة، أيُّها المؤمنون المبارَكون وأفراد عائلة المثلّث الرّحمات والأقرباء والأنسباء والأصدقاء،  

في رسالته الثّانية إلى تلميذه تيموثاوس، يوصي مار بولس الرّسولُ تلميذَه أن يكون أمينًا لدعوة الرّبّ السّامية، رسولاً وخادمًا للرّعيّة، أمينًا للرّبّ الّذي دعاهُ، وأمينًا للكنيسة الّتي احتضنَتْهُ ورعَتْهُ. وهكذا يعطي ذاتَه مثالاً حيًّا للتّلميذ الأمين: "جاهدتُ الجهادَ الحسن، أكملتُ السّعي، حفظتُ الإيمان، وأخيرًا قد وُضِعَ لي إكليلُ البرّ، الّذي يهبُهُ لي في ذلك اليوم الرّبُّ الدّيّانُ العادل" (2 تي 4: 7).

لقد قاسى رسولُ الأمم الكثيرَ من التّضحيات والآلام والصّعوبات لنشر بشرى الخلاص والشّهادة لإنجيل المحبّة والسّلام. وظلّ مستعدًّا على الدّوام ليلاقي وجهَ معلّمِه الإلهيّ الّذي استحوذ عليه بكلّيّته، فجعله رسولاً عظيمًا لا تزال الكنيسة تتأمّل بسيرته وتتغذّى من مَعين تعاليمه السّامية.

وفي الإنجيل الّذي تُلِيَ على مَسامِعِكُم، يشبّهُ الرّسولُ متّى ملكوتَ السّماواتِ بمَثَلِ الوزنات الّتي استودعها ربُّ العمل لعبيدِه وخدّامِه. من هذا المَثَل، نفهم كم على التّلميذ أن يسعى ويجدَّ لعيش دعوة الرّبّ بروح الأمانة، في كلّ لحظةٍ من حياته، وفي كلّ عملٍ يقوم به حتّى الرّمق الأخير. عندئذٍ يستحقّ الثّناءَ والمكافأة: "نعما أيّها العبد الصّالح والأمين، كنتَ أمينًا على القليل، أنا أقيمُك على الكثير، ادخل إلى فرح سيّدك" (مت 25: 21 و23).

أيّها الأحبّاء،

بحزنٍ عميق، تلقّينا مساءَ الأربعاء الماضي، في الثّامن عشر من تشرين الثّاني الجاري، نبأ رقادِ المثلّث الرّحمات مار إيوانيس لويس عوّاد الأكسرخوس الرّسوليّ السّابق في فنزويلا لكنيستنا السّريانيّة الكاثوليكيّة الأنطاكيّة، والّذي أسلمَ الرّوحَ مستودعًا إيّاها بين يدَي خالقها الّذي أحبّه بقلبٍ طيّبٍ وديعٍ، وروحٍ متواضعةٍ، وتسليمٍ كلّي لمشيئته في كلّ مراحل حياته، حتّى ساعاته الأخيرة. وكنّا قد اتّصلنا به منذ ثمانية أيّامٍ في الثّالث عشر من هذا الشّهر، واطمأنَّينا على صحّته، وقدّمنا له التّهنئة بمناسبة عيد شفيعه القدّيس مار إيوانيس يوحنّا فم الذّهب.

وُلِدَ المثلّثُ الرّحمات في زيدل في 20 شباط 1934، أحبّ بيتَ الرّبّ منذ حداثته، فقصد إكليريكيّة مار مبارك في القدس عام 1946 حيث مكث سنتين، ثمّ انتقل مع رفاقه الإكليريكيّين إلى دير الشّرفة في لبنان عام 1948، ليعودَ إلى القدس عام 1949، ثمّ إلى الشّرفة عام 1952 حيث تابع علومَه الفلسفيّة واللّاهوتيّة مكتنزًا الفضائل، استعدادًا لاقتبال السّيامة الكهنوتيّة الّتي تمّت بوضع يد المثلّث الرّحمات البطريرك الكاردينال مار إغناطيوس جبرائيل الأوّل تبوني، مع زميله المرحوم الخوراسقف اغناطيوس ميدع، في 8 كانون الأوّل عام 1957. وتعيّن لخدمة رعيّة سيّدة البشارة في بيروت لمدّة سنةٍ واحدةٍ، ثمّ التحقَ بأبرشيّة حمص حيث دأب على خدمة الرّعايا والاهتمام بالرّسالة حتّى عام 1970.

وفي حمص، سلّمه المثلّثُ الرّحمات المطران مار ثيوفيلوس يوسف ربّاني إدارةَ مدرسة القدّيس يوسف في الحميدية، وعيّنه كاهنًا لرعيّة زيدل. ثمّ تنقّل في الخدمة في رعايا عديدة في الأبرشيّة، لاسيّما النّبك وحماة، وقام بمهمّة الإرشاد للفرقة الرّابعة عشرة للكشّاف العائد للمطرانيّة وللعديد من الحركات الرّسوليّة في الأبرشيّة.

عام 1970، عُيِّنَ مديرًا لإكليريكيّة دير الشّرفة لمدّة سنةٍ واحدةٍ، وعاد بعدها إلى حمص، ومنها انتقل إلى أميركا الجنوبيّة عام 1973، فتوجّه إلى مدينة بيللو أوريزونتيه في البرازيل، حيث واظب على خدمة أبناء الجالية السّريانيّة هناك لمدّة ثلاثين سنةً، مؤسِّسًا الرّعيّة ومعتنيًا بها بروح الأب والرّاعي والمرشد. وتقديرًا لجهوده وخدمته، رقّاه المثلّثُ الرّحمات البطريرك الكاردينال مار إغناطيوس موسى الأوّل داود إلى الرّتبة الخوراسقفيّة في 24 تشرين الأوّل 1999.

وبعد أن أصبحت فنزويلا أكسرخوسيّةً رسوليةًّ بقرارٍ من القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني، بناءً على طلب سينودس كنيستنا السّريانيّة، وانتخاب الأكسرخوس الرّسوليّ فيها والمؤسِّس لرعيّة ماراكاي وكاتدرائيّتها الخوراسقف أنطوان شهدا مطرانًا لأبرشيّة حلب، انتخبَ السّينودسُ المنعقدُ من 20 إلى 24 حزيران 2002 الخوراسقف لويس عوّاد مطرانًا أكسرخوسًا رسوليًّا على فنزويلا، وثبّت البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني هذا الانتخاب، وتمّت سيامته الأسقفيّة باسم مار إيوانيس لويس، بوضع يد المثلّث الرّحمات البطريرك مار إغناطيوس بطرس الثّامن عبد الأحد في 9 آب 2003، في كاتدرائيّة الرّوح القدس، الحميديّة– حمص.

وفي فنزويلا، تابع المطران لويس عوّاد الخدمة بالرّوح الرّسوليّة والغيرة، فاعتنى واهتمّ بشؤون الكهنة والمؤمنين بروح الأب الحنون والرّاعي الصّالح، حتّى تقاعُدِه عن الخدمة إثر بلوغه السّنّ القانونيّة عام 2010، ليخلفَهُ في رعاية الأكسرخوسيّة صاحبُ السّيادة المطران مار تيموثاوس حكمت بيلوني الجزيل الاحترام، والّذي لا يزالُ يتابعُ الخدمةَ والرّعايةَ فيها.

عرفْتُ المثلّثَ الرّحمات مار إيوانيس لويس عوّاد إنسانًا مُحبًّا، وديعًا، متواضعًا، طيّب القلب، لطيف المعشر، وراعيًا صالحًا متفهّمًا لحاجات الكنيسة، وملبّيًا الدّعوة لخدمتها أينما دُعِيَ لذلك. يشعرُ كثيرًا مع المسكين والمحتاج، وقد تجلّى ذلك خاصّةً في الأحياء الفقيرة من المدن الكبيرة، سواء في البرازيل أو في فنزويلا، فضلاً عن أبناء بلدته الحبيبة زيدل وأبرشيّته الأمّ حمص الّذي قضى فيها أيّامه الأخيرة، إذ أحبّها كثيرًا وبادلَتْهُ الحبَّ والإكرامَ، بشخص راعيها المثلّثِ الرّحمات مار ثيوفيلوس فيليب بركات الّذي سبقه إلى ديارِ الملكوتِ قبل خمسة أشهر، وكهنتها، وخاصّةً المرحوم الخوراسقف يوسف فاعور الّذي رقد بالرّب قبله بعشرة أيّام، فخسرت أبرشيّة حمص عامّةً وزيدل خاصّةً في بضعة أشهرٍ ثلاثةً من الرّعاة الصّالحين والخدّام الأمناء الّذين امتازوا بالغيرة والمحبّة والاندفاع في الخدمة والتّضحية حتّى آخر لحظات حياتهم.

عندما نصلّي الصّلاةَ الرّبّانيّة، نقول "لتكن مشيئتك يا ربّ كما في السّماء كذلك على الأرض" (مت 6: 10). نعم، نحن نسلّم بمشيئة الله ونقبلُها، وإن كان الألم يعصرُ قلبَنا وقلوبَ المحبّين لغياب هذه الكوكبة من الوجوه المُشرِقة والرّعاة الصّالحين في كنيستنا السّريانيّة من أبناء زيدل الحبيبة.

نحن شعبُ إيمانٍ ورجاءٍ، لذلك عندما نفقدُ عزيزًا، نجدّدُ فعلَ إيماننا وثقتنا بالمعلّم الإلهيّ القائل "أنا معكم كلَّ الأيّام وحتّى انقضاء الدّهر" (مت 28: 20). ولأنّ مسيرتَنا الأرضيّة، مهما طالت أو قصرت، عليها أن تتكلّل بنور القيامة، وتكون انعكاسًا لمحبّة الله للبشر، فنحن قادرون بنعمته تعالى على تحمُّل فراق الأحبّاء مهما كان قاسيًا علينا، متذكّرين أنّنا جميعًا أهل السّماء، وحياتنا على هذه الفانية ما هي إلّا مسيرة نحو الأبديّة.

فلنُصلِّ بروح الإيمان والرّجاء، ومعنا إخوتنا آباء السّينودس السّريانيّ الأنطاكيّ المقدّس، من أجل راحة نفس أخينا المثلّث الرّحمات المطران مار إيوانيس لويس عوّاد، كما نصلّي من أجل ذويه الحاضرين بيننا، وأولئك المنتشرين في بلادٍ أخرى. ونسألُ الرّبَّ يسوع في زمن الاستعداد لعيد ميلاده بالجسد، كي يمنح فقيدَنا الغالي الرّحمة والسّعادة الأبديّة، بشفاعة أمّنا العذراء مريم، سيّدة النّجاة، وجميع القدّيسين والشّهداء. وليكن ذكره مؤبّدًا. المسيح قام، حقًّا قام."