لبنان
28 تشرين الثاني 2016, 10:05

زيارة البطريرك الراعي الراعوية الى مارسيليا - فرنسا

انهى غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي زيارته الى روما حيث شارك في احتفالات اعلان الكرادلة الجدد التي ترأسها قداسة البابا فرنسيس، وقد سلّم الى قداسته تقريرا مفصلا عن الاوضاع في لبنان والشرق الاوسط كما التقى كبار المسؤولين في حاضرة الفاتيكان وابرزهم امين سرّ حاضرة الفاتيكان الكردينال بييترو بارولين ووزير خارجيتها المطران ريتشارد غالاغار وعميد مجمع الكنائس الشرقية الكردينال ليوناردو ساندري.

 

ومن روما توجّه غبطته في زيارة راعوية الى مارسيليا- فرنسا، حيث كان في استقباله راعي الابرشية المارونية المطران مارون- ناصر الجميل وراعي ابرشية دمشق المطران سمير نصار والوكيل البطريركي في مرسيليا المونسنيور جان- مارون قويق وقنصل لبنان العام السيدة هلا كيروز تيكوتسللي التي اقامت مساء حفل استقبال على شرف غبطته احتفالا بعيد الاستقلال بمشاركة عدد من الوجوه السياسية والروحية والدبلوماسية وحشد من ابناء الجالية اللبنانية. والقت كيروز كلمة ترحيب لفتت فيها الى المعاني الخاصة لعيد الاستقلال هذه السنة والتي تتجلى بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية وبزيارة البطريرك الراعي الى مرسيليا في هذه المناسبة.

 

من جهته حيا غبطته فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يحمل معه الامل للبنانيين بدولة القانون التي يستقيم معها حتما الاداء السياسي والوضع الاقتصادي والاجتماعي والامني كما تعيد الى لبنان دوره الريادي في الاسرة الدولية. وجدد غبطته الدعوة الى الاسراع بتشكيل الحكومة آملا التوفيق في ذلك لدولة الرئيس الشيخ سعد الحريري وذلك لان المواطن اللبناني لم يعد يحتمل سوء الاحوال الحياتية والمعيشية والاقتصادية فضلا عن وجوب مواجهة الاخطار المحيطة بلبنان الى جانب التوصل الى قانون انتخاب عادل يحفظ حسن التمثيل للجميع.   

 

وصباح يوم السبت 26 تشرين الثاني بارك غبطته تدشين الفوايية الفرنسي-اللبناني في مارسيليا بعد اعمال الاضافة والترميم التي اجريت عليه. وكانت كلمات للمونسنيور قوقيق وللمطران الجميل وللبطريرك الراعي شددت على عمق العلاقة التاريخية بين لبنان وفرنسا وبين الكنيسة المارونية ومدينة مرسيليا التي وصلوها بدءا من نهاية القرن الثامن عشر فكان تأسيس البيت الفرنسي- اللبناني سنة 1947 مع المونسنيور جوزف الحايك.

 

بعد ذلك اقامت قنصل لبنان العام هلا كيروز حفل غداء على شرف غبطته بحضور محافظ مارسيليا  Stéfane Brouillon، ورئيس بلديتها Jean-Claude Gaudin ، والقائم باعمال سفارة لبنان في باريس غدي خوري، وعدد من الاساقفة والكهنة والمسؤولين الفرنسيين والدبلوماسيين.

 

وبعد الظهر القى الكردينال الراعي محاضرة في كاتدرائية القلب الاقدس تحت عنوان: "مستقبل المسيحيين في بلدان الشرق الاوسط"، بحضور حشد كبير من اللبنانيين والفرنسيين تتقدمهم القنصل العام هلا كيروز والنائب الفرنسي هنري جبرايل والوزير السابق ابراهيم الضاهر.

 

ومما جاء في محاضرة نيافته:

 

 " أ- كيفية مقاربة الموضوع ؟

 

1-  لقد تم طرح هذا الموضوع بسبب الحروب والصراعات الدائرة في العراق وسوريا وفلسطين ودول اخرى في الشرق الاوسط. وهذه الحروب ليست بين المسلمين والمسيحيين وانما هي قائمة بين المسلمين على خلفيات مذهبية ومصالح اقليمية، لأهداف اقتصادية وسياسية استراتيجية. وهي ايضا تدور بين منظمات ارهابية وحركات اصولية من جهة، وبين سلطات سياسية محلية من جهة اخرى، وبين انظمة قائمة ومعارضات في مواجهتها. والمسيحييون يقعون ضحايا هذا الصراع كغيرهم من الكثير من المواطنين المسلمين. ونتيجة لهذا الوضع فان عدد المسيحيين يعاني بشكل متفاقم من نزيف الهجرة. لذلك من الضرورة المطلقة ايقاف الحروب وايجاد حلول سياسية لمختلف الصراعات وانشاء سلام عادل، وشامل ودائم في المنطقة لتشجيع عودة المسيحيين الى ارضهم الأصيلة والبقاء فيها.

 

2-  لا يجب ان ننسى انه عندما نتحدث عن المسيحيين فنحن لا نتحدث حصرا عن اقليات او افراد مشتتين وانما نتحدث عن الكنائس سواء كانت كاثوليكية ام اورثوذكسية ام بروتستانتية الموجودة منذ 2000 عام في مختلف هذه الدول وهي تفرض تأثيرا ثقافيا واجتماعيا وسياسيا قويا في هذه البلدان وخصوصا في لبنان من خلال مؤسساتها من مدارس وجامعات ومراكز اجتماعية انسانية.

 

3-  كل هذه الكنائس تعزز مؤمنيها بالإيمان المسيحي وتشجعهم على البقاء في اوطانهم الاصيلة للشهادة لإنجيل يسوع المسيح، والقيام بدورهم كحماة لجذور المسيحية. وهم على ثقة انه لطالما ان كنيسة المسيح باقية في العالم العربي فهذا يعني استمرار لوجود المسيحيين في هذا العالم ايضا. وهم على يقين ايضا ان الله لن يسمح ابدا بان تخلو هذه الأرض الشرق اوسطية، حيث بدأ تاريخ الخلاص واعلنت الأسرار الإلهية، من المسيحيين وان تحرم من صوت الإنجيل. فهذا الإيمان المسيحي بالنسبة لنا هو حجر الزاوية الذي نؤكد عليه آمالنا. وهذا الإيمان نفسه يلهم ارادتنا بالمقاومة الروحية وبالإلتزام للمستقبل.

 

ب-تحديات وحلول

 

4-  ما من احد يجهل ان المسيحيين تماما كمواطنيهم يعيشون اوضاعا غير مستقرة سياسيا واقتصاديا وامنيا، بسبب الصراعات المعقدة والحروب المفروضة والعنف اللامحدود والمستقبل غير المضمون. اما الضحايا فهم بشكل اساسي العائلات والاجيال الشابة التي تحلم بامر واحد وهو الحصول على تأشيرة اجنبية وترك وطنهم الأم.

 

5-   اضافة الى المقاومة الروحية والمعنوية يجب على الأسرة الدولية وتحديدا منظمة الامم المتحدة ان تلتزم وبشكل صارم العمل على وقف الحروب وايجاد حلول سياسية للصراعات التي تسبب هذه الحروب وتشجع على نمو الحركات الأصولية وتدعم المنظمات الإرهابية. هذه الحلول معروفة ولكن يلزمها الإرادة الطيبة ووضع الخير العام والسلام بين الأمم كأولوية.

 

6-  ان الصراع الثنائي المتقد الإسرائيلي – الفلسطيني من جهة والإسرائيلي العربي من جهة ثانية وجدت له حلول سياسية من خلال اصدار عدد من القرارات من مجلس الأمن الدولي تباعا منذ العام 1948 وهي تتضمن:

 

1-  الإعتراف بقيام دولة فلسطين الى جنب دولة اسرائيل وان تكون على تفاهم جيد معها.

2-   ضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ارضهم الأصيلة.

3-   اجبار اسرائيل على سحب قواتها من الأراضي المحتلة في  لبنان وسوريا وفلسطين.

 

7-هناك تحد كبير ايضا يتمثل بموضوع النازحين السوريين والعراقيين الذين هم على ضمائر جميع الدول التي سببت وغذت ودعمت الحروب تحت عنوان ارساء الديمقراطية واجراء اصلاحات سياسية في دول الشرق التي تم تدميرها اليوم بشكل كامل.

ويجب علينا ان نظهر لهم تضامننا الإنساني الإجتماعي معهم وان نؤمن لهم الإستقبال الحسن من جهة، ومن جهة ثانية مساعدتهم على العودة الى ديارهم واعادة بناء مساكنهم والتمتع بكامل حقوقهم في المواطنية.

 

6-  وضع لبنان

 

8-لا بد لي من ان الفت انتباهكم الى الخطر الكبير الذي يحدق بلبنان بسبب العدد الهائل للنازحين: فعدد السوريين في لبنان وصل الى نحو مليون ونصف المليون سوري ذات الغالبية السنية وهذا العدد يرتفع سنويا الى  40000 و 50000 الف مع حديثي الولادة اضف الى ذلك النصف مليون لاجئ فلسطيني. وهنا يبلغ عددهم الإجمالي نحو مليوني نسمة اي نصف عدد الشعب اللبناني، على مساحة لبنان التي تبلغ 10452 كلم2 من الجبال والوديان. الخطر هنا هو اقتصادي وثقافي وامني وسياسي مذهبي. لماذا علينا التضحية بهذا البلد النموذج في التعايش بين مختلف المذاهب والديانات والثقافات والديمقراطية والإنفتاح والمساواة بين المسيحيين والمسلمين؟ لماذا لا يمكن ايجاد اماكن استقبال للنازحين السوريين في سوريا مع العلم ان مساحة الأراضي السورية تفوق مساحة لبنان بنحو 18 مرة . لماذا يجب على لبنان وليس على السلطات السورية تحمل مسؤولية هؤلاء النازحين ؟

 

الخاتمة

 

9- اود ان اؤكد لكم ايها الأصدقاء الاعزاء ان ارادتنا الصلبة وهدفنا الثابت هو الحفاظ على الوجود المسيحي في هذا العالم العربي الذي هو عالمنا. فهذا ما يمليه علينا ايماننا المسيحي، والمهمة التي اوكلت الينا من قبل سيدنا يسوع المسيح منذ 2000 سنة تتطلب منا هذا.

 

وفي الوقت عينه نحن نعتمد على الدول الصديقة واولها فرنسا لتسليط الضوء على اهمية الحضور المسيحي في العالم العربي وبذل الجهود الضرورية لوقف الحروب وايجاد حلول سياسية للصراعات وتأمين عودة اللاجئين والنازحين الى ارضهم وممتلكاتهم .

 

10-ونحن، كمسيحيين وكمسلمين في هذا العالم العربي نتمسك بالعيش معا نظرا للثقافة المشتركة وللمصير المشترك الذي يجمعنا. ونحن كما اعتبر قداسة البابا يوحنا بولس الثاني مدعوون لان نبني معا مستقبل تعايش وتعاون لتطوير الحياة الإنسانية والأخلاقية لشعوبنا. اضف الى ذلك فان الحوار والتعاون بين المسيحيين والمسلمين في لبنان يمكنه ان يساعد على تحقيق هذه الخطوة في بلدان اخرى(امل جديد للبنان ، 93)

 

بعد ختام محاضرته الاجابة على اسئلة الحضور ترأس الكردينال الراعي الذبيحة الالهية التي عاونه فيها رئيس مجلس اساقفة فرنسا رئيس اساقفة مارسيليا المطران جورج بونتييه Georges Pontier، المطران مارون ناصر الجميل، المونسنيور امين شاهين الوكيل البطريركي في باريس، المونسنيور مارون قويق المونسنيور بسكال غولنيش Pascal Gollnisch، والمونسنيور Jean-Pierre Ellul خادم بازليك القلب الاقدس اضافة الى لفيف من الكهنة.

 

في بداية القداس الذي احتفلت فيه Oeuvre d’orient بذكرى تأسيسها الـ 160، كانت كلمة ترحيبية لرئيس الاساقفة المطران بونتييه واخرى للمونسنيور غولنيش.

 

بعد الانجيل المقدس القى البطريرك الراعي عظة بعنوان: "وبقيت مريم عند اليصابات ثلاثة اشهر"( لوقا 1، 56)

 

1.   ان العذراء مريم، بعد سماعها لبشارة الملاك جبرائيل بانها ستصبح  اما عذراء لإبن الله، ولبشارة حمل اليصابات المسنة منذ ستة اشهر، انطلقت فورا من الناصرة الى عين كرم لخدمتها. و"بقيت عندها مدة ثلاثة اشهر " الى حين ولادة يوحنا المعمدان الذي سيفتح الطريق امام مجيء المخلص. وهكذا فان نعمة الله كانت بالنسبة لمريم بمثابة نداء للخدمة الوديعة والسخية. لقد علمتنا على مثالها ان نعم الله اعطيت لنا لنتقاسمها مع اخوتنا واخواتنا المحتاجين ماديا وروحيا واخلاقيا وثقافيا. وفي هذا الإطار البيبلي توجد جماعة L’Oeuvre d’orient الباقية الى جانب المسيحيين المشرقيين للخدمة والمشاركة.

 

2.   نحن سعداء بالإحتفال سويا بهذه الليتورجيا الالهية على نوايا الoeuvre d’orient التي تحتفل هذه السنة بعامها ال160 من الخدمة والعطاء والتضامن المسيحيي والشراكة الكنسية. نوجه تحية لمديرها العام المونسنيور باسكال غولنيش ولمعاونيه ولـ80 الف متبرع . نحن نشكرهم ونشكر كل من سبقهم منذ العام 1856. وليفض الرب، الذي هو مصدر كل خير، نعمه وعطاياه عليهم لخدمة محبته.

 

3.   من الطبيعي ان تدعو l’oeuvre d’orient للإحتفال بالقداس الإلهي وفق الطقس الشرقي لكي يتعرف الفرنسيون الى الإرث الليتورجي والروحي واللاهوتي لكل كنيسة. وهذه السنة يسعدني ان احتفل معكم بالذبيحة الإلهية وفق الطقس السرياني الأنطاكي الماروني مع سيادة المطران مارون ناصر الجميل ومع كاهن الرعية الأب جان مارون قويق وافراد الجماعة. ان بنية كنيستنا الليتورجية هي سريانية انطاكية ولاهوتها الروحي هو في آن معا خلقيدوني، كريستولوجي ، مريمي افسسي. نحن سعداء بالإحتفال بهذه الذبيحة المقدسة بمشاركة رئيس أساقفة مارسيليا المطران جورج بونتييه وبحضور هالة كيروز تيكوزيللي القنصل العام في لبنان اضافة الى مختلف الشخصيات السياسية والمدنية والدينية.

 

4.   Œuvre d’orient  هي جمعية فرنسية حائزة على موافقة حبرية تعمل في خدمة ومساعدة مسيحيي الشرق من خلال الأساقفة والكهنة والجماعات الدينية. وتحركها في اطار التضامن والشراكة يعمل على خطين متوازنين: المدى الطويل والطوارئ.

 

5.   واود ان اعبر باسم كنائس الشرق عن امتناننا لهذه الجمعية من اعضاء ومتبرعين ولا سيما على مبادرتهم الحالية البناءة سواء على الصعيد المادي ام الثقافي ام الروحي في بلداننا التي اجتاحتها الحروب المدمرة للبشر والحجر.      

                                                                                                            

اصدقائي الأحباء، لقد ادركتم جيدا قيمة وجود المسيحيين في هذه البلدان واهمية بقائهم فيها. فهم لطالما وجدوا على ارضها منذ نشأة المسيحية وهم حماة جذورها والمبشرين بانجيل يسوع المسيح انجيل السلام والمحبة والاخوة بين البشر. انهم  ينشرون قيم الثقافة والتعددية والديمقراطية والحريات المدنية والحقوق الأساسية للإنسان.

 

بالنسبة لنا نحن نثمن كثيرا اعمالكم المنوعة الهادفة الى حث الغربيين ومساعدتهم على التعرف اكثر الى  قيمة الحضور المسيحي في هذا الشرق والمخاطر الحالية التي تهدده.

 

6- "توجهت مريم على عجلة من امرها الى منزل زكريا واليصابات". فعل مريم هذا يظهر لنا تفرغها الكلي (لوقا1:39) للخدمة ، هي التي اعلنت مع بشارة الملاك جبرائيل " امة للرب" (لوقا 1:38). وفي عرس قانا ، تولت دور الخادمة وهكذا اكتشفت ان النبيذ قد نفذ. وبناء على طلبها، حقق يسوع معجزته الأولى( cf jn2: 1-11)). ان عمل مريم هذا يظهر لنا ايضا ايمانها التي ترجمته اعمالا. فالايمان من دون اعمال يموت"، كما كتب الرسول يعقوب(Jc 2:17)

 

7- وبهذه الروحية تطور منظمة l’oeuvre d’orient  رسالتها في الخدمة منذ تأسيسها. وبناء عليه تكون الى جانب كل المحتاجين من مختلف الإنتماءات الدينية ومن دون تمييز في العشرات من البلدان وتحديدا في دول الشرق الاوسط  وايضا في اوروبا الشرقية وافريقيا والهند. وبفضل سخاء المتبرعين تمكنت المنظمة من توزيع اكثر من 14 مليون يورو في العام 2015 . بدورنا نشكر الله على كل اعمال الخير هذه لتمجيد اسمه.

 

8- نصلي اليوم على نية جميع المسيحيين في الشرق الاوسط وعلى نية اوطانهم: لكي تتوقف الحروب والصراعات في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا، كما نصلي على نية ايجاد حل سياسي واقامة سلام عادل وشامل ودائم في المنطقة التي شهدت اعلان اسرار الخلاص. ونحن نحث الاسرة الدولية على العمل لتنفيذ هذه القرارت لأنه لا يمكنها الا تتأثر بصراخ ومعاناة العائلات المشردة وبمصير النازحين المشتتين على طرقات العالم من دون مأوى.

 

فلتصحبهم الرحمة الإلهية جميعا ولتجعلنا قادرين على ان نكون بقربهم بمحبة فعالة. وليتمجد الثالوث الاقدس الآب والإبن والروح القدس الى ابد الآبدين آمين."