لبنان
16 أيلول 2020, 05:55

زحلة ودّعت ابنها الدّكتور أنيس مسلّم "الكاهن الزّاهد المتنّسك"

تيلي لوميار/ نورسات
"أيقونة حيّة من أيقوناتها"، "كاهن زاهد متنسّك"، مسلكه "كمسلك رسول يتكامل مع كهنوت المسيح"... بهذه الكلمات اختصر رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع المطران عصام يوحنّا درويش صفات المربّي والأديب والشّاعر والفيلسوف والصّحافيّ الرّاحل وأمين عامّ الاتّحاد العالميّ للصّحافة الكاثوليكيّة في لبنان أنيس مسلّم، في قدّاس وداعه في كنيسة مار الياس الطّوق، شارك فيه الأساقفة: جوزف معوّض، أنطونيوس الصّوريّ، ونيفن صيقلي، ولفيف من الإكليروس، بحضور رسميّ وإعلاميّ وثقافيّ وشعبيّ.

وكانت للمطران درويش كلمة رثا فيها الرّاحل الكبير فقال: "في اليوم الّذي يرتفع فيه الصّليب المقدّس، يرتفع معه عن هذا العالم أنيس مسلّم، وبارتفاعه تودّع سيّدة النجاة أيقونة من أيقوناتها الحيّة، زيّنت أبرشيّتنا وزيّنت معها مدينة زحلة.

تعرّفت على أنيس مسلّم منذ الثّمانينات، ومنذ ذلك الوقت لم أرَ فيه إلّا أيقونة رسمها لنا الرّوح القدس. وأنا وعائلته كما كلّ الّذين عرفوه فخورين لأنّنا اقتنينا بيننا لسنوات طويلة هذه الأيقونة. لا ننسى أبدًا أنّ من يكتب أو يرسم الأيقونة هو الله وليست أيدي البشر، لأنّنا كلُّنا صورة مجده. الله يرسمنا على صورته ومثاله وعلينا نحن المؤمنين أن نحافظ على نقاء صورتنا وإيماننا وهذا يتطلّب منّا جهادًا روحيًّا مستمرًّا وصلاة دائمة لا تنقطع.  

كان للمرحوم أنيس صورة أرضيّة واليوم تحرّر من كلّ أبعاد الأرض، تحرّر من كلّ ما هو مادّيّ وتحوّل لصورة كلُّها نقاء وطهارة وبهاء، ويمكننا القول إنّه بموته لبس المسيح، كما رنّموا لنا يوم معموديّتنا ويوم ولادتنا الرّوحيّة: "أنتم الّذين بالمسيح اعتمدتم، المسيح قد لبستم".

الدّكتور أنيس مسلّم من مواليد تربل ومن عائلة كريمة، مؤمنة وملتزمة بالمبادئ والقيم الإنسانيّة، تعلّم من والديه محبّة كنيسته والمواظبة على صلاته اليوميّة. تلقّى دروسه في الكلّيّة الشّرقيّة. وفي الجامعة حاز أولّاً على دبلوم في الصّحافة من معهد الصّحافة في القاهرة ثمّ إجازة في الحقوق من الجامعة اللّبنانيّة وأنهى دراسات عليا في العلوم الإعلاميّة والسّياسيّة ثمّ دكتورا دولة في العلوم السّياسيّة من باريس.

أسّس جريدة البلاد الّتي كانت تصدر في زحلة وتنشر أخبار المدينة والمنطقة كما كان رئيس تحرير مجلّة حضانة الطّفل من سنة 1956 حتّى 1970، وكان عميدًا لكلّيّة الإعلام والتّوثيق من عام 1977 حتّى 1993. له الفضل الكبير في تأسيس فروع الجامعة اللّبنانيّة في البقاع كافّة وهو يعتبر عميد هذه الكلّيّات.  

لا ننسى أبدًا أنّه كان أحد مؤسّسي الرّابطة الفكريّة ونادي أنيبال وحلقة الدّراسات التّوجيهيّة ونادي زحلة وأصدقاء الموسيقى الكلاسيكيّة في زحلة ومجلس قضاء زحلة الثّقافيّ كما شغل منصب أمين عامّ الاتّحاد العالميّ للصّحافة الكاثوليكيّة في لبنان.

له مؤلّفات كثيرة في الأدب والإعلام والصّحافة والفلسفة والشّعر وآخر مؤلّفاته كان "على أوتار الحنين"، كتابٌ عبَّر من خلاله عن نُبُلِ حبّه لزوجته الرّاحلة وحنينه اليها فجاء الكتابُ أطروحة صوفيّة رجائيّة وقياميّة وخلُصَ بقوله بأنّ كلّ شيء من الله ولمجد الله.

والمرحوم أنيس ليس كاتبًا أو شاعرَا أو فيلسوفًا أو أديبًا فقط إنّما هو كاهن علمانيّ. الإلتزام بالحياة المسيحيّة هو بحدّ ذاته كهنوت مقدّس وكلّ مسيحيّ هو كاهن يقدّم ذبيحة وجوده لمجد الله. والمسيحيّون يشكّلون معًا حجارة حيّة يبنون سويّة جماعة كهنوتيّة مقدّسة. المرحوم أنيس كان هذا الكاهن الزّاهد المتنّسك الملتزم، أمّا مسلكُه الحكيمُ والمتواضع والوديعُ واللّيّنُ والرّقيق والثّابتُ في المحبّة، فكان كمسلك رسول يتكامل مع كهنوت المسيح.

كتب الفيلسوف موريس بلوندل: "لقد فهمت أنّ هناك أمرًا واحدًا فقط هو صالح بشكل مطلق... هو إرادة الله ومشروعَه لحياة كلِّ شخص..." المرحوم أنيس مسلّم حقّق هذه الإرادة بالكمال، وهذا هو الخير بالذّات."

سيّدة النّجاة، الأبرشيّة، الكهنة، المؤمنون والمؤمنات، الأصدقاء والأحبّاء، كلُنا سنفتقد أنيس مسلّم، ستذكر الكاتدرائيّة أنّ صلاتَهُ فيها كانت لنا سندًا وقوّة وعزاء، لذلك نعلن لكم أنّ المطرانيّة ستخلّد اسمه مع آخرين ساهموا في تألّقها، في مشروع جديد سيعلن عنه قريبًا.

بإسم أخوتي أصحاب السّيادة والأخوة الكهنة وهذا الجمهور الكريم نتقدّم بتعزيتنا الحارّة من الدّكتور وليد والدّكتور فؤاد وعائلتيهما ومن ابنتيه ريتا ومها ومن عائلات شقيقيه المرحومين ألبير وميشال ومن شقيقته نهى وعائلات شقيقاته أوجيني وتريز ومرغريت.

المسيح قام!..."

وفي نهاية المأتم كانت كلمة رثاء من الشّاعر جوزف الصّايغ، عدّد فيها مزايا رفيق الطّفولة والصّبا، بعدها ووري الجثمان في مدافن العائلة.