لبنان
23 كانون الثاني 2020, 09:45

زحلة صلّت لأجل وحدة المسيحيّين!

تيلي لوميار/ نورسات
أحيا مجلس أساقفة زحلة والبقاع أسبوع الصّلاة لأجل وحدة المسيحيّين، في لقاء جمع المسيحيّين في المنطقة في كنيسة سيّدة النّجاة للرّوم الكاثوليك، بحضور رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران عصام يوحنّا درويش، وراعي أبرشيّة زحلة المارونيّة المطران جوزف معوّض، وراعي أبرشيّة زحلة وبعلبك وتوابعهما للرّوم الأرثوذكس المتروبوليت أنطونيوس الصّوري، وراعي أبرشيّة زحلة للسّريان الأرثوذكس المطران بولس سفر، والقسّيس رمزي أبو عسلي ممثّلاً الكنيسة الإنجيليّة، والأب اليشان أبارتيان ممثّلاً الأرمن الكاثوليك، والأب طوني حمزو ممثّلاً السّريان الكاثوليك، والأب سفر خميس ممثّلاً الطّائفة الآشوريّة، وعدد كبير من الرّهبان والرّاهبات وشبيبة الأبرشيّات والمؤمنين.

في البداية، رحّب الأرشمندريت نقولا الصّغبيني بالحضور، وكانت بعدها صلوات وتأمّلات وترانيم دينيّة من مختلف الطّقوس أدّتها المرنّمة رانيا يونس وجوقات: سيّدة النّجاة، نسروتو الأناشيد، كنيسة السّيّدة للسّريان الأرثوذكس، أبرشيّة زحلة للرّوم الأرثوذكس، وجوقة الكنيسة الآشوريّة.
بعد الرّسالة والإنجيل، ألقى رئيس دير مار الياس الطّوق الأب سابا سعد عظة قال فيها: "يجتمع المسيحيّون في العالم كلّه في مثل هذا الأسبوع المبارك من كلّ سنة ليرفعوا أيديهم، ويسموا بأفكارهم، ويتطلّعوا بقلوبهم لله تعالى، مبتهلين سويًّا لتتحقّق وحدة المسيحيّين وبالتّالي أمانة الهويّة المسيحيّة الّتي لا تقوم إلّا على وحدة الرّأي والأفكار والأهداف والإيمان .
وما أشبه اجتماعَ اليوم باجتماع العنصرة منذ ألفَي سنة، إذ تنادى تلامذة يسوع ومريم العذراء بإرادة إلهيّة، ليتلقّوا نِعَم الرّوح القدس فيتجدّدوا بروح واحد ويتجنّدوا لخدمة البشارة .
ويأخذنا هذا النّهار إلى المشهديّة المصوّرة في إنجيل القدّيس يوحنّا في الفصل السّابع عشر، حيث يبتهل السّيّد المسيح إلى الآب الأزليّ مصلّيًا وطالباً لتلاميذه أن يكونوا واحدًا كما هو والآب فالوحدة المطلوبة في هذا الفصل الإنجيليّ تقوم على أمرين غايةٍ في الأهمّيّة:
الأمر الأوّل: وحدة الثّالوث هي صورة للهويّة المسيحيّة، فكلّ لحظة انقسام هي عيش خارج هذه الهويّة، وبالتّالي الوحدة ليست ترفًا أو وجهة نظر، بل هي الهويّة بالذّات. والقضيّة المركزيّة في قلب الكنيسة لأنّها الوصيّة الأخيرة للسّيّد المسيح قبل مشروع الفداء.
والثّاني: ليس بإمكان كيان غيرِ موحّد أن يشكّل قوّة استقطاب للآخر، فالبشارة لا تأخذ قوتّها ومداها إلّا عندما يكون المسيحيّون في العالم موحّدين، وهذا ما تشير اليه الآية: "فليكونوا بأجمعهم واحدًا... ليؤمن العالم بأنّك أنت أرسلتني.". هذا الانقسام يعطينا جوابًا أنّ من أصل 7 مليارات إنسان ليس هناك إلّا ميليارَيْ يعتنقون المسيحيّة، متذكرّين أنّ "الويل لي (أنا المسيحيّ) إن لم أُبشّر".

يهدف أيضًا هذا اللّقاء إلى كسر جمود القلوب وتصلّبها، وإلى الجرأة المستمدّة والنّابعة من الصّلاة معًا والّتي تتجلّى في:
1- الخروج من القوقعة والشّرنقة إلى رحاب اللّقاء الفاعل.
2- التّعبير عن الألم النّاتج عن الانقسام والتّباعد.
3- الجرأة في مواجهة الذّات والاعتراف بالنّقص والكسل والذّاتيّة.
4- وخاصّةً الجرأة في القول: إنّ الحقيقة الضّائعة هي جلّابة كلّ النّزاعات، وولّادة كلّ الخلافات، وخارج الحقيقة لا يمكن عيش السّلام وبالتّالي الفرح.
إلّا أنّ الحقيقة النّسبيّة والمؤقتة الّتي نمتلكها يجب أن لا تمنعَنا من شعور القلق الدّائم الّذي يحثّنا على متابعة المسير نحو الحقيقة المطلقة وهي يسوع المسيح.
5- والجرأة أيضًا في العيش والتّطبيق والعمل على تعميد المفهومين البشريّين، العدالةِ والتّضامنِ البشريّ على ما جاء في كلمة قداسة البابا فرنسيس في افتتاح أسبوع الصّلاة لأجل الوحدة لهذه السّنة."
وتابع: "إنّنا ننتظر الوحدة ونؤكّد أنّها حاصلة لأنّها إرادة المسيح، ولكنّنا ندرك أيضًا أنّ رجال الكنيسة صغارًا وكبارًا كما المعمّدين لا ينتظرون استجابة الصّلاة بالتّرقّب السّلبيّ لوحدة بين المسيحيّين تأتي جاهزة مكتملة ومعلّبة، ذلك أنّ الوحدة المنشودة ليست معطىً جامدًا، بل هي قضيّة ومشروع عمل يوميّ، هي جهد وسعي مستمرّ، هي قابليّة وطوعيّة لقبول التّغيير واستعداد مؤمّن للتّخلّي.
الوحدة هي هاجس ومطرقة تقلقنا وتقضي على مضاجعنا، هي شعور دائم بالغربة لحين لقاء عائلة المسيح. وجميعنا يعلم أنّ انتظاراتِ العالم تداهم الكنيسة، وأنّ المعمّدين في العالم يتطلّعون إلى ثورة تنتفض لتنفض غبار التّاريخ، وتنطلق من صحوة جماعيّة تعبر إلى وعي متقدّم محفّز بالإيمان والمحبّة اللّذين يشكّلان نبض الإنجيل كلّه.
وأختم كلمتي بصرخة ضميريّة أن بلسموا جراح الأب يسوع والأمّ مريم لأنّ جراح الأهل تبقى نازفةً ما دام الأبناء منقسمين. أجدّد شكري لأصحاب السّيادة وكافّة الآباء الكهنة والرّهبان والرّاهبات والمؤمنين جميعًا. وأسوق شكرًا خاصًّا للّجنة المحضّرة لهذا اللّقاء، ولكلّ المشاركين والمساهمين فيه من جوقات وقرّاء، وللوسائل الإعلاميّة المرئيّة والمسموعة، وللمرنّمة د. رانيا يونس على مشاركتها اللّطيفة. وعلى أمل اللّقاء في مناسبات وأعياد مشتركة، تكون ثمرة هذه الصّلاة ونتيجة عمل اللّجان المختصّة بالمساعي الوحدويّة، ألتمس بركة أصحاب السّيادة والآباء جميعًاً.
في ختام لقاء الصّلاة، كانت كلمة للمطران معوّض شرح فيها تاريخ أسبوع الصّلاة من أجل الوحدة وقال : "صلاتنا اليوم تندرج ضمن الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين. وأسبوع الصّلاة لهذه السّنة الّذي يمتدّ من 18 حتّى 25 كانون الثّاني، بدأ الاحتفال به عام 1908 مع الأب بول واتسن وكان انتشاره خجولاً، عام 1935 توسّع هذا الانتشار وأخذ دفعًا جديدًا مع كاهن فرنسيّ اسمه بول بوترييه، وحظي باهتمام مؤسّسات على صعيد عالميّ، كالمجلس المسكونيّ للكنائس والمجلس الحبريّ لتعزيز وحدة المسيحيّين. وابتداء من عام 1975 بدأت فرق مسكونيّة التّحضير لأسبوع الصّلاة، وهذا العام حضّر الصّلوات فريق مسكونيّ من مالطا مؤلّف من كاثوليك وأرثوذكس وبروتستانت، وارتكزوا على الحدث الّذي حصل مع القدّيس بولس المذكور في أعمال الرّسل الفصلين 27 و28، عندما يخبرنا عن نجاة مار بولس وركّاب السّفينة من الغرق ووصولهم إلى مالطا واستقبال الأهالي لهم، من هنا كان شعار هذا العام "وأظهر لنا أهلها عطفًا نادرًا".
نحن لا نسعى وحدنا لتوحيد الكنيسة. نحن أصلاً كبشر لا نستطيع توحيد الكنيسة بقوانا البشريّة وحدها، والبرهان وضعنا اليوم في الكنيسة منقسمين. نحن بحاجة لنعمة ربّنا ونتّكل عليها لكي تساعدنا كبشر وكمسيحيّين من كنائس مختلفة، لكي نصل إلى وحدة الكنيسة، لا نيأس لأنّ العناية الإلهيّة معنا.
أحيانًا تظهر السّبل مقفلة، ولكن ربّنا قادر دائمًا أن يفتح سبيلاً جديدًا ولو كانت السّبل مغلقة بشريًّا، هو الوحيد القادر أن يوصلنا إلى الوحدة. وفي مسعانا إلى الوحدة علينا عدم الاتّكال فقط على قدراتنا البشريّة إنّما الاتّكال على العناية الإلهيّة.
علينا أن نعيش مع بعضنا البعض القيم الإنسانيّة وبخاصّة الأخوّة والتّعارف على بعضنا البعض لنتعرّف على التّاريخ والتّقاليد واللّاهوت، والمجمع الفاتيكانيّ، في نور الأمم العدد 15 يدعونا إلى التّعرّف إلى الكنيسة الأخرى وتقدير ما فيها من غنى، ونقدّر عمل الرّوح القدس في الكنيسة الأخرى ونعترف به."
وفي نهاية اللّقاء تلا الجميع صلاة الوحدة وأعطى الأساقفة البركة الختاميّة.