رسالة ميلاديّة من المطران طربيه إلى أبناء أبرشيّته في أستراليا
"أحبّائي، أبناء وبنات أبرشيّتنا المارونيّة،
اسمه "يسوع" أيّ "الله يخلّص"
1. لم يختر القدّيس يوسف والعذراء مريم اسم يسوع، إنّما حمله الملاك جبرائيل إلى مريم قائلاً لها: "لا تخافي يا مريم... وها أنت تحملين وتلدين ابنًا وتسمّينه يسوع" (لوقا 31:1). وفي البيان ليوسف يؤكّد ملاك الرّبّ ما قاله: "...فسمّه يسوع لأنّه هو الّذي يخلّص شعبه من خطاياهم" (متّى 21:1).
2. واليوم في عيد الميلاد، نقف أمام طفل المغارة متأمّلين بوجهه الإلهيّ، والدّهشة في عيوننا، والرّجاء يملأ قلوبنا، إذْ نرى وعد الله بالخلاص يتحقّق، والنّبوءات تتم، وانتظارات الشّعوب والأمم تصل إلى كمالها، لأنّ كلمة الله صارتْ إنسانًا وحلّتْ بيننا هلّلويا.
3. فعيد الميلاد هو أكثر من يوم، وأكبر من حدث، إنّه نبع الرّجاء الصّالح في كلّ يوم، والنّور الّذي يكشّح الظّلمات من أمامنا في كلّ زمان ومكان كما قال أشعيا النّبيّ: "الشّعب السّالك في الظّلمة أبصر نورًا عظيمًا" (أشعيا 2:9).
4. لقد فعل الله كلّ شيء حتّى المستحيل من أجل الإنسان، فأخلى ذاته وتجسّد من مريم البتول، ودخل إلى عالمنا المحدود وهو الإله اللّامحدود، ليخلّص البشر من خطاياهم ويفتح أمامهم طريق الملكوت السّماويّ. واسم "يسوع" الّذي يعني "الله يخلّص" هو أيضًا علامة انتماء الله إلى العائلة البشريّة، ليفتح لنا المجال لكي ننتمي إلى عائلته الإلهيّة. ولكنّه لا يستطيع أن يدخل إلى حياتنا وقلوبنا إذا لم نفتحْ له الباب، باب الإيمان الرّاسخ بأنّه هو وحده الخلاص والحقّ والحياة. إنّه فعلاً رجاؤنا المتجدّد كلّ يوم، إنّه الرّجاء الصّالح لبني البشر حتّى في أصعب الظّروف والأوقات.
5. ولقد عاش الإنسان والبشريّة معاناةً وتحدّيات كثيرةً خلال سنة 2020. فجائحة كورونا الّتي اجتاحت العالم وسبّبت موت أكثر من مليون ونصف مليون شخص، وشلّت الاقتصاد العالميّ وخلقتْ حالةً من الهلع والخوف، أدْخلتْ تغيّرات أساسيّةً ليس على العلاقات الإنسانيّة وحسب إنّما أيضًا على طريقة العمل والتّعليم. فالتّعلّم والعمل عن بعد يؤكّدان أنّ العالم بعد كوفيد 19 سيكون مختلفًا عمّا كان عليه قبله.
6. ولا يسعنا في هذا العيد إلّا أن نصلّي لله لوضع حدّ لهذه المأساة العالميّة وقد بدأتْ بشائر معالجتها عن طريق وضع لقاح مضمون النّتائج، آملين أن يتماشى مع القيم المسيحيّة والمبادىء الأخلاقيّة، حفاظًا على كرامة الإنسان وقدسيّة الحياة.
7. ولا بدّ من أن نوجّه في هذا العيد المجيد رسالة شكر إلى الحكومات المحلّيّة والفدراليّة لعملهم الدّؤوب والجهود الكبيرة والفعّالة الّتي قاموا بها لكي يضعوا حدًّا لانتشار جائحة كورونا. وقد أثمر عملهم نجاحًا كبيرًا، جعل من أستراليا محطّ أنظار العالم لناحية الطرق المتّبعة للوقاية من هذا الوباء. وكان بنتيجة هذه التّدابير الوقائيّة أن عاد المؤمنون إلى الكنائس للاحتفال بالقدّاس والأسرار، وبخاصّة اليوم، في عيد الميلاد.
8. أمّا في وطننا الأمّ لبنان، فلا يمكننا في هذا العيد إلّا أن نتضامن أكثر فأكثر مع اللّبنانيّين الّذين يعيشون مأساةً لا مثيل لها في تاريخ لبنان المعاصر. فبالإضافة إلى الأزمة السّياسيّة والفساد المستشري في الدّوائر الحكوميّة ومؤسّسات الدّولة منذ عقود، جاء انفجار مرفأ بيروت، ليزيد من معاناة اللّبنانيّين وآلامهم، ليس فقط لما خلّفه من ضحايا ودمار كبيرين، ويأس في النّفوس وحزن في القلوب، إنّما لتلكّوء المعنيّين عن تحديد هويّة المسؤؤلين وكشف ملابسات هذه الجريمة المروّعة بحقّ بيروت ولبنان والإنسانيّة جمعاءْ.
9. ويأتي عيد الميلاد هذه السّنة، في الوقت المناسب، ليقول لكلّ الّذين يعيشون معاناة شخصيّة أو جماعيّة أنّ هناك رجاء دائم وثابت، اسمه يسوع المسيح، وأنّ إيماننا به يقودنا إلى التّفكير والتّضامن مع إخوتنا الفقراء والمهمّشين والمتألمّين. وفي ذلك تجسيد حقيقي لمعنى الميلاد. وفي هذا الإطار أودّ أن أوجّه كلمةً للتّعبير عن شكري الجزيل إلى كلّ الّذين لبّوا النّداء وساهموا بكرم وسخاء خلال هذه السّنة، لدعم المعوزين في لبنان، والّذين تزداد أعدادهم يومًا بعد يوم. وأدعوكم اليوم إلى الاستمرار بمسيرة العطاء هذه، لدعم صمود أهلنا والمحافظة على كرامتهم. وقد أطلقتْ أبرشيّتنا مبادرةً جديدةً بعنوان "تبنّى عائلة لبنانيّة"، لمساعدة العائلات الأكثر حاجة من خلال مؤسّسة كاريتاس لبنان.
أيّها الأحبّاء،
10. لنعلنْ مع القدّيس يوسف، والعذراء مريم، رسالة العيد الّتي تحمل عنوانًا واحدًا وفريدًا: "إسمه يسوع، أيّ الله يخلّص". وعلى مثالهما لنسرْ بحسب إرادة الله، ونقبل يسوع المسيح في حياتنا ونحبّه كما أحبّاه ونصغي إلى كلامه كما أصغيا، فتتقدّس حياتنا كما تقدّستْ حياتهما.
11. ولمناسبة ذكرى مئة وخمسين سنةً على إعلان القدّيس يوسف، خطّيب مريم، شفيعًا للكنيسة الكاثوليكيةّ، أعلن قداسة البابا فرنسيس سنة القدّيس يوسف ابتداءً من الثّامن من شهر كانون الأوّل 2020، ولغاية الثّامن من شهر كانون الأوّل سنة 2021. لذلك ستكون السّنة القادمة في أبرشيّتنا المارونيّة، سنة القدّيس يوسف، وستشكّل منعطفًا روحيًّا للتّأمّل بحياته ودوره في تاريخ الخلاص، لأنّه، وبقلب أبويّ جعل من ذاته تقدمةً متواضعةً وموضوعةً في خدمة يسوع وأمّه مريم.
12. وفي الختام، أتوجّه إليكم وإلى عيالكم بالمعايدة القلبيًة، مصلّيًا معكم ولكم، لكي يكون هذا العيد محطّةً للفرح بالرّبّ، ولإزالة الخوف من القلوب، والقلق من النّفوس. وأتطلّع إلى السّنة الجديدة 2021 لتكون منطلقًا جديدًا لعيش التّضامن الأخويّ والإنسانيّ. وليكن اسم الرّبّ يسوع، مصدر خلاص ونعم و ورجاء لنا جميعًا.
ولد المسيح … هلّلويا!"