لبنان
04 تموز 2019, 11:15

رسالة من المطران خيرالله إلى العائلات المسيحيّة!

للسّنة الثّانية على التّوالي، وبمشاركة نحو ألف شخص، أحيت لجنتا العائلة في أبرشيّة صيدا المارونيّة وأبرشيّة صيدا ودير القمر للرّوم الملكيّين الكاثوليك "يوم العائلة" في مطرانيّة بيت الدّين تحت عنوان "معًا نبني في العائلة ومعًا نبني العائلة".

 

وترأّس للمناسبة راعي أبرشية صيدا المارونيّة المطران مارون عمّار الذّبيحة الإلهيّة، بمشاركة راعي أبرشيّة البترون المارونيّة ورئيس اللّجنة الأسقفيّة للعائلة والحياة في لبنان المطران منير خيرالله، وراعي أبرشيّة صيدا ودير القمر للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران إيلي حدّاد، ولفيف من الكهنة والرّهبان والرّاهبات.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران خيرالله عظة قال فيها نقلاً عن "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "بدعوة من لجنتي العيلة في أبرشيّة صيدا المارونيّة وأبرشيّة صيدا ودير القمر الملكيّة، نحتفل معكم بيوم العيلة الأبرشيّ بعنوان "معًا نبني في العائلة".

أنتم هنا اليوم، أيّها الأزواج مع أولادكم آتون من رعايا الأبرشيّتين لتجدّدوا العهد الّذي قطعتموه في ما بينكم لعيش الحبّ في سرّ الزّواج المقدّس، وأعلنتموه أمام الله الكنيسة، وتواعدتم على عيشه كلّ العمر في التّضحية والوفاء والدّيمومة وخصب العطاء في الأولاد.
نلتقي معكم في إفخارستيّا الشّكر لنقدّم التّسبيح والمجد والإكرام إلى الله المحبّة، الآب والابن والرّوح القدس، على كلّ ما عشتموه وتعيشونه معًا، وعلى كلّ ما قدّمتموه من جهود وتضحيات في تربية أولادكم الّذين اعتبرتموهم نعمةً وبركة من الله.
ونجدّد معًا إيماننا والتزامنا بسرّ الزّواج المقدّس، الّذي أراده الله منذ البدء، ومن فيض حبّه اللّامحدود، عطاءً وتضحيةً وحبًّا حتّى بذل الذّات. ولأنّ الله محبّة، "خلق الإنسان على صورته كمثاله، على صورة الله خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهم وباركهم وقال لهم: إنموا وأكثروا واملأوا الأرض" (تكوين 1/27-28).
خلقهما معًا على صورته كمثاله. هذا هو سرّ الحبّ، سرّ الزّواج المقدّس؛ وحدةٌ كاملة في الحبّ بين الرّجل والمرأة بحيث يصبحان جسدًا واحدًا.
لا يقول الكتاب المقدّس إنّ الرّجل هو على صورة الله كمثاله؛ ولا يقول إنّ المرأة هي على صورة الله كمثاله. لكن الاثنين معًا هما على صورة الله كمثاله.
صورةُ الله هي إذًا في الزّوجين اللّذين يتعاهدان على الحبّ ويتقدّمان في عيش هذا الحبّ.
مشروع الله الأصليّ هو لعيش الحبّ الكامل بين الرّجل والمرأة اللّذين يتّحدان في الله ويتكرّسان في الحبّ وفي خصب العطاء الّذي من خلاله يشتركان مع الله في عمل الخلق عبر إيلاد البنين ويؤسّسان عائلة تدخل في سرّ الحبّ الإلهيّ.
"العائلة هي تحفة المجتمع"، يقول قداسة البابا فرنسيس. والزّواج الّذي يباركه الله يرقى في الحبّ إلى سرّ الله، ويحافظ على الرّباط بين الرّجل والمرأة الّذي يولد من حبّ الله لهما، فيثبتان في المسيح ويصبحان مع أولادهما بالمعموديّة أعضاء في الكنيسة، جسد المسيح السّرّيّ الواحد.
فالعائلة المسيحيّة، في تعليم الكنيسة، هي أوّلاً مدرسة إيمان، حيث يعاش الإيمان بالله وبتدبيره الخلاصيّ للبشر بيسوع المسيح، عربون محبّته المطلقة ووجه رحمته.
وهي ثانيًا مدرسة حياة، حيث يترجم الإيمان أعمالاً وتصبح الحياة شهادة محبّة ومصالحة وتضامن، وتصبح العائلة على مثال الكنيسة أمًّا ومعلّمة تربّي على القيم السّامية.
وهي ثالثًا مدرسة صلاة لتصبح جماعة حوار مع الله تتغذّى من كلمته ومن عيش الأسرار، وبخاصّة المعموديّة والإفخارستيّا والتّوبة.
وهي رابعًا المدرسة الأولى والأساسيّة للحياة الاجتماعيّة لتصبح جماعة في خدمة الإنسان بمجّانيّة العطاء والمحبّة المتجرّدة والصّفح والمغفرة وروح الضّيافة والجرأة على قول الحقّ.
ويحضرني هنا ما كتبه البطريرك الياس الحويّك، الّذي قد يُعلن مكرّمًا قريبًا جدًّا، في منشوره العشرين الصّادر في 11 كانون الثّاني 1922: "العائلة هي أساس العمران. وكما تكون العائلة يكون المجتمع البشريّ المؤلّف منها. ومن المقرّر بالاختبار أنّ سلامتها ونجاحها إنّما يقومان بحفظها النّظام الّذي سنّه الله الخالق منذ البدء، وكمّله يسوع المسيح بعمله وتعليمه.
أنتم مدعوّون إلى تأدية شهادة الحبّ وتحمّل المسؤوليّات الجسام في مواجهة التّحدّيات الّتي تهدّد وحدة العائلة وثباتها والقيم الّتي تربّي عليها وفي تربية أجيال المستقبل !
أنتم مدعوّون إلى رفض ثقافة المؤقّت وذهنيّة الاستهلاك والرّبح السّريع !
أنتم مدعوّون إلى مواجهة تحدّي الانخفاض الدّيمغرافي الخطير !
أنتم مدعوّون إلى الشّهادة بأنّكم عائلات تصلّي. والعائلة الّتي تصلّي تعيش حضور الله فيها وتبقى ثابتة في إيمانها ووحدتها وتماسكها. تشاركوا في الصّلاة مع أولادكم، وتغذّوا من كلمة الله في الكتاب المقدّس ومن المناولة في الإفخارستيّا. فتنمو عائلاتكم في الحبّ وتتحوّل يومًا بعد يوم إلى هيكل لسكنى الرّوح القدس وتكون جماعات مقدّسة وكنائس بيتيّة.
أيّتها العائلات المسيحيّة أنتِ مدعوّة إلى القداسة، أكثر منها إلى السّياسة؛ والدّعوة إلى القداسة تنمو في العائلة الّتي تشهد في عيشها للفضائل الإلهيّة والقيم الإنجيليّة. ومعكِ تعمل الكنيسة على أن تُصان العائلة في كلّ مقوّماتها وتحصَّن في أخلاقيّتها، فتكون النّواة الأساسيّة لإعادة بناء المجتمع والوطن- الرّسالة لبنان على قيم الحرّيّة والكرامة والمحبّة والعيش الواحد في احترام التّعدّديّة. معًا نبني في العائلة، ومعًا نبني العائلة.
نحن محبوبون من الله لأنّه أرادنا رسلَ المحبّة والمصالحة والسّلام على الأرض الّتي تجسّد فيها ابنُه يسوع إنسانًا، ومات فيها على الصّليب وقام ليخلّصنا ويجعلنا أبناء في العائلة الإلهيّة.
وكلّ عائلة من عائلاتنا هي بركةٌ من الله وعطيّة محبّةٍ منه".
فلا تخافوا إذًا ! تطلّعوا بفرح ورجاء إلى مستقبل أولادكم. علّموهم أن يثبتوا في المسيح؛ وأكّدوا لهم أنهم فيه يستطيعون المستحيلات ومن دونه لا يستطيعون شيئًا.
وأعلنوا لهم أن المسيح باقٍ معنا إلى منتهى الدهر، وأبواب الجحيم لن تقوى على كنيسته ! آمين".
وتخلّل اللّقاء شهادة حياة لعائلة عملت في حياتها على العودة إلى الجذور.