الفاتيكان
27 كانون الأول 2021, 14:30

رسالة من البابا فرنسيس إلى العائلات لمناسبة سنة "عائلة الحبّ"، ومضمونها؟

تيلي لوميار/ نورسات
"إنَّ المسيح يقيم في زواجكم وينتظر أن تفتحوا له قلوبكم لكي يتمكّن من أن يعضدكم بقوةّ محبّته"، هذا ما كتبه البابا فرنسيس في رسالته إلى العائلات بمناسبة سنة "عائلة فرح الحبّ"، والّتي وجّهها ظهر الأحد، وكتب فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"بمناسبة سنة "عائلة فرح الحبّ" كتب فيها بمناسبة سنة "عائلة فرح الحبّ" أتوجّه إليكم لكي أعبّر لكم عن محبّتي وقربي في هذا الزّمن المميّز الّذي نعيشه. لطالما كانت العائلات حاضرة في صلواتي، ولكنّها كانت حاضرة بشكل أكبر خلال الوباء، الّذي وضعنا جميعًا في محنة كبيرة، ولاسيّما الأشدّ ضعفًا. وبالتّالي تقودني اللّحظة الّتي نمر بها إلى الاقتراب بتواضع ومحبّة وضيافة لكلّ شخص وكلّ زوجين وكلّ عائلة في الأوضاع الّتي يعيشونها.

يدعونا السّياق الخاصّ لكي نعيش الكلمات الّتي يدعو بها الرّبّ إبراهيم لكي يخرج من أرضه وبيت أبيه نحو أرض مجهولة سيريه هو إيّاها. نحن أيضًا قد عانينا أكثر من أيّ وقت مضى من عدم اليقين، والوحدة، وفقدان الأحبّاء، ودُفعنا لكي نخرج من ضماناتنا، وفسحات "السّيطرة" وأساليبنا في القيام بالأشياء، وطموحاتنا، لكي نهتمَّ ليس فقط بخير عائلتنا، وإنّما أيضًا بمصلحة المجتمع والّذي يعتمد أيضًا على سلوكنا الشّخصيّ. إنَّ العلاقة مع الله تصوغنا، وترافقنا وتحرّكنا كأشخاص، وتساعدنا في النّهاية لكي "نخرج من أرضنا"، في كثير من الحالات بقلق وحتّى بخوف من المجهول، ولكن بفضل إيماننا المسيحيّ نعلم أنّنا لسنا وحدنا لأنّ الله فينا، معنا وبيننا: في العائلة، في الحيّ، في مكان العمل أو الدّراسة، في المدينة الّتي نعيش فيها.

على مثال إبراهيم يترك كلّ من الزّوجين أرضه منذ اللّحظة الّتي وإذ يشعر فيها بالدّعوة إلى الحبّ الزّوجيّ، يقرّر أن يقدّم ذاته للآخر بدون تحفّظ. وبهذه الطّريقة تتضمّن فترة الخطوبة أيضًا أن يخرج المرء من أرضه، لأنّها تتطلّب منّا أن نسير معًا في الدّرب الّذي يقود إلى الزّواج. تشكّل مواقف الحياة المختلفة- مرور الأيّام، ووصول الأبناء، والعمل، والأمراض- ظروفًا يفترض فيها الالتزام المتبادل أن يتخلّى كلّ فرد عن سلبيّاته، وضماناته وفسحات راحته، ليتوجّه نحو الأرض الّتي يعده بها الله: أن تكونا اثنين في المسيح، اثنان في واحد. حياة واحدة، و"نحن" في شركة المحبّة مع يسوع، الحيّ والحاضر في كلّ لحظة من حياتكم. إنَّ الله يرافقكم ويحبّكم بلا شروط. وأنتم لستم وحدكم!

أيّها الأزواج الأعزّاء، اعلموا أنّ أبناءكم- ولاسيّما الصّغار منهم- يراقبونكم بعناية ويبحثون فيكم عن شهادة حبّ قويّ وموثوق. كم هو مهمٌّ أن يرى الشّباب بأمّ أعينهم محبّة المسيح حيّة وحاضرة في حبّ الزّوجين، اللّذين يشهدان بحياتهما الملموسة أنّ الحبّ إلى الأبد ممكن! إنّ الأبناء هم عطيّة على الدّوام ويغيّرون تاريخ كلّ عائلة. وهم متعطّشون للحبّ والامتنان والاحترام والثّقة. وبالتّالي تدعوكم الأبوّة والأمومة لكي تكونوا مولِّدين لكي تعطوا أبناءكم فرح أن يكتشفوا بأنّهم أبناء لله، أبناءٌ لأب أحبّهم بحنان منذ اللّحظة الأولى ويمسكهم يوميًّا بيدهم. يمكن لهذا الاكتشاف أن يمنح أبناءكم الإيمان والقدرة لكي يثقوا في الله. إنّ تربية الأبناء بالطّبع ليست بالأمر السّهل على الإطلاق. لكن لا ننسينَّ أبدًا أنّ الأبناء يربّوننا بدورهم أيضًا. وبالتّالي تبقى العائلة على الدّوام البيئة التّربويّة الأولى، في التّصرّفات الصّغيرة الّتي هي أكثر بلاغة من الكلمات. التّربية هي أوّلاً مرافقة عمليّات النّموّ، وأن نكون حاضرين بأساليب عديدة، لكي يتمكّن هكذا الأبناء من أن يعتمدوا على والديهم في جميع الأوقات. المربّي هو الشّخص الّذي "يولِّد" بالمعنى الرّوحيّ، والّذي وبشكل خاصّ يشارك شخصيًّا. كآباء وأمّهات، من المهمّ أن تتواصلوا مع أبنائكم انطلاقًا من سلطة تنالونها يومًا بعد يوم، لأنّهم بحاجة إلى أمان يساعدهم لكي يختبروا الثّقة بكم وفي جمال حياتهم، في اليقين بأنّهم لن يكونوا وحدهم أبدًا مهما حدث.

من ناحية أخرى، وكما سبق أن أشرت، فقد نما الوعي بهويّة ورسالة العلمانيّين في الكنيسة والمجتمع. لديكم مهمّة تحويل المجتمع من خلال حضوركم في عالم العمل واجتهادكم لكي تؤخذ بعين الاعتبار احتياجات العائلات. كذلك على الأزواج أيضًا أن يأخذوا المبادرة داخل الجماعة الرّاعويّة والجماعة الأبرشيّة بمقترحاتهم وإبداعهم، وأن يسعوا إلى تكامل المواهب والدّعوات كتعبير عن الشّركة الكنسيّة؛ لاسيّما شركة الأزواج جنبًا إلى جنب مع الرّعاة، لكي يسيروا مع عائلات أخرى، من أجل مساعدة الضّعفاء لكي يعلنوا أن المسيح يحضر أيضًا حتّى في الصّعوبات. لذلك أحثّكم، أيّها الأزواج الأعزّاء، على المشاركة في الكنيسة، ولاسيّما في راعويّة العائلة. لأنّ المسؤوليّة المشتركة تجاه الرّسالة تدعو الأزواج والكهنة، ولاسيّما الأساقفة، إلى التّعاون بشكل مثمر في رعاية الكنائس البيتيّة وحراستها. كذلك تذكّروا على الدّوام أنّ العائلة هي الخليَّة الأساسية للمجتمع. إنَّ الزواج هو في الحقيقة مشروع بناء "ثقافة اللقاء". لهذا السبب تواجه العائلات تحدّي بناء الجسور بين الأجيال لكي تنقل القيم الّتي تبني الإنسانيّة. وبالتّالي هناك حاجة إلى إبداع جديد للتّعبير في التّحدّيات الحاليّة عن القيم الّتي تشكّلنا كشعب في مجتمعاتنا وفي الكنيسة، شعب الله.

إنّ الدّعوة إلى الزّواج هي دعوة لقيادة قارب غير مستقرّ- ولكنّه آمن لحقيقة السّرّ- في بحر هائج أحيانًا. كم من مرّة، على مثال الرّسل، تريدون أن تقولوا، أو بالأحرى أن تصرخوا: "يا مُعَلِّم، أَما تُبالي أَنَّنا نَهلِك؟". لا ننسينَّ أن يسوع، من خلال سرّ الزّواج، هو حاضر على هذا القارب. هو يهتمُّ لأمركم ويبقى معكم في جميع الأوقات، في اهتزازات القارب الّذي تقذفه المياه. في مقطع آخر من الإنجيل، في وسط الصّعوبات، يرى التّلاميذ أنّ يسوع يقترب في وسط العاصفة ويستقبلونه على متن السّفينة؛ وهكذا أنتم أيضًا، عندما تشتدّ العاصفة، إسمحوا ليسوع أن يصعد على متن السّفينة، لأنّه عندما "صَعِدَ السَّفينَةَ إِلَيهم سَكَنَتِ الرِّيح". من المهمّ أن تحافظوا معًا على نظركم محدقًا إلى يسوع. وبهذه الطّريقة فقط ستنالون السّلام وتتغلّبون على النّزاعات وتجدون حلولًا للعديد من مشاكلكم. ليس لأنّ هذه الأشياء ستختفي، وإنّما لأنّكم ستتمكّنون من رؤيتها من منظور آخر. من خلال الاستسلام بين يدي الرّبّ فقط ستتمكّنون من مواجهة ما يبدو مستحيلًا. والدّرب هي أن تعترفوا بالهشاشة والعجز اللّذين تختبرونهما إزاء العديد من المواقف الّتي تحيط بكم، ولكن أن تتحلّوا في الوقت عينه باليقين بأنّ قوّة المسيح بهذه الطّريقة تتجلّى في ضعفكم. في خضمّ العاصفة بالتّحديد، بلغ الرّسل إلى الاعتراف بملوكيّة يسوع وألوهيّته وتعلّموا أن يثقوا به.

في ضوء هذه المراجع البيبليّة، أودّ أن أغتنم هذه الفرصة لكي نتأمّل حول بعض الصّعوبات والفرص الّتي واجهتها العائلات في زمن الجائحة هذا. على سبيل المثال، زاد وقت التّواجد معًا، وشكّل ذلك فرصة فريدة لتعزيز الحوار في العائلة. من المؤكّد أنّ هذا يتطلّب ممارسة خاصّة للصّبر؛ لأنّه ليس من السّهل أن نكون معًا طوال اليوم عندما نكون مُضطرّين على العمل والدّراسة والاسترخاء والرّاحة في البيت عينه. لا تسمحوا للتّعب بأن يتغلّب عليكم؛ وإنّما لتجعلكم قوّة الحبّ قادرين على النّظر إلى الآخرين- إلى الزّوج أو الزّوجة والأبناء- أكثر من النّظر إلى تعبكم. أذكّركم بما كتبته في الإرشاد الرّسوليّ "فرح الحبّ"، مسترجعًا نشيد المحبّة للقدّيس بولس، أُطلبوا هذه العطيّة بإصرار من العائلة المقدّسة؛ وأعيدوا مجدّدًا قراءة نشيد المحبّة لكي تُلهم قراراتكم وأعمالكم. بهذه الطّريقة، لن يكون التّواجد معًا قصاصًا وإنّما ملجأ في خضمّ العواصف. لتكُن العائلة مكان استقبال وتفاهم. إحفظوا في قلوبكم النّصيحة الّتي قدّمتها للأزواج بالكلمات الثّلاث: "من فضلك، شكرًا عفوًا". وعندما ينشأ بينكم نزاع ما، لا تختموا نهاركم بدون أن تتصالحوا. لا تخجلوا من أن تركعوا معًا أمام يسوع في الإفخارستيّا لكي تجدوا لحظات سلام ونظرة متبادلة تقوم على الحنان والصّلاح. أو أن يمسك أحدكم بيد الآخر، عندما يكون غاضبًا قليلًا، لكي يختطف منه ابتسامة متواطئة. يمكنكم ربّما أن تتلوا أيضًا صلاة قصيرة معًا، بصوت عالٍ، قبل أن تخلدوا إلى النّوم، مع يسوع الحاضر بينكم.

صحيح أيضًا أنّه بالنّسبة لبعض الأزواج، كان التّعايش الّذي أُجبروا على عيشه أثناء الحجر الصّحّيّ صعب جدًّا؛ إذ تفاقمت المشاكل الّتي كانت موجودة، وولَّدت صراعات أصبحت في كثير من الحالات لا تطاق. كذلك عانى كثيرون أيضًا من تفكّك علاقة كانوا يجرُّون فيها أزمة ما كانوا يعرفونها أو لم يتمكّنوا من التّغلّب عليها. لهؤلاء الأشخاص أيضًا أودّ أن أعبّر عن قربي ومحبّتي. إنّ تفكّك العلاقة الزّوجيّة يولِّد الكثير من الألم بسبب تبدّد الانتظارات والآمال، كما يسبّب غياب الفهم أيضًا جدالات وجراح يصعب تخطّيها. وبالتّالي لا يَسلم حتّى الأبناء من ألم رؤية وأنّ الديهم لم يعودا معًا. ولكن حتّى في هذه الحالات، لا تتوقّفوا أبدًا عن طلب المساعدة لكي يتمَّ تخطّي النّزاعات بطريقة ما بدون أن تتسبب بالمزيد من الآلام بينكم وبين أبنائكم. إنَّ الرّبّ يسوع، برحمته اللّامتناهية، سيُلهمكم لكي تمضوا قدمًا في وسط العديد من الصّعوبات والأحزان. لا تتوانوا أبدًا عن طلبه وعن أن تبحثوا فيه عن ملجأٍ ونور للمسيرة، وعن أن تبحثوا في الجماعة عن بيت أبويّ يكون فيه مكان لكلّ واحد بحياته الصّعبة.

لا تنسوا أنّ المغفرة تشفي جميع الجراح. والمغفرة المتبادلة هي نتيجة قرار داخليّ ينضج في الصّلاة وفي العلاقة مع الله، إنّها عطيّة تنبع من النّعمة الّتي يملأ بها المسيح الزّوجين عندما يسمحان له أن يعمل وعندما يلجآن إليه. إنَّ المسيح "يقيم" في زواجكم وينتظر أن تفتحوا له قلوبكم لكي يتمكّن من أن يعضدكم بقوّة محبّته، كما فعل مع التلاميذ في السفينة. إنَّ محبتنا البشرية ضعيفة، وتحتاج إلى قوة محبة يسوع الأمينة. ومعه يمكنكم حقًّا أن تبنوا البيت على الصّخر. وفي هذا الصّدد، إسمحوا لي أن أوجّه كلمة إلى الشّباب الّذين يستعدّون للزواج. إذا كان من الصّعب قبل الوباء على المخطوبين أن يخطِّطوا لمستقبلهم إذ كان من الصّعب العثور على وظيفة ثابتة، فإنّ حالة عدم اليقين الوظيفيّ قد أصبحت أكبر الآن. لذلك أدعو المخطوبين لكي لا ييأسوا ويتحلّوا بـ"الشّجاعة الخلّاقة" الّتي تحلّى بها القدّيس يوسف، الّذي أردت أن أُكرِّم ذكراه في هذه السّنة المكرّسة له. هكذا أنتم أيضًا، عندما يتعلّق الأمر بمواجهة مسيرة الزّواج، على الرّغم من قلّة الإمكانيّات، ثقوا على الدّوام بالعناية الإلهيّة، لأنّه يمكن للصّعوبات في بعض الأحيان أن تستخرج من كلِّ فرد منّا مواردًا لم نعرف حتّى أنّنا نمتلكها. لا تتردّدوا في الاعتماد على عائلاتكم وصداقاتكم، وعلى الجماعة الكنسيّة، وعلى الرّعيّة، لكي تعيشوا الحياة الزّوجيّة والعائليّة في المستقبل وتتعلّموا من الّذين ساروا قبلكم على الدّرب الّذي تبدأون في السّير عليه.

وقبل أن أختم أريد أن أوجِّه تحيّة خاصة إلى الأجداد والجدّات الذين وفي فترة العزلة وجدوا أنفسهم غير قادرين على رؤية أحفادهم والبقاء معهم؛ وإلى المسنّين الّذين عانوا أكثر من الوحدة. لا يمكن للعائلة أن تستغني عن الأجداد، لأنّهم ذاكرة البشريّة الحيّة، ويمكن لهذه الذّاكرة أن تساعد في بناء عالم أكثر إنسانيّة وأكثر ضيافة. ليُلهم القدّيس يوسف في جميع العائلات الشّجاعة الخلّاقة، الضّروريّة في تغيير العصر هذا الّذي نعيشه، ولترافق العذراء مريم في حياتكم الزّوجيّة نموَّ ثقافة اللّقاء، المُلِحّة لكي نتغلَّب على المحن والتّناقضات الّتي تُظلم زمننا. لا يمكن للتّحدّيات العديدة أن تسلُبَ فرح الّذين يعرفون أنّهم يسيرون مع الرّبّ. عيشوا دعوتكم بعمقها، ولا تسمحوا للحزن بأن يحوّل وجوهكم. إنّ شريككم يحتاج إلى ابتسامتكم. وأبناؤكم يحتاجون إلى نظراتكم الّتي تُشجّعهم؛ كذلك يحتاج الرّعاة والعائلات الأخرى إلى حضوركم وفرحكم: الفرح الّذي يأتي من الرّبّ! أحيّيكم بمحبّة، وأحثّكم على المضيّ قدمًا في عيش الرّسالة الّتي أوكلها يسوع إلينا، مثابرين على الصّلاة وكسر الخبز. ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي وأنا سأصلّي يوميًّا من أجلكم!".