لبنان
16 كانون الثاني 2025, 09:45

رسالة من الأباتي بو رعد في عيد مار أنطونيوس الكبير

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه رئيس عامّ الرّهبانيّة الأنطونيّة جوزف بو رعد رسالة إلى الأنطونيّين لمناسبة عيد مار أنطونيوس الكبير، كتب فيها بحسب ما نشرت صفحة الرّهبانيّة على فيسبوك:

"يطلّ علينا عيد أبينا أنطونيوس الكبير في سنة مليئة بمواعيد الرّجاء وبمناسبات فرحة. فسيرة صاحب العيد الّتي طبعت بختمها جبين الحياة الرّهبانيّة، كانت ولا تزال مصدر إلها لنا ولمن أورثونا تراثًا أنطونيًّا قيّمًا يستحثّنا لإحداث نقلات نوعيّة في تأدية رسالتنا في عالم اليوم. فحياة أبي الرّهبان وسعيه الدّؤوب إلى القداسة يرسمان مسيرة إنسانيّة- روحيّة استثنائيّة، ويدفعاننا إلى التّفتيش بإصرار عن الحقيقة المحرّرة إلى التّقرّب من الله في زمن الانهيارات الّذي هو زمننا.

عشيّة إطلاق يوبيل 325 سنة برهبانيّتنا، "فرحون في الرّجاء"، أدعوكم إلى التّوقّف معنا عند إرث "حجّاج الرّجاء" الأنطونيّين وأثرهم.

إغتنموها مناسبة لرصد إيمانهم بالله وإيمانهم بمستقبل آخر لا تضعفه التّحدّيات والصّعوبات الّتي واجهتهم طيلة ثلاثة قرون ونيّف. تذهلنا قدرتهم على التّأقلم والابتكار وتحويل الأزمات إلى فرص التّجدّد والتّطوّر والتّمايز. فمن خلال تصفّحنا لكتاباتهم وتذوّقنا لإنتاجهم الرّوحيّ والأدبيّ والموسيقيّ والحجّ إلى أديارهم وتقصّي خياراتهم،... يستوقفنا استعدادهم للتّغيير وتبنّيهم لدعوة الرّبّ لتلاميذه "تعالوا نعبر إلى الشّاطئ الآخر". إنّ رجاءنا هو أن تشكّل العودة إلى الجذور والغوص في تراثنا طيلة هذه السّنة، فرصة لنستلهم من جرأة وشجاعة بنات وأبناء مار أنطونيوس الكبير ما نحتاجه لتدعيم أسس بنياننا الأنطونيّ ونفض الغبار عن موهبتنا الخاصّة.

فعيش المصالحة يشكّل المدماك الأوّل في عمليّة توطيد الأخوّة وتعزيز شعف العيش معًا ضمن الأسرة التّربويّة التّوّاقة إلى التّغيير. حسبنا التّوقّف، على مثال مجدّدي الحياة الرّهبانيّة عندنا، عن التّغنّي بماض مخيّل وعدم الاكتفاء بإدارة شؤون جماعاتنا المدرسيّة الآنيّة. علينا أن نسعى باستمرار لبلورة رؤية تكسر الجمود القاتل بالتّكرار المملّ وأن ننكبّ على صياغة مشروع تربويّ يستجيب لحاجات النّاس ويصغي لإلهامات الرّوح الّذي يدعونا بإلحاح للسّير إلى العمق.

يتزامن يوبيلنا الأنطونيّ مع السّنة اليوبيليّة المقدّسة للعام 2025، بعنوان "حجّاج الرّجاء". إنّها مناسبة فريدة لجميع مكوّنات عائلتنا التّربويّة لحجّ روحيّ نسير فيه معًا مسيرة التّخلّي عن الأوهام والضّمانات الهشّة الّتي تغذّي اليأس والإحباط وتسمّرنا في واقع يستنزف الحياة فينا بدل أن ينمّيها ويحفّزها على التماس ما هو أصدق وأسمى وأجمل. وحده الرّجاء المؤسّس على الإيمان بمن دعانا إلى الحياة وبعنايته الأكيدة بنا يولّد فينا الصّبر والثّبات لننهض ونقوى على المآسي الّتي خلّفتها الحرب الأخيرة من غياب لأحبّاء وتشرّد ودمار للمنازل وفقدان تعلّمي... فعلى مثال صاحب العيد الّذي هام في الله وتسلّح بالتّجرّد والفقر والتّواضع ليحيا بحضرته، علينا أن ندرك أنّ لا رجاء لنا إلّا في الله الأمين لوعوده. علينا أن نتشبّه بجذريّة أنطونيوس في خياره لله هو الّذي وضع يده على المحراث ولم يلتفت إلى الوراء، فلم يدع أيّ شيء يفصله عن المسيح مردّدًا بولس الرّسول: "فمن يفصلنا عن محبّة المسيح؟... لا موت ولا حياة، ولا ملائكة ولا أصحاب رئاسة، ولا حاضر ولا مستقبل...".

في عالم يتوق إلى الحبّ ويستجدي معنى لوجوده، نحن مدعوّون "كأنطونيّين" إلى أن نقتدي بـ"أب الرّهبان" ونتبحّر بالله الخالق والخلّاق وننبذ كلّ كلام عن الله يُستعمل لتبرير الحروب والمجازر وقمع الحرّيّات والظّلم.

أناشدكم، يا أعزّائي، ألّا تسمحوا لأحد أن يسرق رجاءكم بل انقادوا لروح الله ودعوه يوقظ الحلم الّذي يسكنكم فنحيا كأسرة أنطونيّة مع الكنيسة والبشريّة سنة فرح ورضى. موعدي معكم لمشاركتكم برامج الاحتفالات في كافّة صروحنا التّربويّة لا للتّغنّي بماضينا بل لاستشراف مستقبل أفضل لشبيبتنا ولبلدنا، حاملين "عكّاز أنطونيوس" الكبير الّذي يسندنا في السّهر واليقظة لالتقاط علامات الرّجاء المبعثرة بين حطام عالمنا المأزوم.

في ختام رسالتي السّنويّة هذه، أودّ أن أتوجّه إليكم، بإسمي الشّخصيّ وبإسم مجلس المدبّرين وجميع أبناء رهبانيّتنا الأنطونيّة، بأصدق الأدعية سائلًا الرّبّ يسوع أن يوقظ فيكم حلم القداسة الجميل ويمنحكم الجرأة لتقتفوا آثار "كوكب البرّيّة" الكثيرة.

عيد مبارك وكلّ عام وأنتم بخير."