لبنان
22 تشرين الثاني 2024, 07:20

رسالة كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك في ذكرى استقلال لبنان

تيلي لوميار/ نورسات
على الرغم من كلّ شيء، توجّه البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك، برسالة إلى أولاد لبنان بمناسبة عيد الاستقلال اللبنانيّ، لأنّ إيمانه بهذا الوطن ثابت.

 

نحتفل اليوم بعيد الاستقلال، لكنّ هذا الاحتفال يمرّ علينا في وطن معذّب، مجروح ومتألّم، عانى وما زال يعاني من آثار الحروب، التي دمّرت بنيته، وأثقلت كاهل أبنائه. نزيف المعارك لا يزال يترك أثره في قلوبنا وفي شوارعنا، وأيضًا تهجير العائلات والشهداء الذين سقطوا. في هذه اللحظة، نحتاج إلى أن نجدّد العزم والإرادة لنعيد بناء هذا الوطن من ركام الألم، وأن نضع نصب أعيننا رسالة السلام والمصالحة التي ستقودنا إلى مستقبلٍ مشرق.

 

هذه الجراحات تستصرخ ضمائرنا، وتدعونا جميعًا – مواطنين وقادة – إلى التراصّ في صفٍّ واحدٍ لإيقاف هذا النزيف، ولتضميد جراح الوطن عبر المصالحة وبناء أسس الوحدة الحقيقيّة. فلا يمكن أن يُستعاد الاستقلال بمعناه العميق، إذا استمرّ شبح الحرب والانقسام يخيم على سمائنا.

 

في تاريخنا القريب، شهدت ساحة الشهداء لقاءً تاريخيًّا، حيث توافد قادة هذا الوطن كافّة، بلا استثناء، للترحيب بالكاردينال أغاجانيان، الذي كان يدعو بكلّ محبّة إلى المصالحة وتوحيد اللبنانيّين. لقد جسّد الكاردينال بمواقفه ورسائله روح الحوار والوحدة، وعمل على تقريب القلوب وإعلاء مصلحة الوطن فوق كلّ اعتبار. إنّ استعادة هذا النهج والعمل بروحه، هو ما نحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى لنعيد اللحمة الوطنيّة ونمضي في مسيرة المصالحة الحقيقيّة.

 

إنّ غياب رئيس للجمهوريّة هو جرح مفتوح في قلب الوطن، وعقبة كبيرة أمام مسيرتنا نحو الاستقرار والازدهار. إنّ انتخاب الرئيس ليس مجرّد استحقاق دستوريّ، بل هو مسؤوليّة جماعيّة تقع على عاتق كلّ من يدرك أهمّيّة إعادة بناء مؤسّسات الدولة وتثبيت الاستقرار. الحياة الدستوريّة هي العمود الفقريّ للدولة، ومن دونها يتعثّر كل جهد لإصلاح البلاد وإنعاشها. لذا، بصفتنا الروحيّة، ندعو القوى السياسيّة جميعها إلى وضع خلافاتها جانبًا، والعمل معًا، بإخلاص وتجرّد، لاختيار رئيسٍ يكون رمزًا للوحدة ويسعى إلى تحقيق الخير للبنانيّين جميعهم. إنّ لبنان يحتاج إلى قيادة وطنيّة جامعة، تعمل من أجل السلام الداخليّ والتفاهم، وتعيد إحياء مؤسّسات الدولة وتفعيل دورها في خدمة الشعب.

 

لا يمكن للبنان أن ينهض إلّا بروح وطنّية تجمعنا وتلهمنا لبذل الجهد في سبيل المصلحة العامّة، بعيدًا عن الحسابات الضيّقة والمصالح الشخصيّة. نحن بحاجة إلى أن نحبّ الوطن لأجل الوطن، لا لأجل مكاسب آنيّة أو منافع خاصّة. وحين نضع مصلحة لبنان فوق كلّ اعتبار، سنتمكّن من بناء مستقبل يليق بتضحيات الأجيال السابقة وآمال الأجيال المقبلة.

 

لبنان يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى قادة يعملون يدًا واحدة، وقلبًا واحدًا، وإرادة واحدة لتحقيق الخير لأبنائه جميعهم. في هذه اللحظات العظيمة، أذكّركم برموز ثقافتنا وهويّتنا، بفيروز التي توحّدنا بصوتها في المناسبات، وبمدينة بعلبك التي تقف شاهدةً على عراقة هذا الوطن وجماله. دعونا نعمل معًا، نحن اللبنانيّين، متكاتفين، لنبني المستقبل الذي نحلم به، ولنجعل من الاستقلال واقعًا يوميًّا نعيشه، لا مجرّد ذكرى نحتفل بها.