رسالة الميلاد 2024 لبطاركة كنائس القدس ورؤسائها
في هذه الأيّام الحالكة التي تعصف بها الحروب والصراعات وتغلّفها حالة من عدم اليقين في منطقتنا، نؤكّد نحن بطاركة ورؤساء كنائس القدس الرسالة الميلاديّة الأزليّة: رسالة النور الحقيقيّ الذي يسطع في الظلمة؛ ميلاد ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح في بيت لحم. كما جاء في الإنجيل: «وَالنوُّرُ يضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تدْرِكْهُ» (يوحنّا 1: 5).
إنّ ميلاد المسيح هو اللحظة التي أضاء فيها نور خلاص الله للعالم للمرّة الأولى، لينير قلوب كلّ الذين يقبلونه، سواء في تلك الأزمنة أو في يومنا هذا. إنّه النور الذي يمنح "نعمة فوق نعمة" لكلّ من يسير في طريقه، متجاوزًا قوى الشرّ التي تسعى من دون هوادة إلى تدمير خليقة الله (يوحنّا 1: 16).
وكما شهد يوحنّا المعمدان لهذا النور بقوله: «أنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِيَّةِ: قوِمُوا طَرِيقَ الرَّبِ» (يوحنّا 1: 23، إشعياء 40: 3)، فإنّ إشعاع هذا النور الإلهيّ انطلق أوّلًا إلى أسلافنا الروحيّين، الذين قبلوا رسالة الخلاص وهم في "أرض ظلال الموت" (متّى 4: 16). هؤلاء، على الرغم ممّا واجهوا من آلام واضطهادات، حملوا نور المسيح القائم من بين الأموات إلى العالم أجمع، ليصبحوا شهوده في القدس وفي الأرض المقدّسة كلّها وحتّى أقاصي المسكونة.
اليوم، وبينما لا تزال الحروب تطحن الأبرياء وتسبّب معاناة لا توصف لملايين البشر في منطقتنا وحول العالم، يبدو وكأنّ شيئًا لم يتغيّر خارجيًّا. لكن في العمق، فإنّ ميلاد سيّدنا يسوع المسيح أطلق ثورة روحيّة مستمرّة تحوّل القلوب والعقول نحو طرق العدل والرحمة والسلام (ميخا 6: 8، أفسس 2: 17).
وبالنسبة إلى العائلات المؤمنة في الأرض المقدّسة، وأولئك الذين انضمّوا إلينا من حول العالم، فإنّ رسالتنا هي أن نشهد لنور سيّدنا المسيح المقدّس في الأماكن التي فيها ولد، وخدم البشريّة، وبذل نفسه عنّا، ثمّ قام من القبر إلى حياة جديدة. نقوم بذلك من خلال عبادتنا له في الأماكن المقدّسة، واستقبال الحجّاج والزوّار، وإعلان إنجيله المقدّس، والاستمرار في خدمات التعليم والشفاء وأعمال الرحمة، والدعوة إلى "إطلاق المأسورين وإرسال المنسحقين في الحرّيّة" (من إشعياء 61: 1، لوقا 4: 18-19).
وفي روح الميلاد المفعمة بالرجاء، نشكر الله القدير على وقف إطلاق النار الذي تحقّق مؤخرًا بين بعض الأطراف المتنازعة في منطقتنا، ونطالب بتوسيع هذه الخطوة لتشمل غزّة والمناطق كلّها التي تعاني ويلات الحروب. كما نجدّد نداءنا إلى تحرير الأسرى والمعتقلين جميعهم، وعودة المشرّدين والمهجّرين، وعلاج المرضى والجرحى، وتوفير الطعام والشراب للجوعى والعطشى، واستعادة الممتلكات المنهوبة أو المهدّدة، وإعادة إعمار ما دمّرته الحروب من منشآت عامّة وخاصّة.
وأخيرًا، في خلال هذا الموسم الميلاديّ المقدّس وما بعده، ندعو المسيحيّين وأصحاب النوايا الحسنة حول العالم إلى الانضمام إلينا في الصلاة والعمل إلى تحقيق هذه الرسالة النبيلة، سواء في موطن السيد المسيح أو في أي مكان يعاني فيه البشر من النزاعات والآلام. لأنّنا معًا، وبهذه الطريقة، نكرم حقًا رئيس السلام الذي وُلد متواضعًا في مذود في بيت لحم قبل أكثر من ألفي عام.