أستراليا
21 كانون الأول 2017, 10:39

رسالة المطران أنطوان شربل طربيه الميلاديّة: الله يكلّمنا بابنه يسوع

"الله يكلّمنا بابنه يسوع" تحت هذا العنوان وجّه وراعي الأبرشيّة المارونيّة في أستراليا المطران أنطوان- شربل طربيه رسالة عيد الميلاد، إلى أبناء أبرشيّته، قال فيها نقلاً عن "الوكالة الوطنيّة للإعلام":

 

"إنّ عظمة سرّ التّجسّد الإلهيّ الّذي نحتفل به في عيد الميلاد ينبع من محبة الله الّتي ظهرت بتصميمه الخلاصيّ، لأنّ الله وبعد معصية آدم وحوّاء لم يترك الإنسان الّذي خلقه على صورته ومثاله عرضة للخطيئة والشّرّ، بل وعده بمخلّص. ومنذ بدء الخليقة والله يحاول التّقرّب من الإنسان، والتّحدّث معه بأنواعٍ مختلفة، وقد كلّم آباءنا بلسان الأنبياء والمرسلين مرّات كثيرة، ولمّا بلغ ملء الزّمن (غلا 4/4) كلّمنا الله بابنه، الّذي أصبح إنسانًا بيسوع المسيح، فسكن بيننا وشابهنا في كلّ شيء، ما عدا الخطيئة.

أجمل ما في الميلاد أنّ الله لم يعد يتكلّم مع الإنسان بالواسطة، إنّما التقاه وجهًا لوجه، ودخل في حوار مباشر معه، وأصبح يحدّثه بلغة يفهمها ويشرح له عن ملكوت السّموات، كاشفًا أنّ كلّ إنسان مدعوّ لكي يصبح ابنًا لله بالتّبنّي.

يشكّل الاحتفال السّنويّ بعيد الميلاد مناسبة للإصغاء لكلام الله الّذي يهمس في أعماقنا قائلاً لنا إنّ "عمّانوئيل" هو حقيقة متجدّدة، لأنّ إلهنا هو فعلاً معنا اليوم وكلّ يوم وإلى منتهى الدّهر. إنّه أقرب إلينا منّا إلى ذواتنا، وما زال بإمكاننا أن نلتقيه ونستقبله مثل الرّعاة والمجوس، لتتحوّل حياتنا من القلق والحزن إلى السّلام والفرح الحقيقيّ.

عندما نتأمّل بمغارة الميلاد، نرى أنّ الله واضع نفسه ليصبح طفلاً صغيرًا في مذود حقير. عندها نفهم أنّ سرّ الحبّ بين الله والإنسان يمرّ في مغارة بيت لحم، كما في مقبرة أورشليم. والمهمّ في هذا العيد أن لا تأخذ الأمور الخارجيّة والثّانويّة كلّ اهتماماتنا، من هدايا وزينة شكليّة وفرصة سنويّة للتّمتّع والرّاحة، بل علينا أوّلاً أن لا ننسى أنّ عيد الميلاد هو عيد روحيّ وفيه نجدّد محبّتنا لله بممارسة سرّ التّوبة والاعتراف، مخصّصين وقتًا للصّلاة والمشاركة في القدّاس، فتصل فرحة العيد إلى عمق حياتنا الإيمانيّة والرّوحيّة، ولا تبقى سطحيّة وخارجيّة.
يبقى عيد الميلاد عيد العائلة، ومنه تنبع قدسيّة الزّواج في مفهومنا المسيحيّ. ولكن التّحدّيات الأخلاقيّة والإيمانيّة الّتي تواجهنا، وخصوصًا ما شهدناه مؤخّرًا في مجتمعنا الأستراليّ من حملات مغرضة ومضلّلة، وتشريعات جديدة، لم تسهم بابراز وجه أستراليا الحضاريّ، والتّعدّديّ، بل كرّست الانقسام الحاصل في المجتمع حول مسألة الزّواج. ومن المؤسف أن تضرب المفاهيم الإنسانيّة التّقليديّة وتقيّد الحرّيّات الأساسيّة، باسم حرّيّات مستجدّة، تحمل طروحات ومفاهيم غريبة، لا يمكن أن نرتكز عليها في بناء المجتمع والوطن، ولا تحمل أيّ ضمانة لمستقبل العائلة والإنسان. هذا الواقع أدّى إلى حالة القلق الّتي يعيشها الكثيرون من بيننا، خوفًا على مستقبل أولادهم وقيمهم الأخلاقيّة والعائليّة.
نحن اليوم نضع أمام طفل المغارة وأمّه مريم وأبيه يوسف كلّ همومنا وهواجسنا، رافعين الصّلاة في هذا الوقت مع كلّ أصحاب الإرادة الصّالحة من أجل السّلام والوحدة، ضمن التّنوّع في مجتمعنا، طالبين من الطّفل الإلهيّ أن ينير عقول المسؤولين السّياسيّين، لكي يعوا ضرورة إعادة النّظر في قوانين الزّواج الجديدة، ويروا أنّ إدخال تعديلات عليها يساهم في صون الحرّيّات الدّينيّة والحرّيّات العامّة، وإعادة اللّحمة والانسجام بين الأستراليّين. نصلّي معًا في هذا العيد، طالبين من العذراء مريم، أن تكون رفيقة دربنا وشفيعة مجمعنا الأبرشيّ المارونيّ الأوّل، الّذي أطلقناه بعنوان "نتقوّى في الإيمان وننمو في المحبّة. وقد شكّلت الدّورة الأولى الّتي عقدت في الخامس والعشرين من تشرين الثّاني الفائت، انطلاقة جيّدة وجدّيّة للتّحضير للدّورة الأساسيّة المقبلة، والّتي ستعقد من الثّاني عشر إلى الرّابع عشر من نيسان عام ألفين وثمانية عشر، فنسأل العذراء أن تقود مسيرتنا إلى ابنها يسوع، لكي يبارك أبرشيّتنا وأعمال مجمعنا، راجين أن يثمر تجدّدًا روحيًّا ورعويًّا ورسوليًّا لكلّ أبناء وبنات كنيستنا المارونيّة في أستراليا.

نسأل الله أن يكون الاحتفال بعيد القدّيس مارون في التّاسع من شباط المقبل، حيث سنستقبل في أبرشيّتنا ولأوّل مرّة ذخائر أبينا القدّيس مارون، مناسبة لنلتقي، بعضنا مع البعض، ونعيش الرّوحانيّة المارونيّة الأصيلة النّابعة من سرّ التّجسّد والفداء. وفخر الموارنة أن تكون القداسة هي الهديّة الأغلى والأجمل الّتي يقدّمونها إلى المجتمع والعالم في عيد الميلاد. ولد المسيح… هللويا!".