لبنان
26 كانون الأول 2022, 08:55

رسالة البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان بمناسبة عيد الميلاد 2022

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة عيد الميلاد المجيد وجّه البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك رسالة كتب فيها:

"بعد واحد وعشرين قرنٍ من ولادة المسيح، اليوم نتساءل في ذكرى عيدِ ميلادِه كيف كان سيولد المخلّص؟ هل كان سيولد أجمل من تلك الأيام التي وُلد فيها؟ وهل نحن مستحقّون بتجسّده؟ هذه هي العبارات التي تساومني في ذكرى ميلاد مخلصنا يسوع المسيح.

في ذلك الزّمان قبل ٢٠٢٢ سنة عندما حلّ وقت مجيئه، وقتُ ولادته دار ابواه في المدينة كثيرًا ليجدا مكانًا مناسبًا ولو كان فقيرًا ليفتح الطّفل عيناه على هذا العالم العائش في الظّلام، ظلام الرّوح والفكر، ولكنّها لم يجدا له، ولا حتّى غرفة صغيرة تغمره من البرد القارص السّائد في تلك الأيام. حتّى اضطرّا اللّجوءَ إلى المغارة المجاورة للمدينة وكأنّه لصٌّ مجرم يتوارى عن الأنظار وهو المخلّص الفادي المنتظر منذ أجيال. وأخيرًا وُلِد في مغارة فقيرة محرومٌ من أدنى حقٍّ من حقوق الإنسان في الماضي والحاضر، وُلِد المسيح مرفوضًا من مجتمعه ومنبوذًا من انسبائه متّخذًا الأرض الصّحراء مأوى له، والمغارة مسكنًا ومنها خرج لخلاص البشريّة مبشّرًا بالسّلام والمحبّة. هكذا اليوم يأتي ميلاده، ميلاد المخلّص الحبيب إلى بيتي الفقير فقيرٌ روحيًّا واجتماعيًّا يأتي إليَّ وأنا المنبوذ من انسيائي في المجتمع الدّوليّ والأقرباء الذين يحاوطون وطني، غير ميّالين وغير معتبرين، مهمّشين كياني ولكنّهم لا يدرون الفرح والابتهاج اللّذان في قلبي لأنّني أنا أكيد من نعم مخلّصي الطّفل الإلهيّ المخلّص الذي على صورته في المغارة، سيعطيني النّصر والخلاص رغم خطاياي ونكراني لجميله والخطيئة التي أبعدتني عنه وزجتني في هذا الظّلام والحرمان.

أنا أكيد من رحمته وغفرانه رغم الأحوال التي أمرُّ فيها من قتل وفتك وحروب خَلقتُها أنا بنفسي لنفسي فصرت مثل الإبن البار الذي أخذ أموال أبيه وبعثر بها لإشباع شهواته ورغباته الشّريرة. ولكنّه عاد بقلب نادمًا على ما عاشه في تلك المدينة منكوب ومحروم من المحبّة والحنين الأبويّ. هذه هي أمنيتي. أمنيتي أن أرى تلك اللّحظة التي أعود بها أنا أيضًا إلى مخلّصي – الطّفل، طفل بيت لحمَ المخلّص، أعود إليه بقلب نقيٍّ نادمًا على ما فعلته من انتهاكات وشواز لأنال تلك الرّحمة والمحبّة التي نالها بدوره الإبن الضال.

أعود بأمنية لأعيش تلك اللّحظات التي عاشها الرّعاة عندما بُشِّروا به من الملائكة يقولهم لهم "لقد وُلِد لكم اليوم مخلّصًا في مدينة داوود وهو المسيح الرّبّ". فلذا في هذا العيد المجيد نتوجّه إليه ونسأله أن يواسي القلوب الكسيرة ويرسل نورَه وعزاءه لكلّ المبتلين بالضّيقات. كما وينشرُ سلامه في هذا العالم المتخبّط في موجات الحروب والأزمات والارهاب. وكلّها لأهدافٍ فانية. نسأله من أجل الأرض التي وُلِد فيها وأوطانَنا في الشرق وخاصّة هؤلاء اللذين يتألمون من جميع أنواع العذاب الفردي والجماعي.فما لي اليوم أن أعطيكم اخوتي وأخواتي الأحباء غير الفرح العظيم، فرح ولادة المخلص ربُّنا يسوع المسيح الذي أتى إلينا بثوب الفقر والبساطة بالتواضع والمحبّة ليخلص شعبه من الهلاك الأبدي. لقد أتى ليُحي شعبه ويتبناهم بالمصالحة مع الأب الأزلي، لقد أتي لينقذنا جميعًا. ليرفعنا من القذارة كلّنا. فهو مخلّصُ البشريّة أجمع وليس فئات أو جماعات متفرّقة. فكل مَن آمن به خلص من عبودية الشيطان. مولود اليوم أتى ليرفعنا إلى القدس السماوية أين الفرح والابتهاج الدائم أين لا وجع ولا أنين. فمشاركتنا وتضمننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمشين والمستضعفين وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها فعين الله تفيض عليهم نعمًا وبركات. كما نرفع صلاتنا الى طفل المغارة طالبين أن يلمس بقلبه جميع المسؤولين في لبناننا الحبيب وأن يعيد إليهم حاسة الضمير التي ضاعت بين المصالح الشخصية والسياسية، نسأله ونحن على فاتحة عام جديد أن يُسقِطُ عنهم جبروت القساوة كي يفكروا بمصلحة الوطن وشعبه المنهوب الجريح، لأنّ الكراسي والمناصب في الوطن ليست ملك الأفراد بل مُلك الأوطان، فهلمّوا جميعًا لنساعد أوطاننا للخروج من هذه الأزمات المصطنعة. فنعلو عن أنانيتِنا وكبرياؤنا ونتمثّل بتواضع طفل المغارة يسوع ومحبّته اللانهاية. هكذا نشترك مع الرعاة ونركض إليه بالإيمان والأمل بالخلاص. وخلاصنا اليوم في هذه الأيام الصعبة التي تمر بها بلادنا المتألمة، هي الأراضي التي مرّ بها فادينا المسيح وقدّسها بوجوده فيها.

فليكن ميلاده ولادة جديدة لنا ولادة بالروح والجسد مهللين مثل الرعاة الذين استمعوا لنشيد الملائكة الذي يقول "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وللناس المسرّة".