الأراضي المقدّسة
18 تشرين الأول 2021, 13:50

رسالة البطريرك بيتسابالا إلى الكهنة قبل افتتاح المرحلة الأبرشيّة للمسار السّينودسيّ في الأرض المقدّسة

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا رسالة إلى جميع الكهنة، والمكرّسين والمكرّسات، والمؤمنين في أبرشيّة القدس للبطريركيّة اللّاتينيّة، قبيل الافتتاح الرّسميّ للسّينودس في جميع المناطق الرّعويّة في الأبرشيّات، في 30 تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل، كتب فيها بحسب إعلام البطريركيّة الرّسميّ:

"إنّ السّينودس العامّ للكنيسة، كما تعلمون جميعًا، قد أعيد تنظيم إجراءات سيره، من قبل قداسة البابا فرنسيس، بهدف خلق مناسبات لقاء وإصغاء ومشاركة وتخطيط، انطلاقًا من الواقع المحلّيّ، وذلك لتجنّب أن يكون السّينودس والوثائق النّاجمة عنه ثمرَ جهودٍ تأتي من فوق.

سينودس الكنيسة العامّ مكوَّنٌ الآن من ثلاث مراحل، تتفاعل فيه في البداية الكنائس المحلّيّة. المرحلة الأولى هي، في الواقع، على مستوى الأبرشيّات، ويجب أن تفعِّلَ فيها كلُّ كنيسة محلّيّة ديناميَّةَ إصغاء وتفكير في موضوع السّينودس. والمرحلة الثّانية على مستوى القارّات، والغاية فيها جمع أفكار كلّ الكنائس المحلّيّة في القارّة في تقرير واحد. والمرحلة الأخيرة تحمل تفكير الكنيسة الجامعة كلّها في لقاء المفوَّضين إلى السّينودس، من العالم كلّه، في روما، في لقاء مع الأب الأقدس.

في الأرض المقدّسة، في اجتماع مجلس الأساقفة الكاثوليك للأراضي المقدّسة، في ٥ تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، قرّرنا أن تشمل المرحلة الأولى كلّ الكنائس الكاثوليكيّة معًا غيرَ منفصلة. سنقوم إذًا بمسيرة تحضيريّة واحدة، وهي نفسها لكلّ كنائسنا. في المناطق الرّعويّة في الجليل وفي فلسطين، اخترنا الأب ديفيد نويهاوس، من الآباء اليسوعيّين، لينسّق الإجراءات المقبلة، ومعه فريق عمل من العلمانيّين والرّهبان والكهنة من كلّ الكنائس الكاثوليكيّة، يساعدونه في هذه المرحلة الأولى والهامّة. في الأردنّ، عُيِّن الأب مودي هندلية من الكنيسة الملكيّة للرّوم الكاثوليك، كما عُيِّن في قبرص الأب إبراهيم خيتا، من الكنيسة المارونيّة، وسيسيرون كلّهم بحسب الطّريقة نفسها.

الموضوع المقترح للتّفكير فيه هو "من أجل كنيسة سينوديّة، شركة ومشاركة ورسالة"، وهو موضوع يبيِّن بوضوح نية الأب الأقدس، وهي العمل على أن تقلِّل الكنيسة من التّركيز على الإكليرس فقط، بل تتكوّن تدريجيًّا كثمرة ناجمة من مشاركة أعضائها، ويشعر الجميع أنّهم في شركة الواحد مع الآخر، وليسوا "موضوع" مخطّط رعويّ أعدَّته بعض اللّجان في مكاتبها. ما نريده هو أن تكون مشاركة كاملة في حياة الكنيسة. يجب أن تعمل هذه الرّؤية من أجل مصداقيّة رسالة الكنيسة، والّتي نفهمها على أنّها شهادة حياة. ثمّ سنرسل ثمرة مسيرتنا إلى مجلس بطاركة الشّرق الكاثوليك، وهو بدوره سيرسل النّتائج النّهائيّة إلى الجمعيّة العامّة للسّينودس في روما.

لا يُطلَب منّا أن نُعِدّ وثائق طويلة مفصَّلة، بل علينا أن نرسل ملخَّصًا جامعًا موجزًا عن المسيرة الّتي نقوم بها. ولنتذكَّر أنّ هدف السّينودس، ومن ثمّ هذه الاستشارة، ليس إنتاج وثائق، لكن "غرس أحلام، وإيقاظ نبؤات ورؤى، والسّماح بالرّجاء لأن يزهر، وبعث الثّقة، وتضميد الجراح، وربط علاقات، وبعث فجر الأمل، والتّعلّم الواحد من الآخر، وخلق تصوّرات إيجابيّة تنير الأذهان، وتبعث الدّفء في القلوب، وتمنح القوّة لأيدينا" (الوثيقة التّحضيريّة 32).

كهنة الرّعايا عاملون أساسيّون في هذه المسيرة، لأنّهم وسطاء بين الأساقفة والشّعب. لهذا أدعو كلّ كهنة رعايانا أن يكونوا هم الأشخاص العاملين والمشجّعين لكلّ ما يطلب منّا الأب الأقدس، وأن يعملوا على أن تصير جماعاتنا كلّها مندمجة في هذه المسيرة. أرغب بشدّة في اندماج كلَّ مكونات الأبرشيّة في هذه المسيرة: الرّعايا والرّهبان والرّاهبات والأديرة التّأمّليّة، والإكليريكيّات، والشّباب، والمجموعات، والحركات، والجمعيّات، والمهاجرون، والعمّال الأجانب... كلّ من يشعر أنّ له شيئًا يقوله، يجب أن يساعَد ليقدر أن يقوله. كلمتهم قد تكون كلمة شكر أو تعبير عن سوء فهم أو رجاء أو خيبة أمل، أو توقّع، أو رغبة، أو توجيه. ومن المهمّ ألّا تنحصر هذه المرحلة من المسيرة السّينوديّة في الكلام على مشاكلنا فقط، لأنّ ذلك قد يكون عقيمًا ولا يؤدّي إلى رؤية. يجب أن تكون مسيرتنا مسيرة تنيرها كلمة الله، الّتي هي دائمًا كلمةٌ حاملةٌ للحياة.  

لهذا السّبب فكَّرنا أن نأخذ مثالًا لنا وأسلوبَ عمل، ما حدث مع تلميذَيْ عمواس، ومن ثم نقرأ "إنجيل عمواس". تكلّم التّلميذان على مشاكلهم، وفشل الصّليب، وهربا ووجدا أنفسهما بعيدَيْن عن القدس، وكانا جاهلين للمسيح. لكنّهما وجداه ينتظرهما على الطّريق، من دون جهد من طرفهما. ثمّ سار معهما وكشف لهما معنى الكتب المقدّسة، ولاسيّما ما يختصّ بمعثرة الصّليب. وتوقّف معهما وكسر الخبز معهما، وفتح أعينهما. وبفضل حضور المسيح في وسطهما أصبحا شاهدَيْن للقيامة.  

ماذا يمكن أن تكون إذًا طريقة السّينودس لبطريركيّة القدس؟

(1) الذّهاب إلى عمواس، أيّ إلى الأماكن الّتي ظهر فيها المسيح، وأن نتكلّم هناك عمَّا هو متعثِّر في حياتنا. (2) لكن لا يكفي أن نحصر كلامنا في ما هو متعثّر، لكن من المهمّ أن نربط خبرتنا في الحياة بالكتاب المقدّس، كما فعل يسوع مع تلميذَيْ عمواس، ونرى كيف يمكن للكتاب المقدّس أن ينير الأعمال البارزة في الحياة، وكيف يمكن أن يعطيها رؤية واتّجاهًا مختلفًا (صليب المسيح وصليبي). (3) سنكتشف هكذا معنى الكتب المقدّسة في ما يختصّ بقيامة المسيح وبحياتنا. (4) ثمّ سنكسر الخبز في ذلك المكان، ونسمح للمسيح أن يعيدنا إلى القدس، (5) لنبشّر الرّسل بما حدث لنا على الطّريق.

على اللّجان، بقيادة المنسّقين في المناطق، أن ترسل سريعًا وثيقة مرجعيّة، تساعد على التّفكير السّينوديّ، وفيها أسئلة وتوجيهات عمليّة، لتسهيل الدّيناميّات المختلفة في مختلف المجالات الرّعويّة. هذا طبعًا اقتراح فقط. يمكن استخدام أمثلة أخرى من الكتاب المقدّس، وأساليب أخرى. المهمّ هو أن نلتقي ونصغي بعضنا إلى بعض، على أن يكون هذا الإصغاء مضاءًا بكلمة الله، ولا يبقى كلمة بشريّة فقط.

نحن معتادون عامّة على التّفاعل مع بقاء كلّ واحد في بيئته الخاصّة كمرجعيّة له: الشّباب مع الشّباب، والرّهبان مع الرّهبان، والعائلات مع العائلات، الخ. في رأيي من المهمّ لو التقينا على كلّ المستويات، الشّباب مع العائلات، والمسنّين في دور المسنّين، أو القيام بزيارة إلى البيوت، ولقاء واقع لم نكن نعرفه من قبل، ولو التقت الرّعايا المحلّيّة مع الغرباء، والعمّال الغرباء مع المؤمنين المحلّيّين، وهكذا. وأهمّ من الخطابات النّظريّة، من المفيد الإصغاء وتلاقي الخبرات، الّتي نتعلَّم منها: من الأفضل الذّهاب إلى دير والإصغاء إلى خبرة حياة الرّاهبات، بدلاً من خطاب على الحياة الرّهبانيّة. والإصغاء إلى خبرة حياة من ابن رعيّة القدس، أفضل من خطاب بليغ على حياة الكنيسة المحلّيّة. والسّير أيضًا مادّيًّا من قاعة رعيّتنا، ومن مركز نشاطاتنا، للقاء واقع كنيسة أخرى لا نعرفها، هذا يمكن في رأيي أن يغيِّر الأمور.

ومع ذلك يجب ألّا نتوقَّع تغيّرات كبيرة مفاجئة من كلّ هذا، وثمارًا خارقة العادة. الثّمار تأتي دائمًا بعد زمن طويل، وبعد العمل في الحقل. سيكون نجاحًا كبيرًا لو أدّى هذا السّينودس إلى بدء طريقة جديدة في اللّقاءات بين الجماعات، حيث نشعر جميعًا أنّنا شركاء في حياة واحدة، متّحدين في شخص يسوع المسيح، رأس إيماننا، وهو الّذي يعطي معنى لوجودنا هنا في الأرض المقدّسة، وهو الّذي يغذّي ويضيء الحبّ الّذي يسند حياتنا.

سيكون الافتتاح الرّسميّ للسّينودس في جميع المناطق الرّعويّة في الأبرشيّات، في اليوم نفسه معًا، في 30 تشرين الأوّل/ أكتوبر وفي السّاعة نفسها، الحادية عشرة صباحًا. في الجليل وفلسطين سيكون الافتتاح في دير رافات، في مناسبة الاحتفال بعيد سيّدتنا مريم العذراء سيّدة فلسطين. وفي الأردنّ، في كنيسة سيّدتنا مريم العذراء النّاصريّة، في الصّويفيّة (عمّان)، وفي قبرص في الكاتدرائيّة المارونيّة في نيقوسيا. هذا وقت هامّ وله دلالته. وأرجو أن تكون المشاركة فيه كثيرة.

أدعوكم جميعًا إلى الحضور في هذه المرحلة الهامّة من حياة كنيستنا والكنيسة الجامعة. وأكرّر مرّة أخرى دعوتي إلى كهنتنا، وكهنة الرّعايا وكلّ العاملين الرّعويّين الملتزمين في هذا السّينودس الجديد، راجيًا التّعاون مع مختلف المنسّقين واللّجان السّينوديّة المتنوّعة. يجب أن نقوم بذلك ليس فقط لأنّه مطلوب منّا أن نقوم به، بل لأنّنا مقتنعون بأنّه مَسعًى جميل ومفيد لحياة كنيستنا. أرجو أن تشعل هذه المسيرة الّتي أطلقها البابا فرنسيس اندفاعنا وحبّنا للكنيسة. بإنتظار لقائنا سريعًا، أتمنّى للجميع ولكلّ واحد كلّ خير وبركة منه تعالى. كما نطلب شفاعة سيّدة فلسطين مريم العذراء لكي ترافقنا في هذه المسيرة الرّوحيّة."