الفاتيكان
25 شباط 2025, 12:54

رسالة البابا فرنسيس لمناسبة زمن الصّوم 2025

تيلي لوميار/ نورسات
تحت عنوان "لنسر معًا في الرّجاء"، صدرت ظهر اليوم رسالة البابا فرنسيس بمناسبة زمن الصّوم لعام ٢٠٢٥ كتب فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"بعلامة التّوبة الّتي هي الرّماد على رؤوسنا، نبدأ الحجّ السّنويّ للصّوم المقدّس في الإيمان والرّجاء. والكنيسة، الأمّ والمعلّمة، تدعونا لكي نُعدّ قلوبنا وننفتح على نعمة الله لكي نتمكّن من أن نحتفل بفرح عظيم بانتصار المسيح الرّبّ على الخطيئة والموت، كما هتف القدّيس بولس: "لقدِ ابتَلَعَ النَّصْرُ المَوت. فأَينَ يا مَوتُ نَصْرُكَ؟ وأَينَ يا مَوتُ شَوكَتُكَ؟". في الواقع، إنّ يسوع المسيح، الّذي مات وقام، هو محور إيماننا وضامن رجائنا في وعد الآب العظيم، الّذي تحقّق فيه، ابنه الحبيب: الحياة الأبديّة.

في هذا الصّوم الكبير، الّذي تغنّيه نعمة السّنة اليوبيليّة، أودّ أن أقدّم لكم بعض التّأمّلات حول ما يعنيه أن نسير معًا في الرّجاء، وأن نكتشف الدّعوات إلى الارتداد الّتي توجّهها رحمة الله إلينا جميعًا، كأفراد وكجماعة. أوّلًا، السّير. إنّ شعار اليوبيل "حجّاج الرّجاء" يذكّرنا بمسيرة شعب إسرائيل الطّويلة نحو أرض الميعاد الّتي يرويها سفر الخروج: المسيرة الصّعبة من العبوديّة إلى الحرّيّة، الّتي أرادها الرّبّ الّذي يحبّ شعبه وهو أمين له على الدّوام. ولا يمكننا أن نتذكّر الخروج في الكتاب المقدّس بدون أن نفكّر بالعديد من الإخوة والأخوات الّذين يهربون اليوم من أوضاع البؤس والعنف ويذهبون بحثًا عن حياة أفضل لهم ولأحبّائهم. وهنا تنشأ أوّل دعوة للارتداد، لأنّنا جميعًا حجّاج في الحياة، ولكن يمكن لكلّ واحد منّا أن يسأل نفسه: كيف أسمح لهذه الحالة بأن تسائلني؟ هل أنا حقًّا في مسيرة أم أنا بالأحرى مشلول أراوح مكاني مع الخوف واليأس، أو راقد في منطقة راحتي؟ هل أبحث عن سبل لكي أتحرّر من حالات الخطيئة وغياب الكرامة؟ سيكون تمرينًا جيّدًا في زمن الصّوم أن نواجه أنفسنا بالواقع الملموس لبعض المهاجرين أو الحجّاج ونسمح له بأن يشملنا لكي نكتشف ما يطلبه الله منّا لكي نكون مسافرين أفضل نحو بيت الآب. إنّه "امتحان" جيّد لشخص في مسيرة.

ثانيًا، لنقم بهذه الرّحلة معًا. أن نسير معًا، أن نكون سينودسيّين، هذه هي دعوة الكنيسة. إنَّ المسيحيّين مدعوّون لكي يسيروا معًا، وليس كمسافرين منفردين. والرّوح القدس يحثّنا على أن نخرج من أنفسنا لكي نسير نحو الله ونحو إخوتنا وأخواتنا، ولكي لا ننغلق أبدًا على أنفسنا. إنّ السّير معًا يعني أن نكون ناسجين للوحدة، انطلاقًا من كرامتنا المشتركة كأبناء الله؛ وهذا يعني أن نسير جنبًا إلى جنب، بدون أن يدوس أحدنا على الآخر أو يسحقه، وبدون أن نضمر حسدًا أو رياءً، وبدون أن نسمح بأن يُترك أحدٌ في الخلف أو يشعر بأنّه مستبعد. لنسر في الاتّجاه عينه، ونحو الهدف عينه، في الإصغاء إلى بعضنا البعض بمحبّة وصبر.

في زمن الصّوم الكبير هذا يطلب الله منّا أن نتحقّق ممّا إذا كنّا قادرين في حياتنا، في عائلاتنا، في الأماكن الّتي نعمل فيها، في الرّعايا أو في الجماعات الرّهبانيّة، على أن نسير مع الآخرين، على أن نصغي، ونتغلّب على تجربة الانغلاق في مرجعيّتنا الذّاتيّة والاهتمام بحاجاتنا الخاصّة فقط. لنسأل أنفسنا أمام الرّبّ إن كنّا قادرين على أن نعمل معًا كأساقفة وكهنة ومكرّسين وعلمانيّين، في خدمة ملكوت الله؛ إن كان لدينا موقف استقبال مع تصرّفات ملموسة، تجاه الّذين يقتربون منّا والبعيدين؛ إن كنّا نجعل الأشخاص يشعرون بأنّهم جزء من الجماعة أم أنّنا نبقيهم على الهامش. هذا هو النّداء الثّاني: الارتداد إلى السّينودسيّة.

ثالثًا، لنقم بهذه المسيرة معًا على رجاء الوعد. ليكن لنا الرّجاء الّذي لا يخيب، الرّسالة المحوريّة لليوبيل، أفق مسيرة الصّوم نحو انتصار الفصح. كما علّمنا البابا بندكتس السّادس عشر في الرّسالة العامّة "بالرّجاء مخلَّصون"، "يحتاج الإنسان إلى الحبّ غير المشروط. ويحتاج إلى ذلك اليقين الّذي يجعله يقول: "لا مَوتٌ ولا حَياة، ولا مَلائِكَةٌ ولا أَصحابُ رِئاسة، ولا حاضِرٌ ولا مُستَقبَل، ولا قُوَّاتٌ، ولا عُلُوٌّ ولا عُمْق، ولا خَليقَةٌ أُخْرى، بِوُسعِها أَن تَفصِلَنا عن مَحبَّةِ اللهِ الَّتي في المَسيحِ يَسوعَ رَبِّنا". إنَّ يسوع، محبّتنا ورجاءنا، قد قام من الموت ويحيا ويملك مجيدًا. لقد تحوّل الموت إلى انتصار، وهنا يكمن إيمان المسيحيّين ورجاءهم العظيم: في قيامة المسيح!

هذه هي الدّعوة الثّالثة إلى الارتداد: دعوة الرّجاء والثّقة بالله وبوعده العظيم، الحياة الأبديّة. علينا أن نسأل أنفسنا: هل أنا مقتنع بأنّ الله يغفر خطاياي؟ أم هل أتصرّف وكأنّني قادر على أن أخلِّص نفسي بنفسي؟ هل أطمح إلى الخلاص وأطلب مساعدة الله لكي أقبله؟ هل أعيش بشكل ملموس الرّجاء الّذي يساعدني على قراءة أحداث التّاريخ ويدفعني إلى الالتزام لصالح العدالة والأخوّة والعناية بالبيت المشترك، والعمل لكي لا يُترك أحد في الخلف؟

أيّها الأخوات والإخوة، بفضل محبّة الله في يسوع المسيح، نحن قد حُفظنا في الرّجاء الّذي لا يخيِّب. إنَّ الرّجاء هو "مرساة الرّوح"، الآمنة والثّابتة. فيه تصلّي الكنيسة لكي "يَخْلُصَ جَميعُ النَّاسِ" وتتطلّع لكي تكون في مجد السّماء متّحدة بالمسيح عريسها. لقد عبّرت القدّيسة تيريزا ليسوع عن ذلك بهذه الطّريقة: "أُرجي يا نفسي، أُرجي. أنت لا تعرفين اليوم ولا السّاعة. اسهري جيّدًا، لأنَّ كلّ شيء يمرّ في نَفَسٍ واحد، مع أنّ عدم صبرك قد يجعل غير مؤكّد ما هو أكيد، والوقت الطّويل قصيرًا جدًًّا". لتشفع لنا العذراء مريم، أمّ الرّجاء، ولترافقنا في مسيرة الصّوم الكبير."