لبنان
17 كانون الثاني 2018, 14:45

رسالة الأباتي ابوجوده في عيد القدّيس أنطونيوس الكبير

لمناسبة عيد القدّيس أنطونيوس الكبير، وجّه رئيس عام الرّهبانيّة الأنطونيّة الأباتي مارون ابوجوده رسالة معايدة جميع مكوّنات الأسرة التّربويّة الأنطونيّة بحسب ما أوردت صفحة الرّهبانيّة، جاء فيها:

 

سلام بالرّبّ يسوع،

بفرح عظيم أتوجّه إليكم في رسالتي الأولى، بمناسبة عيد القدّيس أنطونيوس الكبير، بعد تولّي رئاسة الرّهبانيّة الأنطونيّة بالمحبّة. وأودّ أن أغتنمها فرصة لكي أؤكّد لكم محبّتي وصلاتي لكلّ فرد من أفراد الأسرة التّربويّة وأهمّيّة تجديد إلتزامنا بالأرث الأنطونيّ الذي يلهمنا في السّير معا حول تحقيق الكمال التّربويّ.
تميّزت سيرة القدّيس أنطونيوس الكبير بالجّهاد الرّوحيّ لتحقيق الوحدة. كما أُطلق على أتباع أب الرّهبان تسمية Monos باليونانيّة أيّ الذين يعيشون الوحدة الدّاخليّة ويعملون في كرم الرّبّ لجمع الشّمل في مسيرتهم نحو الملكوت.
إنطلاقًا من هذه الرّوحانيّة، أتوجّه إلى جميع مكوّنات الأسرة التّربويّة الأنطونيّة للسّهر معًا على صون الوحدة وتعزيز الرّوح العائليّة والعدالة والاعتراف بالتّنوّع الذي تحلّت به مدارسنا منذ نشأتها.
وأمام التّحديات الّتي نواجهها معًا وبالأخص تلك المتعلّقة بتطبيق سلسلة الرّتب والرّواتب، أدعوكم إلى عدم الانجرار نحو التّشكيك وفقدان الثّقة وإنّما التّحلّي بالتّجرّد الّذي إتّسمت به حياة "كوكب البرّيّة" والذي يُشكّل مقاربة سلميّة لمسألة إدارة كلفة التّعليم في مراكز رسالتنا التّربويّة في زمن نعاني فيه من تداعيات سلبيّة أدّت إلى غياب إعالة الدّولة التي تكتفي بالتّشريع وتضعنا وجها لوجه أمام بعض، نتخبّط لإيجاد سبل تؤمّن استمراريّة مؤسّساتنا ذات المنفعة العامة، بدل أن نتعاون على تطوير سبل التّعليم وخدمة الأجيال الصّاعدة.
وبمناسبة عيد شفيعنا الّذي عشق "المعلّم الأوّل" في صحرائه والّذي بأقواله القليلة والعميقة وبمثله عَلم الرّعيل الأوّل من المكرّسين، نجدّد إلتزام الرّهبانيّة برسالة التّعليم، ونؤكّد أنّنا سنعمل بمعونة الرّبّ وبروح التّضامن وبمساعدة أصحاب الإرادة الصّالحة وبمنطق "الخير العام" على الإستمراريّة في تأمين التّعليم للجميع مع إعطاء الأولويّة للأكثر حاجة، فضلًا عن دعم حضورنا في المناطق النّائية والحدوديّة وعدم المساهمة في تهجير ما تبقّى من المواطنين، وفي خسارة فرص العمل، وحرمان بلاد الأرز من جودة التّعليم التي لمدارسنا الكاثوليكيّة القسط الأكبر في جعلها رائدة ليس فقط على صعيد لبنان، بل في عالمنا العربيّ، من ناحية دورها كمدرسة تعايش وتدرّب على الوحدة في التّنوع، وعلى ثقافة الحياة المنفتحة، وتخريج صانعي السّلام.
كما أنّني أتوجّه بالمعايدة إلى الأهلين الذين تبنّوا خيارات التّربية الأنطونيّة وذلك من خلال المساعدة على تنمية أولادهم بالقامة والفكر والمعرفة. فعلى الرّغم من الأوضاع الاقتصاديّة، نطلب إلى اللّه الذي يغمرنا بنعمه، مساعدتنا فنتمكّن معًا من تأمين الكمال التّربويّ إنطلاقًا من روح الشّراكة التي ميّزت أديارنا وأبناء الكنيسة وسائر المواطنين. كما نسأل اللّه بشفاعة مار أنطونيوس أن يوفّق الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة لمطالبة الدّولة بتأمين البطاقة المدرسيّة، حقّ المواطنين في دولة تحترم حرّيّة التّعليم وخيار الأهل.
أحبّائي،
إنّ إدارات مدارسنا تسعى جاهدة بمؤازرة مكتبنا التّربويّ وجامعتنا إلى تعزيز التّنشئة المستمرّة للهيئة التّعليميّة وتعزيز الانتماء الأنطونيّ والمهنيّ لدى الكوادر التّربويّة.
وفيما نصنع تذكار المعلّم أنطونيوس، أتوجّه إلى كلّ معلّم ومعلّمة بالشّكر على الجهود الكبيرة التي يبذلونها يوميًا بهدف الإسهام بتألّق مدارسنا، وأؤكّد على مكانتكم في قلب الرّهبانيّة وعلى حرصنا الكامل على تقدّمكم في مسيرتكم ونيل حقوقكم.
ولكنّي أدعوكم بالمقابل في عيد العائلة الأنطونيّة، عيد مار أنطونيوس، أن تجدّدوا العزم وتولوا إنتماءكم الأنطونيّ الأولويّة وتبرهنوا ذلك في أفراحنا وإنجازاتنا خاصّة في زمن المصاعب والشّدائد، فأمس تعمّدتم في أديارنا ورعايانا، وكبرتم وصلّيتم، واليوم تتعلّمون في أديارنا ومدارسنا، وها أنتم تشاركون الرّهبان في انجاح المسيرة التّربويّة، لذا فإن ريادة مدارسنا هي مسؤوليّة تقع على أكتافكم أيضًا، والتّعاون البرهان عن ثقتكم لأنكم تعلّمون أولادكم فيها، فلا بدّ من الدّفاع عنها وتعزيز حضورها.
أحبّائي التّلاميذ،
أنتم الّذين تحملون عصا مار أنطونيوس شعارًا على مفكّرتكم ودفاتركم وتتباهون بها تزيّن زيّكم، اقتدوا بقدّيسنا السّاهر اليقظ، وتحلّوا بفضيلة المثابرة على العشق الإلهي والاجتهاد بالدّراسة لكي تتألّقوا بالنّجاح، فمؤسّساتنا هي صروح المستقبل الذي تبنوه بكدّكم وتعبكم، وتجاوبكم مع تطلّعات المدرسة وانتظارات أهلكم منكم. فآمنوا فيها ومن خلالها لتبلغوا ملء قاماتكم على سعة قامة المسيح.
لقد عُرف مار أنطونيوس بالانتفاضة على الرّكود النّاعم، وبثّ في الكنيسة روح الشّهادة للحقّ، فانطلاقًا من روح الشّباب، أدعوكم إلى تغيير العالم وعدم الاستسلام، لتبنوا عالمًا ينتصر بالحقّ على الظّلم والظّلام. ويلفتني أنّ الدّفاع عن الحقّ هو الذي يجمع فكر الدّيانات كلّها الحاضرة في مؤسّساتنا التّربويّة، والذين معهم نودّ القيام بمسيرة تضمّ جميع أبناء الله المشتّتين في بوتقة واحدة تنتصر للانسان وللحقّ والمساواة، أساس ازدهار الأمم والأوطان.
أحبّائي
في هذه السّنة الدّراسيّة المخصّصة لتحفيز الرّاعويّة المدرسيّة وتعزيزها، تدعونا مدرسة الإيمان التي أطلقها مار أنطونيوس إلى التّبحّر في معرفة اللّه، وعدم الاكتفاء بصقل ثقافتنا العلمية فقط، وذلك لقطع الطّريق على الجهل الدّينيّ سبب التّطرّف. من هنا، علينا التأمّل في سيرة الّذي نحتفل بتذكاره، نحن الّذين نفتّش عن معنى الوجود من خلال الاختلاء والصّوم وحمل العالم إلى خالقه. وبما أنّنا ننتمي إلى مدارس تابعة للرّهبانيّة نحثّ جماعتنا التّربويّة أن تغدوَ فسحة للصّلاة والغفران والمشاركة وأن تكون شاهدة للقائم من بين الأموات في سنة الشّهادة والشّهداء.
وفي الختام، أستودعكم نعمة الرّبّ يسوع بشفاعة القدّيس أنطونيوس الكبير.
عيد مبارك وكلّ عام وأنتم بخير.