لبنان
10 تشرين الثاني 2025, 12:15

رزق في ذكرى تأسيس الرّهبانيّة المريميّة: لا نخاف من التّحدّيات لأنّ الله ساهر على وقفه وعلى أهل بيته

تيلي لوميار/ نورسات
إحياءً للذّكرى الـ٣٣٠ لتأسيس الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة، احتفل الرّئيس العامّ الأباتي إدمون رزق مساء الأحد في كنيسة دير سيّدة اللّويزة الأثريّة- حيث ضريح المؤسّس المطران عبدالله قراعلي- بصلاة المساء الخاصّة بالمناسبة، محاطًا بالآباء المدبّرين العامّين والمسؤولين العامّين، ولفيف من أبناء الرّهبانيّة يتقدّمهم الرّؤساء العامّون السّابقون.

وقد خدمت الاحتفال جوقة الرّهبانيّة بإدارة الأب خليل رحمه، وألقى الرّئيس العام عظةً بالمناسبة أكّد فيها على المعاني الرّوحيّة والرّساليّة لمسيرة الرّهبانيّة عبر القرون، داعيًا إلى الثّبات في الإيمان وخدمة الكنيسة والإنسان على مثال المؤسّس والرّهبان الأوائل قال فيها بحسب إعلام الرّهبانيّة:

"وسألني الرّبّ: "ماذا ترى يا إرميا؟" (إر1: 11)

حضرة الآباء الـمدبّرين الجديرين بكلّ احترام،

قدس الرّؤساء العامّين السّابقين الأجلّاء،

حضرة الأباء والإخوة، أبناء الطّوباويّة مريم سيّدة اللّويزة،‎

أيّها الرّهبان المريميّون في لبنان وفي بلاد الانتشار الأحبّاء،

لننظر حولنا، ماذا نرى؟ ‏

مساحات وأديارًا ومؤسّسات، رعايا وتلاميذ وطلّاب ...

انشغالات وإنجازات، ‏ومواسم تنمو وأجيال تثمر...

وشمسًا لا تزال تشرق على ألحان صوتنا في الأديار ‏وتغيب على أنغام تسابيحنا،

ولكن، أهذا فقط ما نراه؟ ‏

قد تخطّت أعيننا شجرة اللّوز، ومواسم اللّوز باتت مثل المواسم الأخرى، لا تعنينا أكثر من غيرها، لأنّنا اعتدنا عليها. ونحن شاكرون لكلّ المواسم الّتي يرزقنا الله إيّاها. ‏لكن في شجرة اللّوز سرٌّ كبيرٌ: سرّ سيّدة اللّويزة السّاهرة. مريم شفيعة رهبانيّتنا هي مصباحٌ نقتدي به على دروب الرّهبانيّة. وإن نظرنا إلى شجرة اللّوز ولم تعننا أكثر من غيرها، فإنّنا كمن ينظر إلى شجرة الرّهبانيّة ولا تعنيه بمميّزاتها. ‏

لننظر حولنا ونتأمّل، ماذا نرى؟

أنرى سنين الجهاد في تأسيس هذه الرّهبانيّة؟

أنرى الإصرار في بنائها وفي رسم قوانينها؟

أنرى المؤسّسين الّذين يتركون كلّ شيء: كلّ غنًى وكلّ إرث وكلّ جاه ويتجرّدون من العالم في سبيل الله؟ ماذا عن يوم لبس الإسكيم الرّهبانيّ على يد البطريرك اسطفان الدّويهى، أيمكن لنا أن نتصوّره؟

إنّ حلم ثلاثة شبّان صنع يومنا هذا ببركة الله: ثلاثة شبّان من حلب، جبرائيل حوّا، وعبد الله القرعليّ، ويوسف البتن، تركوا العالم وراءهم، وجاؤوا إلى لبنان، إلى دير القدّيسة مورة في إهدن، حيث باركهم البطريرك اسطفان الدّويهى وألبسهم الثّوب الرّهبانيّ في العاشر من تشرين الثّاني سنة 1695‏‎.‎‏ وهكذا بدأت الحكاية: حكاية حبّ بشريّ يلاقي حبّ الإله، حكاية نعمة تعمل في الضّعف، وطاعة تثمر قداسةً..‎.‎

فتأسّست الرّهبانيّة الغالية على قلب مريم، لأنّها تحضنها وتسهر عليها وهي تحمل اسمها بكلّ فخر واعتزاز.

اليوم، نرى جمال ما زرعوا وما نمّاه الله.

اليوم نتقدّس بحبّ الله وبشفاعة مريم نقترب منه أكثر، ونتبارك بما ورثناه من الّذين سبقونا واعتنقوا نذور هذه الرّهبانيّة وانتموا إليها: نذورٌ وضعها المؤسّسون رغبةً في السّعي إلى الكمال، وهي لا تزال تزيّن وتنير دربنا وتحمينا، حتّى إن عثرنا. تحمينا من السّقوط الأبديّ وتنير دروب العودة على ضوء فضائل مريم وإرشادات المـؤسّسين.

لنصغ بعمق إلى من يحاكينا!

عيدٌ مباركٌ يعود، عيد الشّكر والتّجديد، عيد الثّلاثمئة والثّلاثين سنةً على ولادة دعوتنا المقدّسة، دعوة الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة.‏

أيّها الإخوة الأحبّاء، في لبنان وفي بلاد الرّسالة،

في رؤيتنا ليومنا، لا يمكننا أن نتناسى ما فعله وجاهد من أجله أسلافنا، فحياتهم لم تكن معزّزةً مكرّمةً، بل كانت تعبًا كثيرًا وتعبًا قليلًا حتّى وصلوا إلى "دون تعب"، تمامًا مثلما علّمنا مثلّث الرّحمة المـطران عبدالله قرعلي في فهم النّذور. وإن كنّا اليوم نرى كلّ ما للرّهبانيّة من مصالح وانتماءات، فدعونا لا ننس أنّها مسؤوليّاتٌ أكثر منها مصالح، وأنّها كرومٌ علينا أن نتعب فيها "كالدّوالي من فيض المحبّة".

عندما سأل الرّبّ إرميا ماذا ترى، يكمل إرميا ويقول: "إنّي أرى غصن لوز". وهي الشّجرة السّاهرة، فيقول له الرّبّ: "قد أحسنت فيما رأيت، فإنّي أنا ساهرٌ على كلمتي لأصنعها". وهذا ما أدعوكم يا إخوتي لتروه.‏

إنّ الله ساهرٌ علينا وعلى تحقيق كلمته فينا. ومن هذه الرّهبانيّة بالذّات، يحقّق الرّبّ مشروع خلاصه، برهبان ساهرين على النّفوس، غيورين على الإصلاح، مجاهدين من أجل البشارة والتّربية.‏ فلا نخاف يا إخوتي من التّحدّيات، لأنّ الله ساهرٌ على وقفه، وعلى أهل بيته، فكيف ولو كان وقف أمّه مريم وأولادها المريميّون؟‏

صلاتي اليوم أن نرى النّعم في هذه الرّهبانيّة ونشكر الله عليها.‏

صلاتي أن ترفع الكنيسة قدّيسيننا وتعلن سيرتهم الحسنة أمام شعب الله ليستنيروا من تعاليمهم.‏

صلاتي أن لا نخاف التّعب الكثير ولا التّعب القليل وأن يبقى هدفنا واضحًا: الوصول إلى الله في حياتنا وتمجيده في كلّ حين.‏

أعايدكم يا إخوتي الأحبّاء وأختم بتأمّل في مريم للبابا القدّيس بولس السّادس في المجمع الفاتيكانيّ الثّاني: "أليست هذه السّيّدة المتواضعة، أختنا وفي الوقت نفسه أمّنا وملكتنا السّماويّة، هي المرآة الصّافية الّتي تنعكس فيها صورة الله بصفاء كامل؟".

فلا تخافوا أن تأتوا إليها وتتعلّموا منها، هي السّاهرة الّتي تنير أديارنا، وهي لم تغب عنّا يومًا، ولا تزال تمسك بيد الرّهبانيّة في كلّ أزمة وانقسام وتجديد.‏

معها، سنحمل الشّعلة إلى الأجيال الجديدة: رهبانيّة القلب قبل رهبانيّة الثّوب،

وسنكون رجال صلاة وصدق وخدمة، ونلبس الفقر طهارةً، والطّاعة حرّيّةً، والعفّة حبًّا ناضجًا للّه والإنسان.‏

فلنكن نحن الّذين يسهرون، على مثال مريم، نضيء بصلاتنا شمعة الرّجاء في العالم،

ونحمل في رسالتنا المريميّة وجه الرّحمة والوداعة والتّواضع.‏

العالم يتغيّر، والكنيسة تتجدّد، لكن دعوتنا تبقى هي نفسها: أن نكون شهودًا لوجه الله المريميّ، الحنون، الهادئ، السّاهر.‏

أيّها الإخوة،

في هذا العيد المبارك، ونحن نطوي 330 سنةً من التّاريخ، فلنفتح قلوبنا لربيع جديد من النّعمة.‏ لنجدّد عهودنا، لنعد إلى الينابيع الأولى، إلى الصّلاة الصّافية، إلى الصّمت العامل، إلى التّواضع الّذي يجد فيه الله عرشًا بيننا.

ولنرفع مع مريم نشيد الشّكر قائلين: "تعظّم نفسي الرّبّ، وتبتهج روحي بالله مخلّصي".

أيّها الرّبّ الإله، بارك رهباننا، كبارًا وصغارًا، مقيمين ومنتشرين، احفظ الرّهبانيّة في وحدتها ورسالتها، واجعلها دائمًا نورًا يضيء في االعالم، لتمجيد اسمك القدّوس، بشفاعة الطّوباويّة مريم السّاهرة، إلى الأبد. آمين."

وفي ختام الاحتفال، جدّد أبناء الرّهبانيّة تكريسهم لمريم العذراء، شفيعة الرّهبانيّة ورفيقة دربها عبر التّاريخ.