دينيّة
23 حزيران 2021, 07:27

رحل ماتيو إلى "سعادة السّماء"!

ريتا كرم
"ماتيو أحبّ الحياة وأعطى من ذاته لخدمة الفقراء وعمل الخير". بهذه الكلمات توجّهت عائلة الأب مجدي العلّاوي في بيان إلى روّاد وسائل التّواصل الاجتماعيّ الّذين تناقلوا منذ ساعات المساء خبر وفاة ابنه ماتيو (مواليد 1996)، الّذي عُثر عليه جثّة داخل منزله في كسروان.

وفي وقت تتحدّث بعض الوسائل الإعلاميّة عن احتمال أنّ الضّحيّة قد شنق نفسه، وهي في الواقع "أخبار لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة"، أكّدت العائلة أنّها بانتظار استكمال التّحقيقات لمعرفة سبب الوفاة، راجية "من الجميع عدم نشر هذه الأخبار والاكتفاء بالصّلاة لراحة نفس ماتيو".

هي كلمات قليلة كتبتها العائلة، إلّا أنّها تخفي بين سطورها ألمًا كبيرًا: هي تخفي أنين والد عُرف بإنسانيّته وكرمه وأبوّته للكثير من الشّباب الّذين عصفت بهم الحياة وأدمنتهم على الممنوع، فكان هو اليد الّتي مُدّت إليهم لتنتشلهم من القعر وتساعدهم على الولادة الجديدة وتزرع فيهم سعادة السّماء.  

هي تخفي وجع الأب في عيده، ولكنّها تحمل كذلك رجاء كبيرًا وتسليمًا كلّيًّا لله، فكلمة الشّكر لله ما فارقت شفتاه بالأمس. إذ وقف أمام هول الفاجعة يئنّ نعم، ولكن يصلّي ويهتف على مسامع الحاضرين "شكرًا ربّي، شكرًا ربّي". فكان في عزّ المصيبة صخرة في الإيمان، وقدوة في الرّجاء، وعزّة في الصّمود.

هي تخفي حرقة الأمّ الثّكلى الّتي رفضت تناول دوائها إلّا من يد ماتيو. هذه الأمّ الّتي باتت كلّ أحلامها وآمالها معلّقة برؤية ضناها بجانب أفراد أسرتها الخمسة الآخرين، حيًّا يرزق. هي تخفي دغدغات ذكريات الماضي، فالأمّ في عزّ ألمها اشتهت "صبحيّة" مع ولدها وتأرجحت فيها المشاعر بين الأمس واليوم، كيف لا وهي من ربّته وعلّمته وحضنته منذ ولادته؟  

رحل ماتيو، وترك إخوته حائرين مشتاقين لغيابه. رحل وأودع على كتفي عائلته صليبًا ثقيلاً.

رحل وتركنا، نحن أسرة تيلي لوميار/ نورسات، مصعوقين بضجيج رحيله، فجفّ الحبر وسكتت الكلمات لفينة، إلّا أنّ جبروت الأب مجدي أعاد النّبض إلى مكانه. فبكلمات "المسيح قام حقًّا قام"، توجّه إلينا وكأنّه بتلك العبارة أنعش فينا من جديد روح القيامة، مؤكّدًا بأنّ الرّسالة مستمرّة بالرّغم من فداحة الخسارة الجسديّة، لكنّ الإيمان بأنّ ماتيو قد وُلد اليوم ودخل الحياة الأبديّة يجعلنا نكتب هذه السّطور متقدّمين من عائلته بأحرّ التّعازي، وبخاصّة من الأب مجدي الّذي نتوجّه إليه اليوم بكلمات ابنه ماتيو والّتي كتبها له في عيد الأب في العام 2016 قائلاً باللّغة المحكيّة:

"بتطلّع فيك وبشوفك وعينك على الكلّ... وقلبك بينبض مع نبضات قلوب الكلّ... راحتك هي راحة الكلّ وتعبك هويّ تعب الكلّ... بتنام لمّا يبلّش يحلم الكلّ... بتوعا قبل ما يوعا الكلّ... حاجاتك هي حاجات الكلّ... صلاتك، أعمالك، محبّتك، خدمتك، قلبك، روحك، جسدك، نفسك، وقتك، قوتك، عنفوانك، كرمك، كلّن للكلّ... بتعصّب لمصلحة الكلّ، وبتنقهر لخير الكلّ... وبتنسا تفكّر بحالك، بنظرنا أكيد، بالواقع أنت أكتر حدا مفكّر بحالو، بس مش على الأرض، بالسّما، فوق مع يسوع... إنت عم تسعى لتعيّشنا سعادة السّماء على الأرض لنشوف متلك سعادة الأرض بالسّما... بيّ مجدي، بيّ الكلّ أنا من الكّل، كلّنا بحاجة إلك ولمحبتك يلّي ما إلها حدود... صلّيلنا!".