رئيس قسم الإعلام في معهد الدراسات القبطيّة د. رامي عطا: الإعلام المسيحي في مصر: أيّ دور؟ أيّ حدود؟
مقدمة
تمثل وسائل الإعلام على وجه العموم أحد أبرز مؤسسات التنشئة الاجتماعية في عصرنا الحالي، ذلك أن لوسائل الإعلام، مقروءة ومسموعة ومرئية وإلكترونية، دور كبير في تشكيل عقول الجمهور وتنمية وعيهم بقضايا المجتمع المتنوعة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، ومن ثم تكوين الرأي العام، إنها تقوم بدور واضح ومهم في ترسيخ مجمل منظومة القيم الحاكمة للمجتمع، إيجابية كانت أم سلبية، وهو دور تقوم به وسائل الإعلام، إلى جانب غيرها من مؤسسات المجتمع (الأسرة- المؤسسة الدينية- المؤسسة التعليمية- المؤسسات الثقافية- مؤسسات المجتمع المدني).
الإعلام المسيحي في مصر: إعلام من الداخل وإعلام من الخارج
تلعب وسائل الإعلام المسيحية على وجه الخصوص دورًا مهمًا ومؤثرًا بين المسيحيين، خاصة وأنها تنتشر يومًا بعد آخر، فقد ظهرت وعلى نحو رئيس لتسد فجوة تتمثل في ضعف اهتمام الإعلام الرسمي/ الحكومي/ القومي بالمسيحيين وكنائسهم، وهي من ثم مصدر ثقة ومصداقية لكثيرين، إنها بمثابة كنيسة في كل بيت قبطي/ مسيحي.
وتنبغي الإشارة إلى تنوع وسائل الإعلام المسيحية وتعددها التي تصدر وتبث في مصر ما بين صحف- قنوات فضائية- مواقع إلكترونية- إذاعات على الإنترنت.
صحف:
بدأت صحف الأقباط الدينية في الظهور منذ تسعينيات القرن التاسع عشر، للأقباط الأرثوذكس والبروتستانت والكاثوليكية، حيث عُد هذا الأمر في ذلك الوقت نوعًا من الحرية الدينية والحرية الشخصية والمساواة بين الأقباط والمسلمين، فقد تمتع الأقباط بشيء من الحرية الدينية مع بداية حكم محمد علي باشا لمصر سنة 1805م، وكان المجتمع المصري آنذاك في ظرف تاريخي سمح له بظهور صحف دينية مسيحية، دون ثورة الآخر الديني، وهو ظرف تاريخي سمح بالتعددية والتنوع، تقبله أبناء المجتمع دون تحزب أو تعصب، واستمرت ظاهرة الصحف الدينية إلى اليوم، والصادرة عن كنائس- أديرة- جمعيات أهلية مسيحية/ قبطية.
في المجال العام: تبرز جريدة (وطني) والتي تأسست سنة 1958م، وجريدة (الطريق والحق)، بالإضافة إلى عدد محدود من التجارب الصحفية.
في المجال الخاص: تنتشر المجلات الدينية على النحو التالي:
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية: مجلة (الكرازة) وهي المجلة الرسمية الناطقة بلسان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كان قد أسسها نيافة الأنبا شنودة (المتنيح البابا شنودة لثالث) سنة 1965م حينما كان أسقفًا للتعليم، مجلات (رسالة الشباب) و(الكلمة) و(أغصان) تصدر أسقفية الشباب، مجلة (مصر الحلوة) تصدر عن المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، بالإضافة إلى بعض التجارب الصحفية المحدودة في عدد من الإيبارشيات والكنائس.
الكنيسة القبطية الإنجيلية: مجلة (الهدى).
الكنيسة القبطية الكاثوليكية: مجلة (الإصلاح)، صحيفة (حامل الرسالة).
قنوات فضائية:
دخل المواطنون الأقباط مجال القنوات الفضائية منذ تسعينيات القرن العشرين، وهو الأمر الذي له أهميته الخاصة لاسيما وأن جمهور الفضائيات يتسع يوماً بعد آخر..
وقد بدا الأمر بقناة (SAT7) والتي تُعد القناة الفضائية الأولى لمسيحيي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، انطلقت قي عام 1995م. وفي مصر شاركت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كلاً من الكنيسة الإنجيلية والكنيسة الكاثوليكية في افتتاح مقر لقناة سات سيفن SAT7 بمصر أواخر التسعينيات من القرن العشرين، كما ظهرت قناة "سات سيفن كيدز" المتخصصة للأطفال.
وهناك مجموعة قنوات تعبر عن الكنيسة القبطية بتراثها وتاريخها.. ماضيها وحاضرها:
قناة أغابي Aghapy ، أي محبة، برعاية نيافة الأنبا بطرس الأسقف العام، وقد بدأت بثها التجريبي في 14 نوفمبر 2005م، الذي يوافق عيد تجليس البابا شنودة الثالث، وهي أول قناة فضائية خاصة بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
قناة سي تي في (ctv)، التي بدأت بثها التجريبي سنة 2007م، أسسها رجل الأعمال المعروف د. ثروت باسيلي وكيل المجلس الملي العام، وشعار القناة "ربنا موجود" وهو قول مأثور للبابا شنودة الثالث.
والجدير بالذكر أنه في عام 2009م بدأ بث القناتين القبطيتين على القمر الصناعي المصري (Nile sat)، وهى الخطوة التي أسعدت الموطنين الأقباط.
قناة (MEsat) تحت إشراف نيافة الأنبا إرميا مدير المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، وقد بدأت بثها عام 2011م.
قناة (كوجي) وهي أول قناة فضائية متخصصة للأطفال، بدأ بثها في 2015م، ويشرف عليها نيافة الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة وتوابعها، ورئيس لجنة الإعلام بالمجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
وإذا كانت قناة (كوجي) متخصصة للأطفال، فإن القاسم المشترك بين قنوات (أغابي) و(سي تي في) و(مي سات) يتمثل في المضمون الديني المتشابه وربما المتماثل إلى حد بعيد، من حيث الاهتمام الواضح بالموضوعات الكنسية المتنوعة من موضوعات روحية ولاهوتية وعقدية، وغيرها، فهذه القنوات تقدم للمشاهدين القداسات والصلوات الكنسية واحتفالات المناسبات المختلفة إلى جانب البرامج التي تشرح وتفسر الطقوس والعقيدة والألحان والتاريخ الكنسي. والمتأمل للمضمون الإعلامي الذي تقدمه هذه القنوات سوف يكتشف أنها تجعل المواطنين الأقباط يعيشون جوًا روحيًا كنسيًا في بيوتهم، فقط من خلال استخدام الريموت كنترول وأجهزة الاستقبال الخاص بهما، وإذا كانت قناة (أغابي) تركز مضمونها على المجال الديني فإن الاهتمام بالشأن العام والوضع السياسي يتسع ويزداد في قناتي (سي تي في) و(مي سات).
وهناك عدد من القنوات المسيحية التي تبث من الخارج ولكنها موجهة لمصر والمنطقة العربية والناطقين بالعربية، بعضها أسسها مصريون، تهتم بالمجال الديني- الروحي إلى جانب مناقشة هموم المسيحيين عامة وهموم الأقباط ومشكلاتهم خاصة. منها: "لوجوس"، "الكرمة"، "الطريق"، "الحرية"، "الحياة"، "الشفاء"، "الملكوت"، "المعجزة"، "الراعي الصالح"، "الحقيقة المسيحية"، "المسيح للجميع"، "الفادي"، "كوبتك سات"، "الوعد"، "الشباب المسيحي"، "البيت القبطي"، "سيف الكلمة"، "المنارة"، "البشارة"، "الرجاء"، "نور سات".
مواقع إلكترونية:
اهتم عدد من الأقباط (مؤسسات وأفراد) بتأسيس مواقع إلكترونية على الشبكة العالمية للمعلومات (الانترنت)، بعضها عن مؤسسات مثل الإيبارشيات والكنائس والأديرة والجمعيات والمؤسسات الأهلية، وبعضها الآخر عن أفراد، من داخل مصر وخارجها، بالإضافة إلى عدد من المدونات وصفحات التواصل الاجتماعي ذات الاهتمام بالشأن القبطي/ المسيحي. ومن بين أبرز تلك الموقع: موقع أسقفية الشباب، الأنبا تكلا هيمانوت، الأقباط متحدون، صوت المسيحي الحر، الأقباط اليوم، مسيحيو مصر.. ومن الملاحظ أن عددها يزداد يومًا بعد آخر بسبب تنامي تكنولوجيا الاتصال وقلة التكلفة المادية إلى حد ما مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية.
مزايا، قصور، تحديات، تطلعات المستقبل([1]):
مزايا:
التوعية بالموضوعات الدينية، ووصول الرسالة المسيحية للمناطق المحرومة من دور العبادة (الكنائس)، ما يُساهم في تقديم رسالة روحية (قوامها: السلام، المحبة، الخير).
تغطية أخبار الكنيسة، والأنشطة الكنسية المتنوعة، وبالأخص متابعة الاحتفالات الدينية المسيحية التي لا يهتم بها الإعلام الرسمي.
تناول القضايا الخاصة بحقوق الأقباط وهي شريحة كانت مهملة من قبل، فهي بمثابة صوت الأقباط في مناقشة قضاياهم وهمومهم، لتحل جزئيًا مشكلة تجاهل الإعلام الرسمي للأقباط.
مخاطبة قطاع كبير من المسيحيين من مختلف الأعمار، حيث استطاعت تلك القنوات جذب الكثير من الأسر المسيحية.
تبسيط القضايا المجتمعية المتنوعة أمام المواطن، ما يساعد على ربط الإنسان المسيحي بالوطن.
قصور:
ضعف المهنية أحيانًا، ربما بسبب إشراف غير مهني لبعض تلك الوسائل، ومن مظاهر ذلك: الانسياق وراء الشائعات أحيانًا، غياب الرأي الآخر عند مناقشة بعض القضايا، وتقديم وجهة نظر أحادية، وتناول عاطفي للأحداث.
ضعف الاهتمام بتدريب الإعلاميين.
عدم التعاون بين وسائل الإعلام المسيحية وبعضها بعضًا.
فقر التناول الإعلامي، وقصور الرؤية الإعلامية في مناقشة بعض القضايا وعدم الإلمام بجوانب القضية.
الافتقاد للصراحة والجرأة والوضوح أحيانًا.
هناك مسافة بين الرسالة الإعلامية وصناع القرار.
تأثيره على المسيحيين فقط، وعدم الوصول إلى شريك الوطن.
تكرار البرامج على نفس الوتيرة والمنهج.
عدم القدرة على مواكبة الأحداث أحيانًا، ومن أسباب ذلك غياب وجود شبكة من المراسلين وضعف التمويل المادي.
الرقابة الذاتية بما يؤثر سلبًا على قوة المواد الصحفية والإعلامية.
الاعتماد على شخصيات غير محترفة في العمل (وبالأخص الإخراج والتصوير).
التوسع في البرامج السياسية حتى أصبح بعضها بوقًا للسلطة، يضطر لمراعاة التوازنات السياسية والمجتمعية، في إطار من عدم الاستقلالية.
تحديات:
ضعف الإمكانيات المادية والفنية، ما يؤثر على متابعة الأحداث.
ضيق المجال العام وتأثيره على دور الإعلام.
العمل تحت ضغوط متنوعة، منها مثلًا: رفض البعض لوجود تلك الوسائل، ضغوط المؤسسة الدينية، ضغوط الملكية.
عدم القدرة على الدعاية والترويج.
الرقابة الأمنية من قبل مؤسسات الدولة.
كيفية توسيع دائرة المشاهدين لتشمل مسيحيين ومسلمين، ومخاطبة غير المسيحيين وتلبية احتاجاتهم.
استمرار عمل وسائل الإعلام المسيحية في تأدية رسالتها.
تجديد دماء الإدارة.
الانفتاح على العالم والاهتمام بالإنجازات العلمية والمعرفية.
أمنيات المستقبل:
الحاجة إلى قنوات مسيحية متخصصة للشباب والأطفال.
إعداد كوادر إعلامية متخصصة، عبر الاهتمام برفع كفاءة العاملين من خلال التدريب المستمر، ووجود إشراف مهني من إعلاميين محترفين وأكفاء.
الانفتاح على الكنائس الأخرى.
الخروج من أسوار الكنيسة والانفتاح على المجتمع، وملاحقة الإنتاج العلمي.
التنوع في طرح القضايا، ما يتطلب تنوع المحتوى وتطوير المضمون، والأفكار، والتجديد باستمرار ومسايرة التطور.
الوصول إلى قاعدة جماهيرية مسيحية كبيرة.
قوانين لتنظيم الإعلام.
مد الدولة يد العون لها.
اختيار ضيوف مناسبين من ذوي الخبرة.
الاستفادة من التجارب الأجنبية.
مزيد من الجرأة في طرح القضايا والأفكار، والتواصل مع المسئولين وصناع القرار.
المهنية والموضوعية.
المنافسة على الساحة الإعلامية.
توفير الدعم المالي.
جذب جمهور أوسع من غير المسيحيين.
واقع الأمر أننا قد نتفق وقد نختلف حول تلك الآراء والأفكار إلا أنها تستحق التأمل والمناقشة والتفكير في كل الحالات.
[1] اعتمدت الورقة في هذا الجزء وبنسبة كبيرة على استطلاع رأي مجموعة من الصحفيين والإعلاميين العاملين في عدد من وسائل الإعلام المسيحية.