رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا بطريرك القدس للّاتين الجديد
يُذكر أنّ البطريرك الجديد هو "من مواليد 21 نيسان أبريل 1965 في محافظة بيرغامو في شمال إيطاليا، وانضمّ إلى رهبنة الأخوة الأصاغر الفرنسيسكان وأعلن النّذور في 14 تشرين الأوّل أكتوبر 1989 وسيم كاهنًا في 15 أيلول سبتمبر 1990. توجّه إلى الأرض المقدّسة في تشرين الأوّل أكتوبر من السّنة ذاتها وبدأ الخدمة في حراسة الأراضي المقدّسة سنة 1999 وعُين حارسًا للأراضي المقدّسة في 15 أيّار 2004 واستمرّ حتّى نيسان أبريل 2016، ثم عينّه البابا فرنسيس في 24 حزيران يونيو من السّنة ذاتها مدبّرًا رسوليًّا لبطريركيّة القدس للّاتين، ومُنح السّيامة الأسقفيّة في 10 أيلول سبتمبر في كاتدرائيّة بيرغامو. وفي 31 أيّار 2017 عيّنه البابا فرنسيس عضوًا في مجمع الكنائس الشّرقيّة."
وعقب تعيينه، وجّه البطريرك الجديد تحيّة إلى أبناء الكنيسة في الأرض المقدّسة، كتب فيها نقلاً عن الموقع الإلكترونيّ لبطريركيّة القدس للّاتين:
"أيّها الإخوة والأبناء الأعزّاء،
قبل أربع سنوات، وفي نهاية خدمتي كحارس للأراضي المقدّسة، أراد قداسة البابا أن يعيّنني مدبّرًا رسوليًّا لبطريركيّة القدس للّاتين. فسّرت آنذاك ذلك التّعيين، الّذي ما زال يدهشني ويربكني، في ضوء فعل "رجع": مثل تلميذيْ عمّاوس اللّذين كانا على وشك مغادرة القدس بعد أحداث الفصح، شعرت أنا أيضًا بالدّعوة للرّجوع إلى القدس، لاستئناف المسيرة، والالتقاء بالجماعة مرّة أخرى، ولتكثيف الالتزام. وفي الواقع، كانت هذه السّنوات بينكم، سنوات من التّعافي وحشد الطّاقات والالتزام الشّديد. لم تكن دائمًا سهلة، لا بل كانت متعبة أحيانًا. حاولنا معًا حلّ بعض مشاكل الأبرشيّة حتّى تكون شهادتها ورسالتها أكثر مرونة وشفافيّة. وعندما اعتقدت أنّ خدمتي في القدس قد انتهت، تلقّيتُ دعوة جديدة من البابا فرنسيس لأن أكون بطريركًا. وها هو يطلب منّي مرّة أخرى أن "أبقى".
لا أستطيع الهروب من دلالات وتداعيات الفعل "بقي". إنّه يدلّ على الصّبر النّاضج، والانتظار اليقظ، والإخلاص اليوميّ الجادّ، الّذي لا يحتمل دلالات عاطفيّة عابرة. هذا البقاء يشير قبل كلّ شيء إلى دعوة الرّبّ لرسله قبل الصّعود. كانوا لا يزالون متردّدين وفي حيرة من أمرهم، يميلون إلى تغيير طريقهم، ويبحثون عن حلول سريعة، كما لو كانوا يريدون التّحكّم بالأزمنة الإلهيّة. لذا قال لهم يسوع: "ابقوا في المدينة حتّى تلبسوا قوّة من العلاء" (لوقا 24: 49). وبقوا هناك وهم يعلمون أنّ تحقيق الملكوت لم يكن بيدهم، وأنّه يأتي من العلاء، ولا بدّ من الانتظار بالصّلاة والصّبر والإيمان والرّجاء. ولذا أنا أيضًا سأبقى، لأمشي بينكم ومعكم، في الإيمان والرّجاء، بانتظار القوّة الّتي تأتي من العلاء. أودّ أن أسير أوّلاً وقبل كلّ شيء مع الكهنة والرّهبان والرّاهبات والشّمامسة والإكليريكيّين، أن أبقى معهم في خدمة الجميع، لأشهد لله ولأتعلّم أولويّاته ومواقيته، ولأصبر كالزّارع، صبرًا مليئًا بالرّجاء، ومتيقّنا من ثمار الرّوح.
فعل "بقي" أو "مكث"، كما ورد في إنجيل يوحنّا، هو أيضًا مرادف لفعل "أحبّ"، وأعني به الحبّ الحقيقيّ، الّذي نتعلمه في علّيّة صهيون وفي الجسمانيّة. إنّه فعل صعب بالنّسبة لي. ففي وقت يتسمّ بشكل متزايد بالتّهرّب والهروب، وفي عصر السّرعة الجنونيّة والبحث عن انفعالات ونزوات أقوى، يبدو أنّ الدّعوة إلى البقاء عفا عليها الزّمن، لأنّها دعوة قديمة ومستحيلة.
في الواقع، نحن نعاني من مشاكل قديمة وجديدة: من سياسة النّفس القصير، غير القادرة على الرّؤية الشّجاعة، ومن الحياة الاجتماعيّة المجزّأة بشكل متزايد، ومن اقتصاد يفقِرنا أكثر فأكثر، وأخيرًا من هذا الوباء، الّذي يفرض علينا إيقاعًا بطيئًا مخالفًا لنمط الحياة الّتي اعتدنا عليها. لكنّي أفكّر أيضًا بمدارسنا الّتي تواجه صعوبات أكبر من أيّ وقت مضى، وبمجتمعاتنا الكنسيّة الهشّة أحيانًا، وبالعديد من القضايا الّتي تأتينا من الدّاخل والخارج، والّتي نعرفها جيّدًا. كلّ هذا يعلّمنا بشكل مؤلم، ولكن فعّال، أنّ الإيقاع القديم للإنسان يجب أن يتغيّر، إذا أراد أن يخلّص نفسه والعالم.
يجب ألّا نشعر بالإحباط. في السّنوات الأربع الماضية، اختبرت، إلى جانب العديد من المشاكل، أنّ لدينا أيضًا الموارد والرّغبة والقوّة للتّطلّع بثقة إلى الأمام، والقدرة على عيش غموض هذا الزّمن برجاء مسيحيّ.
ولهذا السّبب أيضًا، أشعر بالدّعوة الموجّهة إليّ وإلى كنيستنا "للبقاء"، ليس حتمًا في وحدة المكان، بقدر ما هو في استعداد الرّوح وجاهزيّة العزم، أيّ البقاء أمينين نحو عطيّة المسيح وعطاء الذّات لخلاص العالم.
أعلم أنّ لحظات صعبة واختيارات معقّدة في انتظارنا، لكنّني متأكّد من أنّنا قادرون على التّطلّع إلى الغد بثقة، كما اعتدنا أن نفعل حتّى اليوم.
لذلك أؤكّد للجميع رغبتي في خدمة كلّ واحد منكم، شعبنا وكنيستنا، وأن أحبّها، قدر الإمكان، بنفس الحبّ الّذي شهدته علّيّة صهيون والجسمانيّة، وأن أضع تحت تصرّفكم ما أنا عليه وما لديّ. وأطلب منكم البقاء معي في نفس الجاهزيّة وفي نفس القرار. تذكّرنا "الباليوم"، الّتي سأرتديها والّتي ستميّز، في الأوقات الاحتفاليّة، خدمتي الجديدة في وسطكم، بأنّنا اخترنا في المعموديّة أن نأخذ على عاتقنا نير المسيح، وثقل الصّليب ومجده. إنّه حبّ مبذول حتّى الموت وما بعد الموت....
يدعونا الرّوح القدس إلى النّظر إلى مستقبل الله الّذي سيأتي "بعد أيّام غير كثيرة"، لا بل هو بالفعل قائم بيننا. فلنسترشد إذن الرّوح في هذه البداية الجديدة لكنيسة القدس العزيزة. ولتشفع لنا جميعًا مريم العذراء، سلطانة فلسطين، الّتي نحتفل بعيدها هذا الأسبوع.
أعانقكم بحرارة وأبارككم باسم الرّبّ."